واشنطن:حين يعيد الرئيس الامريكي باراك أوباما أخيرا الزعيمين الاسرائيلي والفلسطيني الى مائدة المفاوضات هذا الاسبوع لن تكون هذه أكبر خطواته في عملية صنع السلام بالشرق الاوسط وحسب بل وأكثرها مجازفة ايضا.ففي عام يشهد انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الامريكي يضع أوباما مكانته كرئيس على المحك بمحاولته دفع عملية السلام في الشرق الاوسط رغم التشكك الواسع في فرص نجاحه فيما فشل فيه الكثير من أسلافه. والجمع بين الجانبين في واشنطن لاستئناف المحادثات المباشرة والالتزام بمحاولة طموح لصوغ اتفاق للسلام في غضون 12 شهرا يزيد المخاطر بالنسبة لاوباما في التعامل مع واحد من اكثر الصراعات المستعصية في العالم. يقول ستيفن كوهين رئيس معهد السلام والتنمية بالشرق الاوسط "أوباما يبعث برسالة مفادها أنه مستعد لوضع رأسماله السياسي على الطاولة... والسؤال هو ما اذا كانت الاطراف الاخرى مستعدة للمجازفة بأي شيء." ويرى محللون أن دبلوماسية الشرق الاوسط التي جددها أوباما قد تكون لها تأثيرات أوسع نطاقا على جهوده لعزل ايران التي تتخذ موقفا نوويا يتسم بالتحدي ولتحسين علاقات الولاياتالمتحدة مع العالم الاسلامي. غير أن ما يجعل منها مقامرة في الداخل هو أن أوباما يلقي بثقله قبل انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الامريكي في نوفمبر تشرين الثاني ومسعاه للفوز بولاية رئاسية ثانية في عام 2011 . وفي موسم سياسي تهيمن عليه المخاوف الاقتصادية فان احراز تقدم دبلوماسي في قضية الشرق الاوسط سيكون اضافة لرئيس فاز بجائزة نوبل للسلام عن براعته في القاء الخطب اكثر من قيامه بانجازات ملموسة ولا يزال يسعى جاهدا لاكتساب مصداقية على صعيد السياسة الخارجية. لكن سيكون على أوباما الذي يعاني من انخفاض معدلات التأييد له وسط قلق جماهيري من الاضطرابات الاقتصادية أن يخطو خطواته بحذر. وعليه أن يحذر من أنه اذا ضغط على اسرائيل بشدة لتقدم تنازلات فانه يجازف باغضاب القاعدة العريضة الداعمة لها بين الناخبين الامريكيين. أما اذا انهارت جهود السلام كما حدث كثيرا من قبل فان منتقدي أوباما من الجمهوريين سيتهمونه لا محالة بأنه يعد بأكثر مما يستطيع أن يوفي. ومما يبرز صعوبة التحديات احتمال تعثر المفاوضات في 26 سبتمبر أيلول حين ينتهي التجميد الجزئي للبناء الاستيطاني في الضفة الغربيةالمحتلة الذي أعلنته اسرائيل لمدة عشرة أشهر. ومع تعهد الفلسطينيين بالانسحاب من المفاوضات ما لم يتم تمديد التجميد يعمل مساعدو أوباما على قدم وساق. لكن مجرد العودة الى المحادثات المباشرة للمرة الاولى منذ 20 شهرا تمثل انجازا هشا لادارة أوباما التي تعثرت حتى وقت قريب في طريق دبلوماسية الشرق الاوسط ولم يظهر من جهودها الكثير. وكان أوباما قد تعهد بمعالجة الصراع في بداية توليه الرئاسة وبأن يظل معنيا بالامر على النقيض من سلفه جورج بوش الذي اتهم على نطاق واسع باهمال القضية خلال معظم فترة حكمه. وتعتبر ادارة أوباما خطوات السلام ضرورية لحشد الدعم العربي في مواجهة نفوذ ايران. ولاطلاق العملية يستضيف أوباما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماعين منفصلين يوم الاربعاء تعقبهما مأدبة عشاء يحضرها الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبد الله عاهل الاردن. وسيجتمع نتنياهو وعباس معا يوم الخميس مع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون التي أكدت الاسبوع الماضي ان من الممكن حل جميع القضايا الرئيسية خلال عام باتفاق على اقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل. وبعد عقود من العداء والدبلوماسية الفاشلة يشعر الاسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء بتشاؤم شديد ويتفق المحللون على أن احتمالات تحقيق السلام في هذا الاطار الزمني الضيق ضعيفة. ويشكك بعض الخبراء في الحكمة من محاولة تعجل المفاوضات بشأن قضايا حساسة مثل مستقبل القدس ويذكرون كيف ساعد انهيار محادثات السلام في نهاية عهد ادارة الرئيس الاسبق بيل كلينتون في اذكاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ويحاول البيت الابيض الذي يعي هذه المخاطر ألا يعلق الكثير من الامال على المحاولة الجديدة لتحقيق السلام. ولا يتوقع أحد انفراجة سريعة في المفاوضات وينبه مسؤولو الادارة الامريكية الى أن محاولة اقرار السلام في غضون عام مجرد هدف وليس مهلة. ولن يكون هناك الكثير من المظاهر الاحتفالية التي صاحبت مؤتمر انابوليس الذي شاركت فيه 44 دولة عام 2007 حين قام بوش بمحاولة أخيرة لتحقيق السلام في العام الاخير من ولايته ولم تسفر عن شيء في نهاية المطاف. غير أن الخبراء لا يقللون من شأن قمة أوباما. وقال أنتوني كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن "لا يوجد حل سحري سريع لكن قيام الرئاسة بدور واضح يمكن أن يساعد في اعطاء قوة دفع." لكن هناك اجماعا على أن نتنياهو وعباس جاءا الى مائدة المفاوضات ليس نتيجة انحسار الخلافات بل لان كلا منهما لا يريد أن يعتبره أوباما هادما للذات ومفرقا للجماعات. وستكون مساحة المساومة أمام نتنياهو محدودة بسبب شركائه المؤيدين للاستيطان في ائتلافه الحاكم كما أن موقف عباس السياسي ضعيف بسبب سيطرة حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) على قطاع غزة. وربما يتعين على أوباما التغلب على تساؤلات حول التزامه بمواصلة المشاركة في العملية في وقت يواجه فيه بالفعل أولويات بدءا بارتفاع معدلات البطالة الامريكية وانتهاء بالحرب التي تكتنفها المشاكل في أفغانستان. ومع تكليف كبار المساعدين بالتعامل مع المهام الصعبة يتسم موقف البيت الابيض بالغموض فيما يتعلق بحجم الدور الذي سيضطلع به أوباما. وقال جون برينان مستشار أوباما لمكافحة الارهاب "انخراط الرئيس ومشاركته في هذه المحادثات في المستقبل ستحددهما التطورات مع مضينا قدما." وثارت تكهنات بأن أوباما قد يقوم العام القادم بأول زيارة للمنطقة منذ توليه الرئاسة ان كان هذا قد يفيد في الحصول على تنازلات. لكن لم يتضح بعد ما اذا كان أوباما سيلعب الدور المكثف المؤثر الذي لعبه كلينتون في بداية ولايته الرئاسية ولم يتمخض عن شيء او ان كان سيطرح من جانبه خطة للسلام اذا فشلت الخطط الاخرى.