مبادرة حسنة قام بها الحزب العتيد في عقد ندوات تكوينية خاصة للشباب في فنّ "الخطابة" و لكن ربما اختيار هذا الموضوع بالذات سابق لأوانه و لو أنه يدخل ضمن تقنيات الإستصال ، لأن الكثير من المسائل التي لا يفقهها الشباب ، هذه المسائل التي لا تنحصر في جهد فرديّ أو حزبيّ مهما كانت قدرة هذا الفرد أو الحزب لاسيما إذا كانت دولة مثل الجزائر تعيش التعددية السياسية كما في الدول الأخرى. فالشباب مهما كان مستواه الفكري الثقافي فهو في حاجة ماسة إلى بعض التدريبات حول فنّ الممارسة السياسية عندما تتعلق ألأمور في علاقات الحزب مع الأحزاب الأخرى و الممارسة النضالية داخل الحزب ، لأن مسألة "النضال" إن صح التعبير مسألة تشترك فيها كل ألأحزاب مهما كانت خلافاتهم و مهما كان اختلاف إيديولوجيتها و مفاهيمها النضالية هي عملية مشتركة إذا تعلق الأمر كذلك بمصلحة البلد و الشعب، و لذا فهي تقتضي درجة من الوعي الجماعي. إن التعددية السياسية و السباق على المناصب أفرزت تراكمات أدت إلى وجود أجنحة متصارعة حتى لو كانت داخل الحزب الواحد، أدت بمناضليه إلى الانسلاخ التاريخي، و هي ظاهرة موجودة في أحزابنا السياسية، لكن أن تحدث داخل حزب جبهة التحرير الوطني ( جبهة بن بولعيد و بن مهيدي ، و جبهة عبان رمضان مسعود بوجريو..) فهذا ما لا يقبله منطق، حيث أخلّت هذه الممارسات بأبسط المبادئ الأخلاقية من خلال ما ارْتُكِبَ من أخطاءٍ فادحةٍ في حق هؤلاء الرجال الذين كانوا يمثلون جبهة التحرير الوطني و ضحوا بأنفسهم من أجل مجدها و مجد الجزائر ، فمثل هذه الممارسات تعد إساءة لهم وتجريحا لماضيهم، بسبب وجود أطراف تتقن فن - التَّخْلاطْ- و "الهدم"، و هي أطراف غير متشبعة بالقيم النضالية. يعتقد الجميع أن المؤتمر الثامن الجامع ل: الأفلان كان صحوة نضالية جمعت شمل المناضلين و أعادت كما قال في ذلك الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي " النعاج الضائعة إلى الحظيرة" بعدما تركت الكثير من الفضلات التي انتشرت بسبب هيجان الطبيعة ، فكان المؤتمر التاسع في حقيقة الأمر إخراج هذه النعاج من جديد و تفرقها في البوادي و لتطرح فضلات جديدة فوق تلك التي تركتها لتشكل بذلك ركاما لا نستطيع إزالته حتى لو تطلب الأمر استعمال ( البالابيوش) . إن الشباب المتحزب في حاجة إلى أخلقة النضال و فاعلية في العمل، كما في حاجة إلى فنّ التعامل مع الآخر ، أي أن يحترمه و يبتعد عن أساليب القذف و الإهانة مهما كانت درجة الخلافات، فالأولوية لمن يا ترى فن مخاطبة الآخر أم فن التعامل معه؟ و لو أن الاثنان أيضا يدخلان ضمت التواصل الذي يرتكز بالضرورة على السمع l'écoute ، لأن الخطاب السياسي يحتاج بالدرجة الأولى إلى تقنيات لاجتذاب الناس و من بينهم الشباب، و هذه بالضرورة تحتاج إلى ثقافة، و من خلالها يمكن للمخاطِبِ ( بكسر الطاء) l'emeteur أن يوصل فكرته إلى الآخر أو المُخاطَبِ أي : le récepteur و يجعله يؤمن بإيديولوجيته و هذا يعني انه يملك أساليب الإقناع، إذ لا يمكن لأي مسؤول داخل حزب من الأحزاب أن يتكلم هو وحده مع مناضليه دون أن يعطيهم فرصة النقاش و الرد و التوضيح، و لا يستمع لهم و يريد تمرير رسالته و إجبارهم على قَبولها و تنفيذها، و ربما ما يحدث حاليا مع بعض المشرفين على إعادة هياكل الحزب العتيد، أدت إلى قطع خيوط الاتصال( ( le courant ne passe pas و جعلت الأمور تصل إلى حالة الانسداد. كتب أحد المحللين السياسيين قائلا: " نحن لدينا مثقفون و ليس لدينا ثقافة أو بالأحرى لدين مختصون يكررون معلوماتهم التي حصّلوها عندما كانوا يجلسون على مدرجات الجامعة، و ليس لدينا نتاج ثقافي لأن عنصر العلم و الثقافة محصوران في الإطار الجامعي و هو إطار محافظ راكدٌ " ، و السؤال الذين يمكن أن نطرحه كيف يكون الخطاب السياسي لحزب ما مع حزب آخر ؟ و السؤال يطرح نفسه هل يمكن لهذا الحزب أن يبني إستراتيجية وطنية أو يبني علاقات متينة مع الآخر الذي يعيش وراء البحار و أن يتعاطى مع الواقع و هو عاجز عن حل مشاكل مناضليه و الفصل فيها بقرارات صارمة نزيهة بعيدة عن المزايدات و المساومات، إنه سيكون لا محالة عاجز عن المشاركة في للقضايا و الإشكاليات التي يطرحها الواقع العربي و الدولي بشكل عام، كذلك هو الشأن بالنسبة لرئيس حزب من الأحزاب، فهذا الأخير ونظرا لما يحمله من أسماء( زعيم، قائد، الرُبَّان، الرّاعي المسؤول عن رعيته، و غيرها من الأسماء) فإن كان يرى نفسه " فرعونًا " و يرى نفسه المالك المطلق الذي له السلطة المطلقة و من هم أدنى منه ليس لهم حق النقاش ووظيفتهم تقتصر على الولاء و الطاعة و البيعة حتى لو كانت تصرفات هذا القائد قد تؤدي بالسفينة إلى الغرق. ليس سهلا طبعا على حزب في حجم جبهة التحرير الوطني - كنموذج- بكل ثقله ووزنه التاريخي التحرُّرِي أن يَسْقُطَ فجأةً أو أن يُوضَعَ في "المتحفِ"، والسؤال المطروح ماذا يختار المناضل النزيه المخلص للجبهة، لو خُيِّرَ بين أمرين اثنين : " أن توضع جبهة التحرير الوطني في" المتحف " أو يقتاد بها إلى "المزبلة" ( أكرمكم الله) طالما أطراف بممارساتها اللانضالية تعمل على تدمير الحزب و تعريته ، فلا شك أنه سيختار" المتحف" طالما هذا الأخير يضم التحف الأثرية الثمينة النادرة و يحيط به حرس مُسَلَّحُون ، و شتان بين الاثنين. و ردا على هذا السؤال نقول أن جبهة التحرير الوطني ما تزال تضم تحت أجنحتها مناضلين مخلصين و لكنهم يفتقرون إلى أسلحة للدفاع عنها و حمايتها من الانتهازيين و الوصوليين الذين يتاجرون بالجبهة بأموالهم و يشترون بها المناصب لتحقيق غاية في نفوسهم ، و لهذا هو بين نَارَيْنِ: الغيرة على الجبهة و البقاء في صفوفها؟ أو رمي المنشفة لهؤلاء حتى لا يشتركون في "جريمة " تسيء الجبهة و تشوه صورتها التاريخية و تلك هي المشكلة..