المنافقون يهتمون بالظاهر على حساب الباطن، أجسامهم ذاوية، وقلوبهم خاوية، ظاهر مغر، وباطن مخز، في العلن رجال وفي الخفاء خفافيش، ألسنة حالية ونفوس مريرة، فأول ما تشاهده منهم طلعات بهية، وهياكل قوية، وعضلات مفتولة، وسواعد مشدودة، شبع وسمن، ودعاوى عريضة، وتمدُّح أجوف، ولكنهم يحملون هما ساقطا، وعزائم منحطة ونيات خبيثة، ومرادات قبيحة، مرض ينخر في قلوبهم، وشك يعصف بنفوسهم، وخواء يعشعش في ضمائرهم، أما ألسنتهم فهي أسواق لبضاعة الكذب، ومتاحف للزور والبهتان، وأما قلوبهم فأطلال بالية أقام بها النفاق، وحل بها الكفر، وملأها الرجس. إن المسألة ليست بالصور والهندام وجمال الأشكال وبهاء الهياكل، ولكن المسألة مسألة قلوب تبصر النور، ونفوس تفيض بالخير، وسجايا تشع بالفضيلة. إن من يرتاب في أمر الله، ويشك في دينه، ويعرض عن عبادته، ويحارب رسله، ويعادي أولياءه، ويسخر من عباده لَهُو أولى الناس بالنبذ والإذلال والإهانة؛ لأنه خبيث النفس، خائن الضمير، ميت الإرادة. إن هؤلاء الذين تعجبك أجسامهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ولا يذكرون الله إلا قليلا، ولا ينفقون إلا وهم كارهون، فهم أضعف شيء عن الطاعات، وفعل الصالحات، وأداء الواجبات، ولكنهم أقوياء في اقتطاف الشهوات، وتصيد اللذائذ، وركوب المعاصي. إن الله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسامنا، ولكنه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فلا يغرك جسم لا قلب فيه، وهيكل لا روح فيه، وجثمان ليس به حياة: * لا بأس بالقوم من طول ومن عِظم - جسم البغال وأحلام العصافير. وعلينا النظر إلى الحقائق ومعادن الناس وأخلاقهم وصفاتهم: * خذ بحد السيف واترك نصله - واعتبر فضل الفتى دون الحلل. إن الرجال لا يقومون بالثياب، وإن العظماء لا يقاسون بالأشبار، ولا يوزنون بالأرطال، ولكن قيمتهم عملهم الصالح، وقياسهم أخلاقهم الجميلة، ووزنهم تاريخهم المشرق. إن شعرة في رأس عبد الله بن مسعود الصحابي خير من مليون رجل من أمثال عبد الله بن أبي بن سلول؛ المنافق السمين البدين البطين، وإن ظفر بلال بن رباح أفضل من جيش من أمثال أبي جهل الضخم الفخم المريد الرعديد، لأن المسألة مسألة إيمان وفقه وصلاح وتقوى لا لحم ولا عظم ولا شحم ولا دم. الشرق الاوسط