لندن:حرب الكلمات التي اندلعت بين امريكا ولبنان حول الشجرة التي اقتلعها الجيش الاسرائيلي في بداية الشهر الحالي وادت لمواجهة قتل فيها اربعة لبنانيين وجندي اسرائيلي، اعادت النقاش داخل الادارة حول اولويات الحفاظ على علاقاتها مع حلفائها، فمن جهة اكدت الخارجية الامريكية على استمرار الادارة بدعم الجيش اللبناني، ومن جهة اخرى طالب الكونغرس بوقف الدعم للجيش والذي يصل الى 100 مليون دولار امريكي لان الجيش مخترق من قبل عناصر حزب الله الذي يطالب النواب الامريكيون بنزع سلاحه. وبحسب تحليل في صحيفة 'نيويورك تايمز' فالوضع في لبنان لا يختلف عنه في مناطق اخرى لامريكا مصالح فيها. وفي النهاية فحقائق الوضع تتطلب تنازلات، فمن ناحية ترغب واشنطن بدعم حلفائها من الانظمة واخرى تضغط عليها من اجل التصدي للجماعات وانهاء تأثيرها. وفي لبنان تحديدا فالوضع يبدو معقدا نظرا لتركيبته الطائفية والدور الذي يلعبه الجيش اللبناني وهو دور الوسيط، فلا احد بحسب الصحيفة يستطيع تجنب التعامل مع حزب الله الذي يعتبر القوة المهيمنة على الساحة سياسيا وعسكريا.ويتساءل محلل سياسي عن الخيارات الموجودة امام الحكومة والجيش وكلها سيئة، حيث يشير ان كان الخيار الذي يدعو اليه النواب الامريكيون بقطع الدعم يعني في النهاية تسليم البلد لحزب الله.وعليه فمخاطر تحرك النواب الامريكيين ضد دعم الجيش اللبناني ستؤدي للتأثير على دوره في الجنوب وهو الدور الذي تراه الخارجية الامريكية حيويا لان عدم وجوده في الجنوب سيخلق فراغا. والاهم من ذلك فالنقاش حول ضرورة دعم الجيش اللبناني سيعود في ضوء عودة التأثير السوري في لبنان وما تنظر اليه الحركات والتجمعات السياسية المؤيدة للغرب. وتشير الى ان النواب الامريكيين عبروا عن معارضتهم لدعم الجيش اللبناني حتى قبل الاشتباك في الجنوب اذ انهم عارضوا دعم الحكومة التي يجلس فيها حزب الله. فالدعم الامريكي للبنان بني على فكرة تقوية الحكومة اللبنانية بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، عام 2005 وخروج الجيش السوري وهدف الدعم الى نزع اسلحة حزب الله. وبعد حرب ال 34 يوما عام 2006 بدأت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش تفكر انه من خلال تقوية الجيش اللبناني فانها يمكن ان تخلق بديلا عن حزب الله، ومن هنا بدأت تدعم الجيش وتزوده بالاسلحة. ولم يؤد الدعم لتقوية حلفاء امريكا في الحكومة الذين تلقوا هزيمة على يد حزب الله في مواجهات ايار (مايو) 2008. وتشير الصحيفة الى ان حلفاء امريكا في لبنان وجدوا انفسهم بدون دعم من ادارة بوش بعد المواجهات ومن هنا بدأوا بالتحرك نحو تقديم تنازلات ومصالحة مع حزب الله وسورية،وحتى سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية الذي كان من اشد المعارضين لسورية اعترف بالواقع وزار دمشق اربع مرات منذ العام الماضي. وفي ضوء الخلاف السياسي بين الحلفاء والاعداء حاول الجيش اللبناني الحفاظ على موقعه المحايد كجيش وطني فقد رفض التدخل في مواجهات عام 2008 مما ادى بعدد من اصدقاء اسرائيل في الكونغرس الى التساؤل حول نفع جيش كهذا، وذهب النواب بعيدا كعادتهم لتبني الرواية الاسرائيلية حول الاشتباك على الحدود والتي قالت ان حزب الله لا يوسع قدراته في لبنان بل يقوم باختراق الجيش اللبناني. وترى الصحيفة انه لا توجد ادلة على هذا الزعم فالجيش يقوده جنرالات مسيحيون ،ولكنه مثل لبنان مكون من عدد من الولاءات السياسية، وما يفشل النواب بفهمه هو انه حتى القوى السياسية المؤيدة للغرب ترى في اسرائيل التي احتلت لبنان اكثر من مرة طرفا عدوانيا. اما الامر الاخر الذي يتجاهله الغرب فهو ان وجود الجيش في الجنوب هو امر جديد لم يحدث منذ عقود، فهذه المرة الاولى التي يحرس فيها الجيش حدود لبنان الجنوبية. ويظل نشر الجيش مدعاة للفخر للكثير من اللبنانيين وللاخرين منفعة للغرب حيث انه يقوم بالتصدي للعناصر المعارضة للغرب ويحقق بعض الانتصارات الصغيرة مثل مواجهاته مع عناصر فتح الاسلام في نهر البارد وهي المواجهة التي اظهرت ضعف تسليح الجيش اللبناني وحنق اللبنانيين على فشل امريكا بتزويد جيشهم بالمعدات المتقدمة. وترى ان الرد اللبناني الغاضب على حجب الدعم العسكري، حيث هدد الياس المر، وزير الدفاع ان لبنان قد يبحث عن خيارات بديلة سورية او ايران او روسيا- وفي ضوء هذا التهديد الذي قد لا يعني شيئا فالكونغرس قد يجد نفسه امام موقف يتراجع فيه عن محاولة حرمان الجيش اللبناني من الاسلحة.ففي النهاية جيش ضعيف افضل من حالة فراغ يملأها الطرف الاقوى.