ثمن نهائي بطولة العالم للكرة الطائرة ..المنتخب يفشل في امتحان التشيك    قيمتها 100 مليار..وثائق مزوّرة فضحت تهريب حبوب الهلوسة    الموت يغيّب الممثلة كلاوديا كاردينالي    منظمة الصحة العالمية ترد على ترامب: لا صلة مثبتة بين الباراسيتامول والتوحد    ماكرون: ترامب لن ينال جائزة نوبل للسلام إلا بإنهاء الحرب في غزة    انطلاق نشاط وحدة بنك الدم بالمستشفى الجامعي بسيدي بوزيد    البنك المركزي يطرح ورقة نقدية جديدة للتداول من فئة خمسين دينارا (صورة)    عاجل/ تفكيك شبكة خطيرة لترويج الكوكايين بهذه الجهة من العاصمة    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة الافتتاحية    مسرح الأوبرا يعلن عن فتح باب التسجيل في ورشات الفنون للموسم الثقافي الجديد    تظاهرة "الخروج إلى المسرح" في دورتها السادسة تحمل اسم الراحل الفاضل الجزيري    بطولة العالم لألعاب القوى - عدد قياسي للدول الفائزة بميداليات في النسخة العشرين    من نيويورك: تونس تُطالب بوقف فوري لإطلاق النار على غزة.. #خبر_عاجل    على متنها 3000 سائح...سفينة كوستا كروازيار ترسو بميناء حلق الوادي    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    ماتنساوش: مباراة إياب دوري أبطال إفريقيا بين الاتحاد المنستيري والأسود السيراليوني في هذا التاريخ    عاجل/ تعليق الدروس في هذه الولاية..    في بالك ... فما اختبار دم يقيس قداش كل عضو في بدنك تقدم في العمر؟    أوت 2025: شهر قريب من المعدلات العادية على مستوى درجات الحرارة    مدنين: 90 الف طن تقديرات صابة الزيتون الاولية لهذا الموسم    "DONGFENG" تمر للسرعة القصوى في تونس…! "DONGFENG" تُقدّم مجموعتها الجديدة من السيارات التي تشتغل بالطاقة المتجددة    عاجل/ "كوكا، زطلة وأقراص مخدرة": أرقام مفزعة عن حجم المخدرات المحجوزة في تونس..    عاجل: ظهور سريع للسحب الرعدية يفرض الحذر في كل مكان!    الحضانة المشتركة من اجل تعزيز المصلحة الفضلى للأبناء بعد الطلاق    قبلي: انطلاق دورات تكوينية في الابتكار في النسيج والصباغة الطبيعية لفائدة حرفيات الشركة الاهلية "رائدات"    الترجي الرياضي: اصابة عضلية لنجم الفريق    كرة السلة: تونس تستضيف النافذة الأولى من تصفيات المونديال    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    اللاعب التونسي مراد الهذلي يجدد التجربة مع أهلي طرابلس الليبي    بالفيديو.. ماكرون "علق" بشوارع نيويورك فاتصل بترامب.. لماذا؟    جندوبة: المطالبة بصيانة شبكة مياه الري لتامين حاجيات القطيع والاعداد للموسم الجديد    مواطن يقوم بقيادة حافلة..وشركة النقل بين المدن توضّح وتكشف.. #خبر_عاجل    عاجل/ لأوّل مرّة: مسؤول أميركي يعترف ب"هجوم إسرائيلي على تونس"..    كان عندك برنامج آخر الويكاند... شوف الطقس كيفاش؟    الحماية المدنية :594 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    النفطي بمناسبة ذكرى مؤتمر بيجين حول المرأة : تونس تولي اهتماما خاصّا بريادة الأعمال النّسائية    إصدار طابع بريدي إحياء للذكرى 80 لتأسيس منظمة الأمم المتّحدة    الشيبس كل يوم.. تعرف شنوّة اللي يصير لبدنك    عاجل/ انفجار قرب سفينة قبالة اليمن..    قضايا الفساد المالي: رفض الإفراج عن مسؤولين سابقين بوزارة التربية وتأجيل المحاكمة    محرز الغنوشي يُحذّر من تواصل الأمطار هذه الليلة    وزير الاقتصاد يتباحث مع المدير الإقليمي للمنطقة المغاربية بمؤسسة التمويل الدولية، سبل تعزيز التعاون.    وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان    أمطار قياسية في مناطق من تونس.. الأرقام كبيرة    رئاسة مؤتمر حل الدولتين: إنهاء الحرب في غزة أولوية قصوى    رئيس الجمهورية يدعو إلى تأمين محيط المعاهد ومقاومة تجّار المخدرات    قيس سعيد: كلّ المؤسّسات المُنتخبة منبعها الشّعب التونسي صاحب السيادة    إسبانيا تهدد بالرد على أي عمل إسرائيلي ضد أسطول الحرية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نجاة من كارثة محققة في مطار نيس: طائرتان تفلتان من اصطدام مروع    زاده الشيب جمالاً... تيم حسن يلفت الأنظار بوسامته    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    المدرسة الابتدائية الشابية بتوزر .. «نقص فادح في العملة»    زياد غرسة يضيء سهرة افتتاح مهرجان المالوف الدولي بقسنطينة    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوقت في قاموس الدعوة والدعاة : جمال زواري أحمد
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 10 - 2010

إن الوقت في قاموس الدعوة والدعاة هو الحياة ، ولا يعرف قيمة الوقت وحقيقته ، إلا من ذاق لذة العمل الدائب والحركة النشطة ، ولا يمكن أن تتحقق أهداف الدعوة وتسير إلى الأمام بخطى ثابتة وتقطف ثمارها ناضجة ، إلا إذا عرف أبناء هذه الدعوة والعاملين لها قيمة الوقت وأدركوا :(أن إضاعة الوقت اشد من الموت ، لأن إضاعة الوقت تقطع عن الله و الدار الآخرة ، والموت يقطع عن الدنيا وأهلها) ، كما قال ابن القيم رحمه الله.
وتيقنوا بما أكّده الوزير الصالح يحي بن هبيرة لمّا قال :
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
فالحركة الدائبة والعمل الدائم المثمر حياة الدعوات وقبس نورها وسر نجاحها كما قلنا في مقال سابق ، فالممارسة الفاعلة الواعية تخصب الأفكار وتعدّلها وتحفظها من الأفول :(فجرّب وأنت تركب الدراجة ليلا ، كلّما تحركت أكثر كلما ازداد النور إشعاعا واتساعا ، فالحركة تقوّي النور والنور يوضح الطريق ، فتنشط الحركة وتتسارع ، وهذه بدورها تزيد تألّق النور وهو بدوره يعين في توضيح الطريق أكثر ، فزيادة الحركة تؤدّي إلى تألّق جيّد للنور ورؤية واضحة للطريق ، والعكس بالعكس حيث تقلّ الحركة فيخفت النور فيحدث الاضطراب ، حتى يصل إلى نقطة التوقف) ، كما أستنتج الدكتور خالص جلبي .
ولقد أبدع الجيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وحقق المعجزات، لمّا وعى قيمة الوقت حتى قال الحسن البصري رحمه الله:(لقد أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم ، أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم) ، وقد أوصى الصالحون أنّ:(نهارك ضيفك فأحسن إليه ، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك ، وإن أسأت إليه ارتحل بذمّك وكذلك ليلك) ، وقد اعتبروا الراحة والفراغ والبطالة وإضاعة الوقت من نواقض المروءة ومن دنو الهمة ومن علامات المقت حتى قال قائلهم :(الراحة للرجال غفلة)(وطلب الراحة لا يصح لأهل المروءات) و(إضاعة الوقت من علامات المقت ) ، ولمّا سئل بعضهم :(متى يجد العبد طعم الراحة ؟ ، قال : عند أول قدم يضعها في الجنة ).
كانت هممهم دائما متطلّعة إلى هدف أسمى وغاية عظمى لا يألون جهدا ولا يدّخرون طاقة إلا وبذلوها في سبيل غايتهم .
ولقد أدرك الرعيل الأول من قادة الدعوة في العصر الحديث ما أدركه سلفهم من قيمة الوقت وعاقبة الفراغ ، فقد ذكر الإمام البنا رحمه الله عن نفسه أنّه:(ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنّا نقضيها نستعرض حال الأمة وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها ، ونحلّل ونعلّل الأدواء ونفكّر بالعلاج وحسم الداء ، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء....
وكم كنّا نعجب إذ نرى أنفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخلّيون هاجعون يتسكّعون بين المقاهي ويتردّدون على أندية الفساد والإتلاف.
وإذا سألت أحدهم عمّا يعمله على هذه الجلسة الفارغة المملّة قال لك : أقتل الوقت.
وما درى هذا المسكين أن من يقتل وقته إنّما يقتل نفسه ، فإنّما الوقت هو الحياة).
كما أورد وصيتين من وصاياه العشر تتعلّقان بهذا الموضوع ، حيث قال في الوصية الثانية :( أتل القرآن أو طالع أو استمع أو أذكر الله ، ولا تصرف جزء من وقتك في غير فائدة) ، وفي وصيته العاشرة قال:(الواجبات أكثر من الأوقات ، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته ، وإن كان لك مهمّة فأوجز في قضائها ) ، بل إنّه رحمه الله نبّه حتى إلى قيمة دقائق الليل في ميزان الدعاة لما قال :(دقائق الليل غالية فلا تضيعوها بالغفلة).
إن سنن الله لا تحابي حيث لا يمكن في ميزانها أن نغفل ونتراخى ونضيع الأوقات في غير فائدة بل نقتلها ونعيش في أجواء الفراغ والبطالة الدعوية ، ثم نريد أن ننام الليل فنستيقظ فنجد الواقع قد تغير في الصباح وأهداف الدعوة قد تحققت ، فما هذه إلا منى والمنى روؤس أموال المفاليس.
وقد صور لنا سيد قطب رحمه الله النفوس الفارغة المضيعة لأوقاتها الخالية من الجدية تصويرا دقيقا لما قال:(إنها صورة النفوس الفارغة التي لا تعرف الجد ، فتلهو في أخطر المواقف وتهزل في مواطن الجد وتستهزئ في مواطن القداسة ، والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة ، تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال ، فلا تصلح للنهوض بعبء ولا الاضطلاع بواجب ولا القيام بتكليف وتغدو الحياة فيها عاطلة هيّنة رخيصة ).
وكما أن للفراغ وإضاعة الوقت تأثير على الفرد فإن له تأثير على المجموع كذلك ، فالصف الذي تنتشر فيه البطالة تكثر فيه المشاغبات، ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبهنا إلى هذه القاعدة في العمل التربوي والدعوي لما حدث ما حدث في غزوة بني المصطلق حيث أمر بالرحيل في وقت لم يكن يرحل فيه كما يقول ابن هشام :( ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذاك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما حتى آذتهم الشمس ، إنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس).
فلابد بأن يملأ الفراغ بعمل مثمر بحيث يستفرغ الوسع ويصرف عن الاشتغال بالقيل والقال وكثرة السؤال ، إذ أن الفراغ المقعد هو طريق للتواكل فالتآكل فالتراكل ، كما قال الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أيّ مفسدة
فمن علامات حياة قلب الداعية ودليل جديته وحرصه على دعوته حساسيته المفرطة من تضييع وقته وخشيته وحذره من الغبن في فراغه ووقته وصحته كما جاء في الحديث :( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة والفراغ)(البخاري).
كذلك من العلامات أن يكون منحناه البياني في صعود وترقي دائم ، فإن مجرّد تساوي يومه مع أمسه من حيث الزيادة في الخير والعمل والحركة والإيجابية هو غبن كذلك في عرف الصالحين الذين قالوا:(من تساوى يوماه فهو مغبون).
كذلك من العلامات الندم والتحسر على كل جزء من وقته يضيع في غير فائدة في دينه ودنياه ، قال ابن مسعود رضي الله عنه :( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي).
وقال عمر رضي الله عنه :(إني لأكره أن أرى الرجل سبهللا (فارغا) ، لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة).
كذلك من العلامات أن يتبرّم ويجفل من قاتلي أوقات أهل الجد ولصوصها وسارقيها الذين تحدث عن بعضهم ابن الجوزي رحمه الله وبيّن لنا كيف استطاع توظيفهم لمّا قال :(فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر ، فإن هذه الأشياء لا بد منها ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب ، فأرصدتها لأوقات زيارتهم ، لئلا يضيع شيء من وقتي).
ولقد أحصى لنا أحد الصالحين مجالات استغلال الوقت بشكل عام وكل مجال تدخل تحت مسمّاه عدة مجالات فرعية تفصيلية ، فقال :( من أمضى يومه في غير حق قضاه أو فرض أدّاه أو مجد أثلّه أو حمد حصّله أو خير أسّسه أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه وظلم نفسه ) .
فمن غفل عن هذه الأمور الستة ، وخلا قاموسه منها أو من بعضها فهو عاق لوقته ولعمره ولحياته وسيكون مآله الخسران ومصيره البوار بلا أدنى شك ، وما أشدّه من عقوق وأقساه وأهلكه وأسوده عاقبة.
لا يفهم من حديثنا أنّنا ننفي الراحة مطلقا عن مجتمع الدعاة بل :(لابد من سنة الغفلة ورقاد الهوى ، ولكن كن خفيف النوم ) ، كما أرشدنا العلامة ابن القيم في فوائده .
فالبدار البدار فإنه لا توفيق مع الفراغ ولا نجاح مع إضاعة الوقت ولا انتصار مع عقوقه وقتله في الترّهات ، ولا قيمة لأهل الفراغ والغفلة والبطالة في ميزان الدعوات فالوقت هو الحياة ، فإمّا أن يكون وقتنا نماء وعمارا أو يكون هلاكا ودمارا ولا توسّط بينهما البتّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.