بناء على طلب إيران.. الاتحاد الأوروبي يبحث عن مروحية رئيسي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    أنصار قيس سعيد اليوم : ''تونس حرة حرة والعميل على برة''    البنين تعتزم إجلاء 165 من مواطنيها بصفة طوعية من تونس    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    يوسف العوادني الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس يتعرّض الى وعكة صحية إستوجبت تدخل جراحي    القيروان: الملتقي الجهوي السادس للابداع الطفولي في الكورال والموسيقى ببوحجلة (فيديو)    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من حالة الطقس ليوم غد..    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    الجمعية النسائية ببرقو تصنع الحدث    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    اليوم : انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    هيئة الانتخابات تشرع غدا في تحيين السجل الانتخابي    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي «يثور» على اللاعبين واتّهامات للتحكيم    الأونروا: 800 ألف فروا من رفح يعيشون بالطرقات.. والمناطق الآمنة "ادعاء كاذب"    إطلاق نار واشتباكات قرب القصر الرئاسي في كينشاسا    صيف 2024: 50 درجة منتظرة و شبح الحرائق حاضر    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    علماء يكشفون : العالم مهدد بموجة أعاصير وكوارث طبيعية    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    بفضل صادرات زيت الزيتون والتّمور ومنتجات البحر; الميزان التجاري الغذائي يحقّق فائضا    إضراب بالمركب الفلاحي وضيعة رأس العين ومركب الدواجن    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    المنستير: القبض على 5 أشخاص اقتحموا متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعبئة الإعلامية ضد مخاطر تنظيم القاعدة بفرنسا.. محاولة للفهم
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 10 - 2010


الهدف أكبر من القاعدة وأبعد من تحرير الرهائن
علي بوراوي باريس
أولت السّلطات الفرنسية خلال الأسابيع القليلة الماضية، اهتماما إعلاميا كبيرا للخطر الذي يمثّله "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" على أمنها الداخلي ومصالحها الخارجية، في اتجاه يهدف إلى تعبئة الرّأي العام لمساندة ما قد تتخذه من إجراءات بهذا الخصوص. وجاء اختطاف الرهائن السبعة (خمسة فرنسيين وكونغولي وآخر من مدغشقر) منتصف سبتمبر الماضي من شمال النّيجر، لتشمل التّعبئة الإعلامية دول منطقة السّاحل، مكان نشاط هذا التنظيم، ومسرح عمليّاته. ومع بداية أكتوبر الجاري، اتّسعت دائرة التّعبئة، ومساحة الأعمال "الإرهابية" المحتملة، لتشمل دولا أوربية أخرى، بناء على أخبار وتحذيرات قادمة من الولايات المتّحدة الأمريكية، ووجدت صداها بسرعة في فرنسا وبريطانيا. فما هي حقيقة الأخطار التي يمثّلها تنظيم القاعدة على مصالح هذه الدّول؟ وهل تهدف التعبئة الإعلامية فقط إلى تحذير الرأي العام وتحصينه من هذا الخطر، أم إلى تهيئته إلى تطوّرات وأحداث محتملة في منطقة السّاحل، تخطّط لها الدول المستهدفة؟

استهداف فرنسا
جاء في استطلاع للرّأي قامت به مؤسّسة فرنسية متخصّصة خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، أنّ مشكلة البطالة، هي الهاجس الأوّل الذي يقلق بال الفرنسيين. تليها مسألة التقاعد، ثم الأزمة الإقتصادية، ثم انعدام الأمن (الداخلي)، واحتلّت التهديدات الإرهابية المرتبة الخامسة، وبنسبة 8،8 بالمائة من الذين وقع استجوابهم.
الملفت هنا هو هذه المسافة الشّاسعة بين ما توليه حكومة الرئيس ساركوزي للتهديدات الإرهابية التي تقول إنّها قادمة من تنظيم القاعدة، وبين ما يقابلها لدى الرّأي العام، الأمر الذي دفع عددا من الصحافيين وأصحاب الرّأي وقادة المعارضة، إلى اتهام حكومة بلادهم باستعمال التهديدات الإرهابية غطاء تخفي به عجزها عن حلّ المشكلات الحقيقية التي تعرفها فرنسا، بعد أن وجدت معارضة شديدة في استعمال ورقة المهاجرين والغجر خلال الصيف الماضي.
ورغم أنّ 79 بالمائة من الفرنسيين يرون أنّ التهديدات الإرهابية حقيقيّة وليست من نسج الخيال الحكومي، إلاّ أنّهم يرون الخطر الأكبر في غيرها، وتحديدا في قضايا داخلية هي بيد الحكومة الفرنسية وحدها، ولا دخل للخارج فيها.
وقد بذلت الحكومة الفرنسية منذ بداية سبتمبر الماضي كل ما في وسعها لإشعار الرأي العام بأنّ "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يعدّ لشنّ هجومات إرهابية على مصالح فرنسا في الخارج، وكذلك داخل البلاد، في أماكن تعتبر حساسة وإستراتيجية. فقد توالت تصريحات مختلف المسؤولين الحكوميين بداية من الرّئيس ساركوزي، ووزيري الداخلية والدّفاع، ومسؤولي الاستخبارات، محذّرة من خطر حقيقي محتمل قادم من تنظيم القاعدة.
ثمّ جاء اختطاف الرهائن السّبعة، وإعلان "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" قيامه بالعمليّة، مناسبة للإعلان عن مرحلة جديدة من الحرب المعلنة بين باريس وهذا التنظيم، يبدو أنّها لن تنتهي بانتهاء قضية الرّهائن السّبعة، ولكن لها ما بعدها.
فرنسا والقاعدة
إذا كان تنظيم القاعدة لا يخفي حربه واستهدافه للمصالح الغربية، فإنّ علاقته مع فرنسا تحمل من الخصوصيات والتراكمات، ما يجعل كلاّ منهما يضع الآخر في مرتبة عدوّه الأوّل. لقد حرص تنظيم القاعدة، ومنذ نشأته، على ضرب المصالح الفرنسية، ولكنّه لم يستطع فعل ذلك لأنّه كان مشرقيا في تفكيره ورجاله ومن ثم برامجه. عداء هذا التنظيم واستهدافه لفرنسا، يعود لعدّة أسباب، أهمّها:
- أنّ فرنسا شاركت في غزو أفغانستان، وحافظت على وجودها العسكري هناك.
- أنّها منخرطة في "الحرب على الإرهاب" بكلّ ثقلها.
- أنّ علمانية هذا البلد، وبخلاف علمانيات الدول الغربية الأخرى، لم تتردّد في مصادمة الهوية الإسلامية، من خلال قانون منع الحجاب في المدارس، تلاه منع النّقاب في الأماكن العامة.
كما أنّ خطب وبيانات هذا التّنظيم، لا تتردّد في اعتبار فرنسا " عدوّة الإسلام والمسلمين"، و"منبع الشّر"، و "العدوّ الأزلي للإسلام" كما جاء في تسجيلات أيمن الظواهري ورموز "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي".
ويؤكّد مسؤولون أمنيون فرنسيون، أنّ الفرنسيين تعرّضوا لاثنين وخمسين عملية اختطاف منذ أغسطس 2002 ، أي بمعدّل عمليتين كلّ شهر، وأنّ أجهزة الأمن نجحت في إحباط عدّة أعمال إرهابية كان التنظيم يعدّ لها في فرنسا. ويقولون إنّ ملاحقة هذا التنظيم تكلّف فرنسا كثيرا من الجهود الأمنية التي كان يجب أن تصرف في غير ذلك.
ثم جاءت التفجيرات التي قامت بها "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية، سنة 1995 في فرنسا، لتلفت انتباه قادة تنظيم القاعدة إلى أنّ التنظيم الجزائري قادر على تحقيق ما عجزوا عن فعله. وانتهى الأمر إلى إعلان هذا التنظيم التحاقه بتنظيم القاعدة في يناير 2007، واتّخذ لنفسه اسما مميّزا "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" في إشارة واضحة إلى تكوينه وأرضيته وأولوياته المغاربية. وزاد هذا التّنظيم في شحنة عداء "القاعدة" لفرنسا، استنادا إلى موروثه المغاربي، والجزائري بالخصوص، سواء من الحقبة الإستعمارية، أو انتقاما بسبب مساندتها ودعمها للجزائر في حربها على الجماعات المسلّحة. وأكّد هذه المخاوف احتكار قادة الجماعات المسلّحة الجزائرية لقيادة هذا التنظيم، وكتائبه.
كما أنّ تركيز وجوده في منطقة السّاحل، أكّد لفرنسا أنّها المستهدف الأول منه، لأنّه خرج من دائرة الملاحقة الأمنية الجزائرية، حيث كان هدفا لضربات موجعة، وانتقل إلى منطقة السّاحل الصحراوية الواسعة، التي تتقاسمها إضافة إلى الجزائر، كلّ من موريتانيا ومالي والنيجر. هناك، استفاد التّنظيم من ضعف إمكانيات هذه الدول في مراقبة صحرائها، ومن السكان البدو الذين يمكنه التخفّي بهم، ومصاهرتهم، وربّما توظيف بعضهم، ومن شبكات الإتجار في المخدرات والسلاح والهجرة السرية، التي تنشط هناك.
لقد فهمت فرنسا منذ البداية رسالة هذا التنظيم، فاجتهدت في الإحاطة به وإعلان الحرب عليه، مستعينة بدول الساحل الإفريقي، بداية من الجزائر، ثم موريتانيا ومالي والنيجر.

مصالح إستراتيجية
التقي حرص فرنسا على محاربة "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" مع حماية مصالحها في إفريقيا، والحفاظ على وجودها العسكري فيها، ومزاحمة الحضور الأمريكي الذي أصبح يهدّد مصالحها وعلاقاتها التاريخية مع القارة السّمراء.
فاليورانيوم القادم من مناجم النيجر، يعتبر مسألة استراتيجية بالنسبة لفرنسا، لأنّه المصدر الرئيس لتغذية مفاعلاتها النووية بهذه المادة، ما جعلها ثاني دولة في العالم في إنتاج الطاقة النووية بعد الولايات المتّحدة الأمريكية. وهو مصدر ثلثي الطاقة الكهربائية التي تضيء سماء فرنسا ومدنها. وقد تعرّض الفرنسيون العاملون في أهمّ منجمين لليورانيوم شمال النيجر- إضافة إلى عملية الإختطاف الأخيرة- إلى محاولتين سابقتين للإختطاف سنتي 2008 و 2009، تمّ حلّهما بتدخّل "أصدقاء فرنسا من الطوارق" كما قال المحلّل العسكري الفرنسي جان دومينيك مارشي. ويؤكّد نفس المحلّل أنّ حاجة فرنسا إلى هذه الثّروة، تجعل هذه المنطقة أهمّ لها من أفغانستان، حيث توجد لها قوات عسكرية. لكن كيف لفرنسا أن تنفّذ خطّتها في تأمين مصالحها ومحاربة القاعدة، وأرض المعركة تتقاسمها أربع دول، لكلّ منها سياساتها وأولوياتها؟ ثم إنّ هذه الدّول ليست مستهدفة بشكل مباشر من القاعدة، وربما يستفيد بعض النافذين فيها من هذا التنظيم، سواء من خلال الوساطة في قضايا الرهائن، أو استفادة مادية مباشرة مقابل عدم الجدية في ملاحقتهم، وحتى التواطؤ في التغطية عليهم، أو من خلال ما يمكن أن يوفّره التنظيم من حماية للشبكات المتاجرة في المخدرات والأسلحة وغير ذلك من الأنشطة غير المشروعة التي تنشط في المنطقة.
تقول بعض المصادر، إنّ قصر الإليزيه وضع برنامج مساعدة عسكرية لدول السّاحل، من ضمنها إعداد قوات خاصة للتدخّل السّريع. وقد بدأ تنفيذ البرنامج مع موريتانيا، وترغب باريس في أن يشمل لاحقا كلاّ من مالي والنيجر. لكنّ التجربة مع موريتانيا أثارت عددا من أحزاب المعارضة هناك ضدّ الحكومة، واعتبرتها قتالا للقاعدة بالوكالة عن باريس، ومعركة ليس من صالح نواكشوط خوضها. كما أثارت هذه الخطوة الجزائر، ووتّرت العلاقات بين العاصمتين.

الثّقل الجزائري
لئن كان بإمكان باريس إقناع دول منطقة السّاحل برؤيتها، أو بالأحرى حملها على القبول بها، وتنفيذ ما تراه من إجراءات عمليّة، في محاربة تنظيم القاعدة، فإنّ للجزائر تجربتها في هذا المجال، ورؤيتها في ذلك. هذا ما جعل هذا الملفّ ذو حساسية خاصة، وعنصرا إضافيا في تعقيد العلاقات الفرنسية الجزائرية، المتأزّمة أصلا. ورغم جهود كلا البلدين في تجاوز خلافاتهما وتطوير علاقاتهما، فإنّ الملفات الخلافية بينهما كانت أثقل وأكثر تعقيدا. لذلك، فإنّ زيارتي كلّ من كلود غيان الكاتب العام لقصر الإليزية خلال يونيو الماضي، وجان بيير شوفينمان وزير الدفاع والداخلية السابق في فرنسا، أواخر سبتمبر الماضي، إلى الجزائر، ولقاء كلّ منهما بالرئيس بوتفليقة، لم تنجحا في إزاحة الغيوم المتراكمة بين العاصمتين.
هذا الخلاف، عبّرت عنه كذلك الأزمة التي تشهدها العلاقات الجزائرية الموريتانية منذ بضعة أشهر. وقد ترجمتها تصريحات وزير الصحة الموريتاني الشيخ ولد حرمة، عندما وصف في تصريحات له الأسبوع الماضي، موقف الجزائر من الإرهاب في منطقة السّاحل، بالغامض. وقال الوزير الموريتاني إنّ الإعلام الجزائريّ تحوّل إلى ناطق باسم الإرهابيين، ويمارس ضغطا نفسيّا على الجيش الموريتاني عندما أظهره في صورة المنهزم، خلال مواجهته الأخيرة مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وقد رفع السفير الجزائري في نواكشوط، إلى الرّئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، خلال لقائه به الثلاثاء الماضي (5 اكتوبر) احتجاجا رسميا على تصريحات وزير الصحة، وطالب باعتذار رسميّ عنها.
لقد اجتهدت الجزائر في وضع استراتيجية لمحاربة تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الإفريقي، حاولت أن تجنّد لها دول الجوار التي ينشط هذا التنظيم في أرضها، وهي موريتانيا ومالي والنيجر. ووقّعت معهم اتّفاقا بهذا الخصوص. وممّا تقضي به هذه الخطّة، رفض دفع أيّ تعويض للمختطفين، ورفض أيّ تدخّل خارجي في المنطقة.
لكّن حرص فرنسا على إنقاذ رهائنها الذين اختطفتهم القاعدة، وضغوطها على مستعمراتها السّابقة، أفسد على الجزائر خطّتها. فقد ضغطت فرنسا على مالي لتفرج عن معتقلين من تنظيم القاعدة، مقابل الإفراج عن رهائن لها عندهم. كما شارك عدد من جنودها، وإن بعدد محدود، الجيش الموريتاني في ملاحقة عناصر القاعدة في يوليو الماضي. وأرسلت إلى النيجر بعناصر من قواتها الخاصة، إثر اختطاف الرهائن السبعة في منتصف سبتمبر الماضي. وقالت وسائل الإعلام إنّ باريس أرسلت إلى نيامي وحدة متخصّصة في محاربة الإرهاب للقيام بعمليات استطلاع جوي، بهدف تحديد أماكن وجود الرهائن ومختطفيهم. وقالت مصادر صحفيّة إنّ فرنسا استعملت في ذلك طائرات مجهّزة بالرادار وكاميرات تستعمل الأشعة فوق الحمراء، وأجهزة تنصّت متطوّرة. كما وقع توجيه محطات أرضية للتّصنّت على المكالمات الهاتفية، وقمر صناعي لكشف التحرّكات التي تشهدها المنطقة.
وقال مصدر قريب من المجلس العسكري الحاكم في النّيجر، إنّ سلطات البلاد "أعطت موافقتها لفرنسا لنشر طائرات وأفراد على أراضيها".
هذا الخلاف الجزائري الفرنسي، عبّرت عنه كلمة رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح، في الإجتماع الذي دعت إليه بلاده في مدينة تمنراست (جنوب الجزائر) نهاية سبتمبر الماضي، أي بعد اختطاف الرهائن السّبعة، وحضره قادة جيوش الدول الأربع، لبحث "محاربة الإرهاب وعصابات الجريمة المنظّمة، التي تنشط في منطقة الساحل الإفريقي". فقد انتقد "تنصل عدد من الدول من التزاماتها، مثلما هو عليه الحال بالنسبة لمالي التي تقايض أحيانا، دون الالتفات إلى النتائج العكسية لتصرفاتها على إستراتيجية دول المنطقة لمواجهة الإرهاب". ودعا إلىتنسيق ميداني بين جيوش الدول الأربع، يعتمد عمليات يقع الإعداد لها بشكل جيّد.وقال متحدّث باسم الإجتماع، إنّ دول الساحل الإفريقي الأربع، أكّدت على "تكريس إرادتها وقدرتها الفعلية في التكفل الذاتي بقضاياها الأمنية بكل حرية وسيادة"، في إشارة واضحة إلى رفض أيّ تدخّل خارجي.

صراع على النّفوذ
هذا التدخّل-الذي تراه باريس ضروريا لإنقاذ حياة رهائنها وحماية مصالحها المهدّدة، فنزلت بثقلها العسكري واللوجستي- أزعج الجزائر. فهو قد يفتح شهية المستعمر السّابق في المنطقة، خصوصا وأنّ فرنسا قلقة من الحضور الأمريكي المتنامي، والذي أصبح له وجه عسكري صريح، منذ إنشاء قوات "أفريكوم" الأمريكية التي باشرت عملها منذ مطلع اكتوبر 2008. فهل تستغلّ باريس فرصة ملفّ الرهائن الحالي، لتوسّع حضورها في إفريقيا، وفي منطقة السّاحل بالذات؟ علما أنّ لفرنسا في القارة السّمراء حضورا عسكريا عداده تسعة آلاف رجل، موزّعين بين السنغال والكوت ديفوار والغابون وإفريقيا الوسطى وتشاد.
يبدو أنّ عملية اختطاف الرهائن الأخيرة من شمال النّيجر، قد أيقظت خلافات بين القوى المتصارعة على المنطقة، وفتحت على فرنسا أبواب ملفّات عدّة، ليس من السّهل حسمها بسرعة. فهي بحاجة إلى حماية مصادرها من اليورانيوم، ومصالحها في السّاحل الإفريقي، ووجودها الذي أصبح مهدّدا هناك، ليس من الأمريكيين والصينيين فحسب، ولكن أيضا من تنظيم القاعدة.
لذلك، فإنّ المنطقة مرشّحة لتطوّرات، هي أكبر من محاربة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وأبعد من تحرير الرهائن السّبعة المختطفين.
وتحتاج هذه الملفّات إلى جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة، وإلى أموال أكبر، في وقت تعلو فيه أصوات النقابات العمالية وأحزاب المعارضة في فرنسا، احتجاجا على سياسات الرئيس ساركوزي. وترتفع فيه أصوات الإقتصاديين داعية إلى شدّ أحزمة الإنفاق الحكومي، لأنّ العجز المالي قد تجاوز الحدّ. فهل تكون التعبئة الإعلامية ضد مخاطر تنظيم القاعدة، إعدادا لخيارات سياسية في منطقة الساحل الإفريقي، هي أقرب إلى الجراحة منها إلى استعمال المسكّنات؟ وهل يكون الخيار المطروح فرنسيا صرفا، أو أوروبيا، أو بتنسيق مع الأمريكيين الذين نسجوا شبكة علاقاتهم في القارة السّمراء وحدّدوا مصالحهم فيها؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة، ولكن بالتأكيد، بعد إغلاق مشكل الرهائن.
- إسلام أون لاين
2010-10-11


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.