غزة- ما إن تتجه عقارب الساعة ببطء نحو العاشرة من صباح كل اثنين حتى يبدأ أهالي الأسرى في حزم أمتعتهم يحتضنون صور من غيبتّهم سجون الموت ومتوجهين إلى مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمدينة غزة للاعتصام مطالبين بالإفراج عن أسراهم. ربع قرن من الزمان وعيونهم تحن للقادم الجميل.. يهتف أهالي الأسرى بصمود أبنائهم، يعتبون على العالم النائم ويتساءلون عن مؤسسات حقوق الإنسان. يُحلّقون بيننا عشرون عامًا وأم الأسير إبراهيم بارود المحكوم بالسجن مدى الحياة تعتصم في مقر الصليب الأحمر بغزة وفي حديثها ل"إسلام أون لاين" روت كيف بدأت قصة الاعتصام: "كان عدد أمهات الأسرى لا يتجاوز عدد اليد، ذهبنا للمقر باعتباره لجنة دولية أردنا إيصال صوتنا ومعاناة أبنائنا داخل السجون". وتضيف "في البداية تعامل الصليب معنا بقسوة ولا مبالاة ورفض بقاءنا في المقر، ومع إصرارنا وثبات موقفنا استمر الاعتصام إلى يومنا هذا بمشاركة جميع أهالي وذوي الأسرى". وتقول أم الأسير حمدي زويدي إنها تذهب للاعتصام في مقر الصليب الأحمر كل اثنين: "حتى لو كُنت مُتعبة أتناول مُسكنًا للألم وأذهب، 16 عامًا مرّوا من حياتي وأنا هُناك أطالب بولدي المحكوم بالسجن المؤبد وسأبقى أعتصم حتى آخر يوم في عمري". أم الأسير عبد الحليم عبد الله لم تترك الاعتصام الأسبوعي في الصليب الأحمر منذ ثمانية عشر عاما: "أشعر في تلك البقعة أن أرواح الأسرى تُحلّق بيننا، ثم إننا نشعر بأن الذهاب إلى هناك فرض وواجب علينا تأديته". من سيئ إلى أسوأ رسم الزمن خطوطه على وجهها وكفيها، عجوزٌ طوى الدهر من عمرها الكثير، ومع هذا تُواصل أم الأسير غازي النمس الاعتصام في الصليب كل يوم اثنين متكبدة عناء الطريق ومشقته. وبسؤالها عن عدد السنوات التي أمضتها, تنهدت طويلا: "ما أكثرها... 20 عامًا وأنا أفترش الأرض في الحر والبرد.. أجيال ذهبت وأخرى أتت ونحن ما زلنا ننتظر". زوجة الأسير "نافذ حرز" أمضت أكثر من عشرين عامًا في بقعةٍ حفظت حُزن صوتها: "هذا الاعتصام يرفع من معنويات الأسرى... يشعرون من خلاله أننا معهم ولم ننسهم.. نحن أمهات وزوجات الأسرى أسسنا اعتصام الصليب حتى لا تُهمش قضيتهم وتُنسى تمامًا فنحن نريد من خلاله أن ينظر العالم إلينا وأن ينقل الإعلام معاناتنا". وعن التغير الذي شهدته قضية الأسرى طوال تلك الأعوام صمتت زوجة الأسير جلال صقر، قالت "من سيئ إلى أسوأ.. لقد أصبحت قضيتهم أكثر تعقيدا، بل وتدهورت أكثر من السابق كنا فيما مضى نزورهم ونطمئن عليهم أما الآن فلقد حُرمنا من ذلك، وزادت المعاناة أضعاف ما كان". "اعتصام يوم الإثنين جزء من حياتنا لا يمكننا العيش بدونه". بهذه العبارة بدأت زوجة الأسير جميل الباز حديثها ل"إسلام أون لاين" حيث قالت: "أكثر من 15 عامًا وأنا أعتصم، كبر أولادي وبناتي وتزوج بعضهم وأنا أُواصل الذهاب إلى الصليب الأحمر فمن غيره بعد الله نشكو له همنا وحالنا، والأمل في وجه الله كبير بأن يفك قيد أسرانا ويُحررهم من سجون الموت والعذاب". ومن جانبه أوضح "موفق حميد" مدير العلاقات العامة بجمعية "حسام" للأسرى والمُحررين أن مقر الصليب يحتضن مناسبات المعتقلين كيوم الأسير، مشيرا إلى أن الاعتصام يُمكنهم من الالتقاء بالجمعيات المهتمة بشئون الأسرى فتستفسر عن أحوالهم وتعمل على إعانتهم. وتستعد غزة لإحياء يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف 17 إبريل من كل عام من خلال عدة فعاليات تنظمها الخميس الفصائل والقوى الفلسطينية إلى جانب الجمعيات المعنية بشئون الأسرى. وتتركز الفعاليات على إقامة المسيرات الحاشدة والمهرجانات الخطابية وزيارة ذوي المعتقلين وشد أزرهم، ويبلغ عدد أسرى قطاع غزة بحسب مصادر حقوقية (860) أسيرًا يعانون ظروفًا قاسية. 10 آلاف أسير وتشير مؤسسة "مانديلا" لرعاية شؤون الأسرى والمعتقلين في بيان أصدرته بمناسبة ذكرى يوم الأسير الفلسطيني إلى أن أكثر من 10750 أسيرًا بالضفة وغزة يتواجدون في سجون الاحتلال، بينهم 80 أسيرة وحوالي 340 طفلا، ويوجد 26 أسيرة متزوجة بينهن 22 أسيرة لديهن أبناء. كما يوجد حوالي 13 أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من 25 عاما وهم: سعيد وجيه العتبة، ونائل عبد الله البرغوثي، وفخري عصفور البرغوثي، وسمير سامي قنطار، وأكرم عبد العزيز منصور، وفؤاد قاسم الرازم، وإبراهيم فضل جابر، وحسن علي نمر سلمة، وعثمان علي حمدان مصلح، وسامي خالد يونس سلامة، وكريم يوسف يونس، وماهر عبد اللطيف يونس. وحول عدد الأسرى الإداريين تشير إحصائيات "مانديلا" إلى وجود حوالي 920 أسيرا محتجزين في عدة سجون منها: عوفر، والنقب، ومجدو، وايالون، والرملة. ظروف اعتقال قاسية وقالت "مانديلا" في بيانها: إن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين يعانون ظروفا اعتقالية قاسية ولا إنسانية، مشيرة إلى أنها استطاعت ومن خلال زيارات محاميها ومندوبيها للسجون الإسرائيلية أن ترصد وتوثق الانتهاكات الإسرائيلية تجاه الأسرى. ومن بين هذه الانتهاكات رداءة الطعام كمًا ونوعًا، والتفتيش الاستفزازي المهين، والاقتحام الليلي لأقسام وغرف الأسرى، واستخدام سياسة العزل الانفرادي، والحرمان من الزيارات والمراسلات، والإهمال الطبي، والمماطلة في تقديم العلاج، وفرض العقوبات والغرامات المالية لأتفه الأسباب، والنقل التعسفي. هذا فضلا عن عدم تجميع الأسرى الأشقاء في السجن نفسه، والاعتداء بالضرب أثناء نقل الأسير من سجن إلى آخر أو أثناء خروجهم للمحاكم، وإصدار الأحكام التعسفية الرادعة بالمحاكم الإسرائيلية العسكرية، والاعتقال الإداري، والتعذيب باستخدام أشكال قاسية من التعذيب النفسي والجسدي بحق الأسرى. وطالبت المؤسسة الفلسطينية ببذل كل الجهود الرسمية والشعبية والدولية والإقليمية للإفراج عن جميع الأسيرات والأسرى دون شروط، داعية إلى تكثيف المساعي المحلية والدولية في التعامل مع الأسرى واحترام تنفيذ كافة المبادئ التي أقرتها المواثيق والقوانين الدولية وعلى رأسها اتفاقية جنيف الرابعة من أجل ضمان حياة كريمة وشروط إنسانية لأسرى الحرية.