تونس:تجري حاليا اتصالات مكثفة بين الحكومتين التونسية والليبية لتطويق مضاعفات الإحتجاجات التي تسود المناطق التونسية المتاخمة للحدود مع ليبيا، وخاصة مدينة بن قردان التي تبعد نحو 20 ميلا عن بوابة رأس جدير الحدودية.وانطلقت مظاهرات في بن قردان يوم 9 الجاري في أعقاب قرار السلطات الليبية منع التجار التونسيين من نقل السلع إلى الأراضي التونسية. ونسب التجار التونسيون الذين يستخدمون سياراتهم الخاصة أو شاحنات صغيرة في هذه التجارة الموازية إلى السلطات الليبية قولها إن الإجراء تم استجابة لطلب تلقته من تونس. وأفادت مصادر مطلعة أن التجارة الرسمية بين الحكومتين تسير في شكل طبيعي وعبر الشاحنات الكبيرة التي اعتادت على أن تنقل السلع المختلفة بين البلدين. أما التجارة الموازية فتتمثل في نقل البنزين الليبي الرخيص عبر خزانات إضافية في السيارات الخاصة إلى التراب التونسي حيث تُعرض غالونات البنزين على جانبي الطرقات. وتغض السلطات التونسية الطرف عن هؤلاء الباعة المنتشرون في جميع المدن الجنوبية، مثلما تغض الجمارك الليبية الطرف عن تلك السيارات. وينقل التجار التونسيون أيضا مواد استهلاكية ليبية مدعومة وسلعا مستوردة من آسيا، وهي تُباع في أسواق عدة تنتشر في المدن التونسية ويُطلق عليها اسم "أسواق ليبيا". وعلى رغم أن هذه التجارة الموازية تُسبب نزيفا للإقتصاد الليبي فإن الجانبين تكيفا مع هذا الوضع كي لا تختل التوازنات الإجتماعية ومن ثم السياسية. فهناك أكثر من 1 مليون ليبي يزورون تونس سنويا للسياحة أو للتطبيب، كما أن عدد المستفيدين التونسيين من التجارة الموازية مع ليبيا في شكل مباشر أو غير مباشر يُقدر بأكثر من مليون مواطن. من هذه الزاوية كان قرار وقف التجارة الموازية ضربة في الصميم لتلك الفئات الواسعة المستفيدة من الشبكات القائمة والتي تشمل جميع المدن التونسية. وكانت مدينة بن قردان التي تقوم الحياة فيها على التجارة الموازية مع ليبيا بالكامل المكان الذي اندلعت منها الشرارة الأولى للمظاهرات والتي استمرت طيلة الأسبوع الجاري. وكانت السلطات الليبية اتخذت إجراءات متشددة مع المواطنين التونسيين في كانون الثاني (يناير) الماضي عندما اشترطت عليهم الإستظهار ببطاقة إقامة أو عقد عمل قانوني أو دعوة رسمية للسماح لهم بالدخول إلى التراب الليبي. لكنها سرعان ما تراجعت عن تلك الشروط في ضوء محادثات مع السلطات التونسية التي تأذت من الإجراء الليبي لأنه يُقفل أبواب الرزق في وجه عشرات الآلاف من المواطنين ما يُهدد بتعكير الوضع الإجتماعي. وقبل ذلك كان الليبيون طالبوا التونسيين الراغبين بالدخول إلى أراضيهم بدفع ضريبة تعادل ألف دولار، غير أنهم تراجعوا عنها بعد أيام قليلة. ولم يستمر الإلغاء سوى أشهر قليلة إذ عادت السلطات الليبية أخيرا إلى فرض ضريبة تعادل 100 دولار على كل سيارة تونسية داخلة إلى ليبيا. والملاحظ أن التونسيين لم يلجئوا أبدا للمعاملة بالمثل ربما للدور الكبير الذي يلعبه الزوار الليبيون في تحريك عجلة الإقتصاد المحلي. واتسمت ردود الفعل على الإجراء الليبي بالعنف والإتساع إذ شاركت فئات مختلفة في الإحتجاجات التي عمت مدينة بن قردان طيلة الأيام الماضية، وهاجم المتظاهرون قوات الأمن وأحرقوا سيارات تابعة للشرطة وطوقوا مركزا للدرك في أطراف المدينة، كما أضرموا النار في الإطارات المطاطية وسيارات قديمة، وقطعوا الطريق الرابطة بين بن قردان ومركز رأس جدير الحدودي. وعلى رغم ضخامة التعزيزات التي وصلت إلى المدينة لم تُفلح قوات الشرطة ووحدات مكافحة الشغب في السيطرة على الوضع إلى حدود أمس. وذكر شهود عيان ل أن الوضع مازال متوترا ووحدات الشرطة في حال استنفار عام. واتهم نقابيون ومواطنون من بن قردان تجارا كبارا ورجال أعمال متنفذين في تونس بالوقوف وراء الإجراءات الليبية الأخيرة للإستحواذ على شبكات التجار الموازية مع ليبيا. والأرجح أن الوضع سيستمر على توتره طالما لم تتوصل الحكومتان إلى ترتيبات لإلغاء إجراءات منع التبادلات التجارية الموازية بين البلدين. القدس رشيد خشانة