عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    بطولة برلين: أنس جابر تتأهل إلى الدور ثمن النهائي    فيليبي لويس: "أرقام الترجي الرياضي مبهرة حقا .. ولاعبوه يتميزون بروح قوية"    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الكاتب العام السابق لنقابة قوات الأمن..    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    243 ألف وحدة دم أُنقذت بها الأرواح... وتونس مازالت بحاجة إلى المزيد!    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    قصف إيراني يصيب مبنى للبعثة الأمريكية في تل أبيب (فيديو)    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آيات وموازين للأستاذ محمد المرواني
نشر في الحوار نت يوم 17 - 09 - 2010


آيات وموازين للأستاذ محمد المرواني
(الأمين العام لحزب الأمة المغربي المحالة قضيته على القضاء بدعوى إبطال تأسيسه)
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..

هذه رسالة مفتوحة بنيت على مختارات قرآنية أحسب- والله أعلم- أنها تمنحنا موازين إيمانية في النظر إلى الأمور تبصرة و ذكرى، وعساها تفتح القلوب للاستذكار والاستبصار وتهدي العقول للتفكر والاعتبار، بحول الله المعين و المستعان، فهو ولي ذلك والقادر عليه سبحانه، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها و يجعلها في ميزان حسناتنا يوم نلقاه، يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وراجيا عفوه ومنه ودوام نعمه سبحانه علينا جميعا..إنه قريب مجيب.

1-"هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله" الاحزاب/22

يحكي لنا القرآن الكريم واقعة الأحزاب يوم تكالبت قوى الشر والبغي بهدف إلحاق الهزيمة بالمسلمين والقضاء على شوكتهم. و يومها، كان على الأرض موقفان متمايزان سجلهما القرآن عبرة وذكرى: الأول، هو موقف المنافقين الذين انكشف خداعهم فقالوا حين رأوا الأحزاب: "ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا". أما الموقف الثاني فهو موقف المؤمنين الصادقين الذين صدقت أقوالهم وأفعالهم فقالوا وهم يواجهون تكالب حلف الشر والبغي ضدهم: -"هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله"و ما زادتهم المحنة إلا إيمانا بالله عز وجل وتسليما لأمره وقضائه وقدره. هذا ما وعدنا الله ورسوله أي أن طريق الله سبحانه وتعالى، التي هي طريق الخير والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إنما هي طريق محفوفة بالمكاره والمصاعب و التحديات والابتلاءات وليست مفروشة بالورود والرياحين. و على كل من يختار السير على هديها أن يدرك وقت التحمل مطلوبات وقت الأداء و مقتضياته لأن الصدق هنا معناه أن نؤدي ما أعلناه بمحض اختيارنا من تحملات، هنا و هنا فقط يتطابق القول (ساعة التحمل) والفعل (ساعة الأداء). ويعلمنا الله سبحانه وتعالى في آية الأمانة الإيمانية والرسالية في أواخر سورة الأحزاب أن السماوات و الأرض و الجبال أبين أن يحملن الأمانة وأشفقن منها ، و لكن الإنسان بجهله لمطلوبات وقت الأداء و مقتضياته أعلن عن تحمله إياها واستحق بذلك الوصف القرآني له: "إنه كان ظلوما جهولا".

وعليه، لم يكن المنافقون مدركين وقت التحمل (الإعلان الظاهري والشكلي لدخولهم في دين الله تعالى) أن الأمر مجرد أقوال وتتوقف الأمور عند هذا الحد. و لما كانت واقعة الأحزاب انكشف القناع عن الخداع فكان من أمرهم ما كان.

وهذا هو الدرس الأساس: أن نعرف مطلوبات الطريق الإلهي و مقتضياته, إن الأمر ليس مجرد كلام بل هو أمر تطابق الأقوال و الأفعال فنكون ساعة الأداء في حجم ما قلناه و ما أعلناه من تحملات والتزامات. و عليه, أقول اليوم وفي عز هذه المحنة الظالمة "هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله ورسوله" الاحزاب/22. و لن تزيدنا هذه إلا إيمانا و تسليما و قناعة و رسوخا، فلا نبدل و لا نغير إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وكلما ازداد الضرب علينا و تطاول الظالمون في قمعهم قلنا: "هذا ما وعدنا الله ورسوله و صدق الله و رسوله".
إنه حين تكون بوصلتنا الإيمانية مضبوطة على منهج الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, نتحمل و نؤِدي بأريحية إيمانية عالية. و الآن لنستمع لما يقوله ربنا عز و جل مباشرة بعد تلك الآيات:" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم و يعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفورا رحيما" الأحزاب23-24.

انظروا كيف يعلمنا ربنا عز و جل قيمة الصدق، و قيمة أن تكون أقوالنا و أفعالنا متطابقة..فاللهم اجعلنا ممن صدقوا و ثبتوا فلم يبدلوا تبديلا حتى نلقى ربنا و هو عنا راض.

2- "إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين"يونس/ 81

التدبير نوعان: إما صالح و إما فاسد، أما ما اختلط فيه الصلاح و الفساد فيكون الترجيح لمن كثر منهما فيه. و التدبير الفاسد تدبير باطل و لذلك هو لا يصلح.

لقد أرادوا من هذا التدبير(الترتيب السياسي-الأمني) ضدنا أن يكون مناسبة للنيل منا ومن قناعاتنا ومبادئنا و لكنهم خابوا و خاب سعيهم، لان التدبير الفاسد تدبير باطل و لذلك فهو لا يمتلك مقومات التعمية المستمرة: قد يغالط الناس بعض الوقت و لكن الله تعالى يخرج خبأه بعد حين، أليس هو سبحانه القائل في عمل المفسدين:"إن الله سيبطله". ألم تسقط روايتهم التي دبجوها في ندوتهم الشهيرة: ندوة الانتهاك الجسيم لقرينة البراءة، وها نحن اليوم في زنازننا صامدين صابرين محتسبين، لم يفت من عضدنا حجم تدبيرهم الفاسد، ولن يفت من عضدنا بحول الله تعالى. إنهم أهل الإعاقة الإصلاحية، و لذلك هم مردوا على التدبير الفاسد، و ليس أمامنا من خيار إلا الصبر و الصمود و ضبط البوصلة الإيمانية حتى نسير بخطى ثابتة راسخة واثقة في وعد الله و نصره وتأييده و توفيقه لعباده الصادقين السائرين على مقتضى منهجه.

3- " أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" الأنعام/ 122

هم لم يخسئوا في النيل منا فقط، بل أحسنوا إلينا من حيث أرادوا الإساءة إلينا:" و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين"آل عمران/54.

إن المبادئ و القيم و القناعات تظل جامدة حتى إذا ما غذيناها من حريتنا ( الشكلية) أو من عطاءنا لمختلف أنواعه، نزرع فيها الحياة و يصبح لها معنى. و لذلك كان مجرد الكلام مما لا يترتب عليه أثر لغوا في ديننا الحنيف، بل إن أهل العلم من سلفنا الصالح كانوا يتجنبون كل قول لا تترتب عليه فوائد و مصالح معتبرة.

إن السجن منة من الله تعالى و لكن أكثر الناس لا يعلمون. ربما قد يستغرب المرء لهذا المنطق: كيف يكون السجن منة و عطاء؟ و الجواب كما قال أحد الصالحين من سلف هذه الأمة:" ربما أعطاك الله فمنعك و ربما منعك فأعطاك"..

نعم، السجن هو ضد الحرية بالمعنى البسيط المتداول لها( ولنسمها الحرية الشكلية)، ولكن حين يمن الله تعالى على عبده من فيض كرمه و فضله و جوده يتحول السجن إلى ساحة من ساحات الخيرية والارتقاء إلى الله تعالى توحيدا وعلما و تزكية ومجاهدة. وهكذا يحيي الله تعالى القلوب والعقول بنوره.
نعم، إن السجن مدرسة التوحيد ومدرسة العلم والتفقه والتدبر والتفكر والاعتبار ومدرسة التزكية والمجاهدة و مناجاة الله تعالى.

ولذلك فإن المسجون الحقيقي هو المسجون عن الله تعالى و عن نوره و فضله ورحمته: "ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور"، إنه المسجون بغفلته فلا يذكر الله تعالى ولا يلتزم بمقتضى تكاليفه الشرعية، هو المسجون بشهواته و ملذاته و المنصرف بخواطره و هواجسه التي تصرفه عن الله تعالى، هو المسجون بخوفه و جبنه وتهيبه من الطغاة و المستبدين، هو المسجون عن مناهضة الاستبداد والفساد والتخلف خوفا من تكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو درءا وهميا لفتنة متوهمة، والحال أن الفتنة الحقيقية هي التطبيع مع الاستبداد و الفساد و التخلف.

إن السجن حين يكون ثمنا لليقظة و الخروج من الغفلة يكون له طعم خاص. إنه بهذه المعاني يصبح فعلا منة من الله تعالى ولكن أكثر الناس لا يعلمون. والسجن حين يكون ثمنا لتجسيد القيم والمبادئ و القناعات التي نؤمن بها و بعث الروح فيها، يصبح ثمنا للعزة، فتكون الصفقة الإيمانية حينئذ هي: العزة بالحرية، الثمن هو الحرية(الشكلية) والمثمن هو العزة، و العزة جوهر الحرية الحقة.

"من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" فاطر/10. وتأملوا حفظكم الله في معمار هذه الآية الكريمة.. هناك مكر و هنا عزة.. والمكر مآله البوار والعزة لله جميعا. ولذلك أقولها مدوية: إنهم قد يستطيعون أن يحتجزوا أجسادنا لوقت يريده الله تعالى بكل تأكيد، و لكن أبدا أبدا أبدا لم و لن يستطيعوا محاصرة قناعاتنا وأفكارنا ومبادئنا وثوابتنا. الظلام لا يمكن أن يحجب النور، فهو ظلام لأنه بلا نور وحين يأتي النور يتوقف الظلام و ينتهي.

فلا عزة إلا عزة الله تعالى، ومن يبتغ العزة عند غيره أذله ولذلك قال أحد الشعراء الصادقين:

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

لقد أعلناها بوضوح أننا من دعاة الإصلاح و التصحيح و التغيير على قاعدة رؤية مدنية سلمية، مستندين في ذلك إلى مرجعية الأمة التي نعتز ونفتخر بها، وهي مرجعية إسلامية جامعة بقدر ما تتمسك بالنص تعمل العقل و توسع من دائرة الاجتهاد في مساحات الفراغ الواسعة كما تنفتح على الخبرة الحضارية الإنسانية تبادلا لمعروفها، وهي مرجعية إسلامية مكلفة للاستبداد والفساد والتخلف وترفض إجراء تسوية مع هذا الثالوث و تنبذ التطبيع معه تحت أي مسمى من المسميات. إن الله تعالى خلق الخلق واستخلف الإنسان في عمارة الأرض وأمره بتجنب الفساد و الإفساد وما يقرب إليهما من قول أو عمل، فقال عز من قائل: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" الأعراف /56، ومن هنا قناعتنا الراسخة بضرورة مناهضة الفساد و كل ما يندرج تحته من عناوين ومسميات لأن الفساد باطل والله لا يصلح عمل المفسدين. فيصبح المطلوب إذن هو أن نكون من أهل الصلاح و الإصلاح ولن يخيبنا الله تعالى، فهو القائل سبحانه: " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر المصلحين"الأعراف/170.

4- " إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم" محمد/ 7.

وثمن النصر أن ننصر الله تعالى وذلك بطاعته و الاستقامة على منهجه. ولذلك حين تكون موازيننا موازين إيمانية:

أ- لا يكون أي معنى للقلة و الكثرة: " ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة" آل عمران /123، فلن نغلب من قلة. في حين قد لا تغنينا الكثرة " و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" التوبة25، و لكن بعد أن بين الله تعالى للمؤمنين أن النصر بيده يوتيه من يشاء و متى شاء و حيث شاء، قال عز من قائل: "ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها" التوبة/26. إن القضية في الأساس و الجوهر هي أنه من كان الله تعالى معه فمن عليه، و من كان الله تعالى عليه فمن معه.

ب- لا يكون أي معنى لموازين القوى، فالحق يظل حقا والباطل يظل باطلا ولو كانت موازين القوى المادية لغير صالح المؤمنين. قال تعالى:" بلى إن تصبروا و تتقوا و ياتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" آل عمران/ 126. نعم، هناك موازين القوى ولكن هناك موازين الإرادة. والهزيمة إنما تنشأ بهزيمة في الإرادة، ولذلك كان للصبر والصمود معناه الدقيق في عقيدتنا الحنيفة واستحق لذلك أجرا بغير حساب " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" الزمر/10.

ج- إذا لم ننتصر أو لم ننجح في سعينا الرسالي، فعلينا أن نفتش عن أسرار ذلك في أنفسنا. قال تعالى:" أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير. وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله و ليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا" آل عمران /156-166.

5- " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" يونس/ 58
وهذا غيض من فيض فضل الله ورحمته. فأن يمن الله تعالى عليك بفضل منه ورحمته فتلك هي الكرامة وذلك هو الإكرام، وذلك لعمري توفيق وتسديد يستوجب الشكر والشكر.. الشكر الكثير والشكر الخالص. إن الكرم من الله تعالى هو الظفر بفضله ورحمته، فأعمالنا من أقوال و أفعال، و مهما بلغت في حجمها وصدقها، فلن تفي بحق شكر النعم التي أسبغها الله على عباده. وصدق الحبيب المصطفى حين قال صلى الله عليه و سلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قيل له ولا أنت يا رسول الله؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

ولذلك كان الظفر بفضل الله ورحمته فضلا من الله ورحمة، ومن ثم كان مبعثا للفرح وموجبا للشكر. قال تعالى: " وإذ تأذن ربكم لأن شكرتم لأزيدنكم" ابراهيم/7. ولذلك قالوا: الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود.

* ومبتدأ الفضل والرحمة من الله تعالى هو أن ينقلنا من الغفلة إلى اليقظة و أن يمن علينا بقلب يقظ لا يغفل عن الله تعالى حتى نتحقق من مقتضيات عبوديتنا لله سبحانه. إن الغفلة عن الله تعالى هي أم المصائب، و لذلك كان السلف الصالح يستغفرون الله عز وجل من الغفلة ويعتبرونها ذنبا، فهم لا ينتظرون الوقوع في الزلة أو المعصية والذنب والإثم ليسارعوا إلى التوبة والاستغفار لأنهم يرون أن بداية كل ذلك هو الغفلة عن الله تعالى.

وعلامات اليقظة ثلاثة: أولها التوبة، فمن تمت يقظته هرع إلى التوبة، وهذه هي بداية صحة اليقظة. ولذلك قيل: " إذا صحت اليقظة كان صاحبها في أوائل طريق التوبة".

أما العلامة الثانية فهي مراعاة الأوقات وعمارتها بالطاعات وأعمال البر والتقوى والخير في شتى معانيه وميادينه. قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: ( ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يوما يوما وساعة ساعة. فالساعة التي لا يذكر الله فيها تنقطع نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت عليه ساعة مع ساعة ويوم مع يوم).

وحيث إن التوبة النصوح هي محرار صحة اليقظة و صدقها، كان على العبد المومن أن يخصص من أوقات يومه و ليلته لحظة صدق مع الله تعالى، ولتكن تلك اللحظة في الثلث الأخير من الليل (وهو وقت شريف كما نعلم) فيتوضأ ويحسن وضوءه و يصلي ركعات لله تعالى ثم يتوجه إليه بالدعاء ضارعا متبتلا سائلا إياه التوبة والمغفرة و بدء مشوار متجدد من الصدق معه عز و جل. و لن يخيب الله تعالى من قصده و التجأ إليه أبدا. فالبدار البدار ولا تتأخر.

أما العلامة الثالثة في صحة اليقظة و صدقها فهي المراقبة و المحاسبة. وهذا لعمري مقصد تربوي جامع ومانع دونه المجاهدة، فمتى استقام العبد على فعل المراقبة والمحاسبة كلما قلص من دوائر الغفلة و صوارفها. المراقبة و المحاسبة المستمرة تنمي وازع الخيرية فضلا عما تكشفه من أدران النفس و تقصيرها في اليوم و الليلة. إنها تؤسس، مع مرور الوقت، للإحساس المرهف الذي يجعلنا نراقب أقوالنا و أفعالنا وأعمال قلوبنا فيتحسن تديننا وأدبنا مع الله تعالى ومع الخلق، فتصبح التوبة أدبا مستمرا مع الله عز وجل . وكلما كانت التوبة بداية محرقة إلا كانت نهايتها مشرقة بإذن الله تعالى. إن معجون المراقبة والمحاسبة والتوبة هو طريق الإحسان أي طريق (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أفلا يستحق منا هذا المرتقى (مرتقى الإحسان) أن نشمر ونجد ونجتهد؟.

* وأن يمن الله تعالى عليك بفضل منه و رحمة فمعناه أن يفتح لك باب الفقه و العلم وهما بوابة الخير العميم : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " الزمر /9 .
و هنا لابد من وقفة. إن إدراك جوهر وجودنا في هذه الحياة الفانية مسألة حيوية و أساسية، من هنا كانت إعادة الاعتبار إلى سؤال الوجود تنمية لإيماننا و يقيننا، و ما أحوجنا إلى ذلك. يقول الله عز وجل: "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " الذاريات/ 56 . و عبادة الله تقتضي علما وعملا : علم نافع وعمل صالح .

والعلم ثلاثة أنواع: علم بالله تعالى و علم بأمره وعلم بخلقه.

أما العلم بأمره فهو العلم بالتكاليف والأحكام الشرعية ، وهذا يتأتى بالمدارسة المباشرة والتلقي من ذوي أهل العلم ( و بخاصة الراسخين منهم) أو عبر المطالعة في الكتب القيمة التي يلزم اختيارها بعناية تامة حتى يأمن المرء من الوقوع في آفات الزيغ والتنطع.

أما العلم بخلقه (العلوم الانسانية والتجريبية وغيرها مما يندرج تحت مسمياتها ) فهو من علوم الكفايات ويتحصل بالمدارسة و التعلم .

أما العلم بالله سبحانه و تعالى فطريق تحصيله أمران: الأول : معرفة أسماء الله و صفاته وهذا باب عظيم من أبواب الخير وثانيهما : المجاهدة. قال تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " العنكبوت/ 69.

أما العمل فمقتضاه أمران: أن يكون خالصا لله تعالى و أن يكون صوابا كما قال أهل العلم: والإخلاص أن يكون المقصود من أي عمل هو الله تعالى إقرارا بحقوق ربوبيته و التزاما بمقتضيات عبوديته سبحانه وتعالى. أما الصواب فأن يكون موافقا لكتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.

* و أن يمن الله تعالى عليك بفضل منه ورحمة يعني أن يفتح لك باب التزكية والمجاهدة، فكلاهما هو طريق نيل مرتبة الإحسان. قال الله تعالى: " إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم، إنهم كانوا قبل ذلك محسنين: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون" الذاريات/ 16-17 وقال عز من قائل:" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين" العنكبوت /69 .

نعم، من لا ليل له لا نهار له، ومن لا يستغفر ربه بالأسحار أنى له أن يستحق تكريم الله تعالى له. ومن علاقة العباد بالليل كان يرى الصالحون مقومات النصر أو مداخل الهزيمة. ولكم كانت كلمة معبرة تلك التي قالها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله حينما يطلع على أحوال جنده، فكان حين يجد الجند في سبات عميق يقول: من هنا تأتي الهزيمة، و حين يراهم في قراءة وصلاة و ذكر و دعاء وتبتل في وقت الأسحار كان يستبشر و يقول: من هنا يأتي النصر.

وقد حدد أهل العلم أركان المجاهدة، بعد استقراء عميق، في تجنب فضول النظر والأكل والنوم والكلام والاستماع والمخالطة، فكل ما زاد عن المطلوب يصبح من غير المرغوب عند من وفقه الله تعالى وهداه. و من لا يدفع الثمن لا يتحقق من ثمرات المجاهدة.

إن المجاهدة هي الطريق الآمن نحو كرم الله تعالى وفضله ورحمته، فلا إحسان بدون مجاهدة، وكيف نتحقق من معالي المراتب عند الله تعالى بغير مجاهدة ؟.. هذا دأب السلف الصالح ودأب كل الصالحين في تاريخ هذه الأمة الشاهدة.

* وأن يكرمك الله تعالى بفضل منه ورحمة فمعناه أن يرزقك الأدب معه عز و جل و مع خلقه. كان عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: ( كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين). و قال القرافي رحمه الله: ( كثير من الأدب مع قليل من العمل خير من كثير من العمل مع قلة الأدب). و قال أنس بن مالك: (الأدب في العمل علامة قبول العمل)، وقيل: ( حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن).

* لكل ما سبق ولغيره مما لم يسع هذه الكلمة استيعابه، كان التبتل والإخبات و التضرع إلى الله تعالى لسؤال فضله ورحمته أولوية لدى عباده الصالحين، لأنه تعالى حين يمن عليك بفضل منه ورحمة تستقيم الموازين وتنضبط البوصلة وترتقي الخيرية: فيستوي عندك المفقود والموجود، فلا تأس على مفقود ولا تفرح لموجود. ويستوي عندك الذام والمادح، فلا قول أو فعل الذام يحزنك ولا قول أو فعل المادح يفرحك. و بين هذا وذاك لا يصبح مرادك سوى مناجاة الله سبحانه وتعالى فيتحول مطلوبك إلى مبحث في حلاوة الطاعة في شتى معانيها و دلالاتها تجاه ربك و تجاه الكون و تجاه نفسك و تجاه الآخرين ( مجتمعا وأمة وعالما).

ولذلك كله كان هذا هو العطاء من الله تعالى. و كل شيء يهون من أجل أن يعطيك الله ويمنحك ويكرمك بفضله و برحمته..
و بعد:

أ- " و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و إن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده و هو الغفور الرحيم" يونس /106-107 .
ب- " و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" هود /193.
ج- و أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " هود/ 114 و 115
د- " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" يوسف 90 صدق الله العظيم
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
السجن المدني بسلا
03 ربيع الأول 1431 الموافق 18 فبراير 2010
محمد المرواني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.