سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية لقد شكل انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة محطة تحول حاسم في مسار العلاقات الدولية والقانون الدولي، فبعد سيادة نظام دولي عكس موازين القوى السائد الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية وترجمت ضوابط في ميثاق الأممالمتحدة، جاءت التحولات المتسارعة لتكشف قصور وعجز مبادئ القانون الدولي عن مقاربة الأوضاع العالمية الجديدة وهو الأمر الذي فتح المجال واسعاً أمام بروز عدة ممارسات فردية ، تتناقض مع ميثاق الأممالمتحدة . ومن الواضح أن هذه الوضعية المرتبطة بأزمة القانون الدولي دشنت لواقع عالمي جديد طرح فيه بإلحاح مسألة آلية عمل القانون الدولي، إذ إن المشكلة الكبرى أو المعضلة التي يواجهها القانون الدولي تتمثل في الهوة الصارخة بين الأهداف التي يفترض من القانون الدولي تحقيقها والأزمة التي يعيشها في ظل التحولات العالمية مثل انهيار الاتحاد السوفييتي، أحداث 11 أيلول، احتلال العراق. هذا الوضع يطرح بشدة إشكالية مصادر خلق القاعدة القانونية الدولية، في ظل واقع يتسم بأحادية انعكست على مجمل القضايا والمنازعات العالمية المعاصرة مما جعل المبادئ القانونية الدولية والمرجعيات الأساسية التي قام عليها محل تساؤل؟ ولقد أضحت المقاربات السياسية هي المهيمنة على مثيلاتها القانونية. كما أن النظام العالمي السياسي شهد مجموعة تبدلات جذرية، سواء على صعيد الأزمات أو الاهتمامات. ولكن بالمقابل النظام القانوني الذي يعتبر الضابط المفترض في العلاقات الدولية ظل ثابتاً ولم يواكب هذه التحولات. والتحولات الجديدة أظهرت أن هناك فراغ قانوني على مستوى التأطير، فمثلاً إذا كان التصور للحرب في القانون الدولي قائم على أساس أنها تتم بين دول ذات سيادة. لكن ظهرت نزاعات داخلية لا تخلو من تداعيات دولية مثل : 1- أزمة الكونغو 2- أزمة كوسوفو 3- الصراع في الصومال 4- أزمة دارفور...الخ. إذاً هنالك تعارض بين تحديات المحافظة على السلم والأمن الدوليين من جهة وضرورة احترام سيادة الدول من جهة أخرى. وهذه الإشكالية تظهر جلياً من خلال متابعتنا لما يعرف بعولمة الإرهاب ومكافحته. وأيضاً التدخل الإنساني من أجل حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية جعلنا أمام واقع ذات اجتهادات وإفرازات تحاول التأسيس لنظريات جديدة لمبدأ عدم التدخل. كما أن قضية محارية ومكافحة الإرهاب تطرح وبألحاح جدلية دور الأفراد في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية، حيث أصبح هنالك أفراد أو منظمات قادرين على القيام بأعمال حربية وأمنية، وهذا الواقع لم يلحضة القانون الدولي وخير دليل على ذلك عدم وجود تعريف واضح للإرهاب ليومنا هذا. وعدم وجود تعريف شامل للإرهاب، يشمل إرهاب الدول وإرهاب الأفراد، حال دون أدراج المحكمة الجنائية الدولية الأعمال الإرهابية ضمن أختصاصها مباشرة، بأستثناء طلب مجلس الأمن ذلك منها. وإذا كان الصراع الأيديلوجي ما بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة قد انعكس على عمل مجلس الأمن وعطّل عمله. إلا أن محاولات تفعيلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي طرحت الكثير من علامات الاستفهام، لدرجة الوصول لقناعة مفادها أن مبدأ عدم استخدام القوة أو التهديد بأستخدامها أصبح في العلاقات الدولية أمراً مثالياً. فمنذُ انتهاء الحرب الباردة نعيش في مغامرة جديدة تتميز بالغموض والجدلية، بين الخطاب الكوني النظري الذي يطمئن العالم لإمكانية إيجاد وتدعيم نظام عالمي يمنح ركائز قوية لإنسانية جديدة، وبين الواقع العملي الممارس الذي يقلقنا ويجعلنا نرى في هذا التغير نوعاً من التبشيرية الجديدة للسيطرة تحت غطاء مكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان. إذ توجد صعوبة في الموازنة ما بين حقوق الفرد وحقوق الدولة السيادية، وبين الاختصاص العالمي الذي يصطدم بمبادئ القانون الدولي التقليدي المرتبط بالسيادة وبمبدأ عدم التدخل، بالإضافة إلى تضارب مصالح الدول المتباينة . والمؤشرات والممارسات العالمية تشير إلى أن تطبيق مبدأ عدم التدخل يعبر عن مثالية هذا المبدأ الذي نتج عن حالة الاحباط الذي خلفته الحروب ومحاولة الحد من اللجوء إلى القوة. ولكن للأسف، تحول هذا المبدأ في الممارسة إلى مبدأ سياسي وقانوني أسمه التدخل وهذا واضح من خلال أن كثير من التدخلات التي تتم تحت غطاء مبررات نشر الديمقراطية والضرورات الإنسانية وحماية البيئة، تتم بشكل يتناقض مع مبادئ القانون الدولي لتعكس في كثير من الأحيان مصالح بعض الدول خاصة عند اللعب على وتر الملائمة بين مصالح الفرد من جهة ومصالح الدولة من جهة أخرى . وكثيراً ما تتحول هذه المبررات كأداة لضغط الأقوياء على الضعفاء، وهنا لا نتكلم عن دولة بعينها فمثلاً الحديث بأسم الإنسانية قد يكون شكلاً من أشكال الهيمنة وهذا ما رأته بعض الدول من خلال التعليق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حيث النقاش ما زال حاداً ولم ينته بعد، وفقاً لإشكالية الخصوصية وتحديداً الخصوصية الثقافية وهو ما ينطبق أيضاً على مسألة السيطرة والاعتبارات السياسية مما جعل التركيز يتم على ملابسات الصياغة منذ العام 1993 وليس على مضمون القيم التي يحتويها. كما أن الازدواجية واضحة من خلال تتبع مبدأ العقوبات الدولية الذي يجب اعتبار هذا المبدأ كأداة لإنشاء نظام عالمي قائم على العدالة واحترام حقوق الإنسان، ولكن الواقع يعبر عن عكس ذلك. فمنذ التسعينات كانت تلك العقوبات مستهدفة دولاً معضمها من الجنوب، كالعراق، ليبيا، السودان، أفغانستان، رواندا، سيراليون، وإيران أخيراً نتيجة برنامجها النووي وقد يكون من حقنا بل واجب علينا طرح التساؤل التالي : لماذا لم تفرض عقوبات على دول مثل الصين وروسيا وإسرائيل لخرقها حقوق الإنسان؟ هذا الواقع العالمي أصبح مألوفاً وتحديداً في أزدواجية المعايير وهو واقع ما نعيشه حالياً في منطقتنا خاصة فيما يتعلق بملف الأسلحة النووية، فإسرائيل خارجة عن كل ما هو مألوف ومنطقي وعادل وبالمقابل لم يعد يوجد سوى إيران وحدها تمثل الخطر الداهم على العالم بأسره ؟؟؟؟؟ هذه الحقائق والوقائع في ظل الظروف العالمية الحالية، تجعلنا نصل إلى حقيقة مفادها : أن الحديث عن مبادئ 1- عدم استخدام القوة والتهديد باستخدامها 2- المساواة بين الدول 3- مبدأ عدم التدخل جعلت من استاذ القانون الدولي جزءً من التاريخ ؟؟؟؟؟