مرّت في السادس من نيسان (أبريل) ثماني سنوات على وفاة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة دون اهتمام كبير في تونس، فقد تحدثت صحيفة يومية واحدة عن المناسبة ذكّرت بتاريخ الزعيم الذي قاد الحركة الوطنية، وترأس أول حكومة تونسية بعد الاستقلال، ثم ترأس البلاد لثلاثين عاما، أزيح بعدها بما عرف "بالانقلاب الطبي" الذي قاده الرئيس الحالي زين العابدين بن علي في 7 تشرين ثاني (نوفمبر) من العام 1987. أمّا الحزب الحاكم الذي أسسه الزعيم الراحل فقد أقام مناسبة حزبية في مسقط رأسه توّجت بمناشدة منظميها للرئيس الحالي زين العابدين بن على الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 لمواصلة الحكم لولاية خامسة. واندرجت هذه المناسبة الخاصة بالحبيب بورقيبة في سياق عام لم يخص بورقيبة وحده بالتكريم، بل جاء في بلاغ الوكالة الرسمية للأنباء أنّ الموكب تم "بتكليف من الرئيس زين العابدين بن علي تأكيدا لتقدير سيادته لتضحيات الزعماء والشهداء والمناضلين في سبيل حرية الوطن وعزته ومناعته". وعلى خلاف العادة لم يتنقل الرئيس بن علي بنفسه إلى مدينة المنستير مسقط رأس الزعيم الراحل ليقوم بزيارة قبر الحبيب بورقيبة وتلاوة الفاتحة على روحه. فقد أوفد قيادات الحزب الحاكم. ولوحظ في المناسبة غياب عائلة الزعيم الراحل وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة الابن. وانتظم إحياء ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة تحت شعار "الوفاء والولاء لصانع التغيير" (زين العابدين بن علي). وقد تولت الصحف تغطية الحدث كمناسبة حزبية لتعداد منجزات الرئيس الحالي في الحفاظ على الاستقلال ومواصلة ما بدأه بورقيبة. وقد اعتبر الإعلامي التونسي لطفي حجي صاحب كتاب "بورقيبة والإسلام" أنّ إحياء هذه الذكرى كان محتشما ولا يليق بمكانة الزعيم بورقيبة، خاصة وأنّ الذين أرادوا إحياءها هم من الحزب الذي أسسه بورقيبة نفسه. وكان من المفروض أن يلقى اهتماما أكثر خاصة وأنّ وفاته كما يتذكر الجميع شابها الكثير من التقصير من قبل الحزب الحاكم والهياكل الرسمية. الأمر الذي وقع انتقاده في العديد من وسائل الإعلام الأجنبية مما اضطر السلطة وقتيا إلى محاولة الترقيع عبر تنظيم بعض الندوات الخاصة بالرجل". وانتقد حجي تواطؤ وسائل الإعلام في تهميش مكانة الزعيم بورقيبة وقال "كان من المفروض أن تخرج الصحف من هذا التوجه الرسمي وتفتح حوارات بهذه المناسبة لاستجلاء آراء مجموعة من المسؤولين السابقين الذين كانوا مقربين من بورقيبة ولا يزالون متحمسين لفكره وتجربته السياسية. لكنّها لم تفعل، ربّما خوفا من ردة الفعل الرسمية التي لا تريد إبراز الزعيم بورقيبة بمناسبة أو دون مناسبة". وقال حجي في تصريح خاص لقدس برس "إنّني أعتبر أنّ من الثغرات الكبرى في تعامل الحزب الحاكم مع مؤسسه وزعيمه بورقيبة أن تصبح المؤسسات الخاصة مثل "مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات" أحرص من الحزب الحاكم على إبراز التراث البورقيبي بسلبياته وإيجابياته. وكان من المفروض في إطار الوفاء التاريخي أن يؤسس هذا الحزب مركز دراسات باسم زعيمه الأوّل لأنّه خلف مواقف واختيارات تحتاج إلى الدراسة وإعادة النظر سواء تعلق ذلك بالقضايا الوطنية مثل قضية المرأة والتعليم أو على المستوى العربي والدولي، والذي تجسد بالخصوص في موقفه من القضية الفلسطينية ومواقفه الدبلوماسية إبان ما كان يعرف باسم الحرب الباردة". ولا يلقي لطفي حجي بالمسؤولية على عاتق الجهات الرسمية فحسب إذ يرى أنّ "التقصير يقع أيضا على عاتق النخب التي لم تدع بطريقة أو بأخرى إلى إحياء هذه المناسبة، خاصة في ما يعنيها من مواقف بورقيبة السياسية". وأضاف "إنّني من الذين يعتبرون أنّه لا يمكن لنا أن نؤسس لتجربة سياسية تعددية في تونس دون نقض الفكر السياسي البورقيبي الذي كان فكرا أحاديا أسّس لدولة الحزب الواحد وللمؤسسات القمعية الأحادية التي تهيمن على كافة جوانب المجتمع والتي ورثها النظام الحالي وزاد في التفنن فيها في اتجاه التصلّب. لأنّ من الثغرات الكبرى في التجربة البورقيبية غياب الديمقراطية على الرغم من إرادة التغيير في المجال الاجتماعي التي طبعت المواقف البورقيبية. وهي مفارقة كبرى في نظري لأنّه لا يمكن الحديث عن حداثة وتعصير دون ديمقراطية".