«أبوابٌ» تعجز الريح عن خلعها يخلعها السوس، سوسٌ لا يُنتبهُ إليه ولا تُتخذ منه حيطة ٌولا يُدرج في قائمة الأعداء أو الأخطار المحدقة، سوس يُقيم في خشب الأبواب حيث فراشه وطعامه وحيث يسمع ويرى ولا يُسمع ولا يُرى ولا يَدفع ثمن إقامة... سوس يعافه الناسُ ويحتقرونه ولا ينشغلون به،ولكنه وفي غفلة منهم يخلع عليهم الأبواب ثم يهيج على فُرُشهم وأطعمتهم ويُوقع فيهم الهرج والجرش ويسلبهم الأمان والنعاس ويستجلب عليهم الريح صرصرا تهزهم ولا تهتز له سن. كم أحداثا جسيمة صنعتها أحجامٌ ذميمة،وكم حقيرا جلب كبيرا... سوس يخلع الأبواب ويجلب الريح عاصفة ويُنغص على الناس عيشهم ويُخلط دماء بعض في بعض إذ يعض هؤلاء وهؤلاء لا يُبصرونه ولا يستنقذون منه شيئا...يمشي السوس على أرجل الراجلين ويدب في الرؤوس وينام في الجيوب والندوب وفي التفاصيل التي لا ينتبه إليها المنشغلون عنه بسواه... للسوس آثاره العميقة في أعمدة العمران البشري وفي أنسجة المجتمع الخلوية ولكن لا يذكره المؤرخون ولا يشير إليه علماء الاجتماع ودارسو الحضارة والواقفون على آثار الخلع الدفينة في الأبواب المتينة... يترك السوس بصمات ولكن لا تدل عليه، ولذلك يظل دائما خارج دائرة المشتبهين ويظل المتساكنون يتتاهمون ويتعاركون ويتهارجون... سوس يدخل التاريخ من أبواب يخلعها لنفسه خلعا ولا ينتظر أن يُدعى شاهدا أو متهما كما لو أنه المؤرخ للآخرين. ليس الغافل من يستغفله المقتدرون إنما الغافل من يستغفله المستصغرون المتصاغرون ينخرون عمود خيمته ثم يوقعون بينه وبين أهله ويتفرغون لتسجيل مشاهد الإعتراك وأعداد الضحايا ودرجات التهاب الأعصاب وفوران الدماء. يسكر السوس من دم ومن خشب... يسكر السوس من ريح ومن لهب... يسكر السوس نشوان بلا تعب... يُدرج السوس في قائمة «الحشرات» بحيث ينحشر في كل محشر أو معشر يعمل فيه تخريبا وتسريبا ولا يَدَعُه إلا كأعجاز نخل خاوية. وحين يُشير العلامة التونسي بن خلدون إلى كون التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق فإنما يشير بالتأكيد إلى حقيقة كُمُون أسباب دفينة جَوْفَ أعمدة العمران البشري... وليس ثمة ما هو أقدر على الإندفان أكثر من «سوس الخشب» ينخر أعمدة الخيام يُوقعها على متساكنيها ثم يُوقع بينهم ثم يكون الشاهد عليهم. *كاتب وشاعر تونسي الصباح التونسية الإربعاء 06 أكتوبر 2010