رغم ما قرأته من مقالات و ما تحمله من عناوين عالج أصحابها مختلف المواضيع و طرحوا فيها إشكاليات عديدة تتعلق بالإنسان و سيدته، و المواطنة و السلطة و علاقتها بالمثقف، و أخرى تعالج فلسفة بالمسؤولية النضالية و ما تحمله هذه العبارة من معاني سامية طالما أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوطن و بناء دولة قوية ذات سيادة برجالها، أقول جيدا برجالها، غير أنه سرٌّ ما يدفعني كلما أجد نفسي واقعة في مأزق عندما أكتب عن "الرجل" و ما يحمله من سمات و خصائص، إلا و أجدني أعود إلى كتابات الدكتور محمد قماري ، خاصة تلك التي عنونها ب: " العالم غدًا عالم بلا رجال"، و قد سبق و أن علقت على المقال الذي أثر عنوانه في نفسي في مناسبة من المناسبات و هذا لا يعني أنني أضع قلمي (الذي ما زال يحبو كالطفل على أربع) في كفة قلم دكتورنا الفاضل، و لكن ربما أجد أفكاري تنسجم مع ما يكتبه الدكتور و ما يريد كتابته ليشخص داء المجتمع الجزائري و العربي كما يشخص داء مرضاه الذين يداويهم.. المهم و بعد هذه المقدمة لا أظن أن أحدًا يعارض هذه المقولة: " العالم غدا عالم بلا رجال" و هاهو عنوانك يا دكتور قماري يتجدد مع تجدد المعطيات و المتغيرات السياسية، لاسيما و الأجواء التي يعيشها حزب جبهة التحرير الوطني قبل و بعد مؤتمره التاسع، و الإجراءات التي يباشرها الحزب العتيد منذ نهاية سبتمبر إلى اليوم لتجديد هياكله القاعدية على مستوى القسمات و المحافظات، و ما يحدث من مهازل سياسية داخل الحزب بعدما تطور الخلاف و انتقل من المناوشات الكلامية إلى الاعتداءات الجسدية بالسلاح الأبيض، ووصلت الأمور الى العدالة.. بشكل أو بآخر ربما كان ضروريا أو حتميا أن تكون هناك إجراءات لفك النزاع ، و ربما من حق ألأمانة العامة للحزب أن تشكل لجنة انضباط لتأديب المتسيبين و اللاعبين بمصير الحزب و خونته، لكن أن يكون أول المحالين على لجنة الانضباط "رجال" في وزن صالح قوجيل الشخصية المعروفة على مستوى الداخل و الخارج باعتباره من قدماء المجاهدين و أعضاء جيش التحرير الوطني ، لمواقف عبرا عنها و لا لخيانة أو شيء من هذا القبيل، فتلك تعتبر قمة الهراء السياسي.. صالح قوجيل لا يعرفني، و لا يسمع بوجودي، و لن يفكر يوما (و لو مجرد التفكير) في السؤال و البحث عن كاتبة هذا المقال التي تحولت في لحظة و دون تخصص إلى دفاع ترافع عن رجل في وزن صالح قوجيل، و لكن الأمانة الثورية و الإعتراف بجميل هذه الشريحة من الثوريين يجعل كل واحد منا يقف أمام ضميره و يتأمل صورته في المرآة حتى يحكم على نفسه بنفسه من يكون هو حتى يحاسب رجال في هذا الوزن الثقيل؟ يتمتعون بروح ثورية نضالية، و مازالوا قادرين على العطاء النضالي إلى اليوم و لم يبخلوا يوما ، و يكفي العودة الى مواقفهم الشجاعة التي أبدوها في محاضراتهم و ندواتهم و لقاءاتهم التاريخية التي عقدوها و شاركوا فيها.. كان لي الشرف يوم شاركت في الملتقى الوطني للمناضلات ( و هو ملتقى خاص بالمرأة الجبهوية) ، و كانت العضو القيادي في الحزب العتيد السيدة صليحة جفال (ذكرها الله بخير) أن اقترحتني و زميلة لي في جريدة صوت الأحرار الأخت سعاد جلطي لنصعد إلى المنصة لإختتام الملتقى بعد مواقفة الحضور من القادة ، و هذا من أجل ترك المجال للفتيات ليتعلمن فن تسيير الجلسات، و تمكيننا من الممارسة السياسية ليس إلا ، و هي مبادرة تُكْتَبُ لها في سجل جبهة التحرير الوطني، كنتُ قد ترأست جلسة الاختتام، كان المجاهد صالح قوجيل يقف في الصف الأول، و كلمة أقولها للتاريخ ، لقد كان الوقار يغطي محياه، أما نحن فقد كان الخجل باد على وجوهنا لأننا كنا نقف أمام عمالقة الثورة الجزائرية، و كان شرف لنا أن نكون وسطهم، أليس من واجبنا رد الجميل و لو بقول كلمة حق فيهم دون مجاملة .. فعندما يُهَانُ "رجال " من جيل الثورة و من الوزن الثقيل مثل صالح قوجيل أو السعيد بوحجة و غيرهم في جزائر التعددية و جزائر الكرامة و السيادة و من داخل الجبهة و هم من مؤسسيها الأوائل، يتراء للمُلاحِظِ أن العبث السياسي في الجزائر وصل حدا لا يطاق، لأن الرجل معروف بمواقفه النبيلة تجاه جبهة التحرير الوطني قبل و بعد أن تتحول إلى حزب سياسي، و غيرتهم على الآفلان لا تقاس و لا يمكن أن تقدر بثمن ، دون أن تفكر الجهة التي أصدرت القرار و وقعت عليه بشعور هذه الثلة من الرجال و هي تجد نفسها في هذا السن تحال على لجنة الانضباط، و كأنها ارتكبت جريمة في حق جبهة التحرير الوطني، و في حق الشهداء و الجزائر و في حق الشعب الجزائري، أليس من الأحرى أن يستدعى الذين خانوا الحزب و كانوا في قوائم أحزاب أخرى، و الذين باعوا أصواتهم لصالح أحزاب أخرى، أليس من الأحرى أن يحاسب الذين يتاجرون بالحزب و يبيعون فيه و يشترون؟ إنني عندما أتأمل عنوانك يا دكتور قماري " العَالَمُ غدًا عَالَمٌ بِلا َرجَال" تدفعني الجرأة إلى تعديله و استبدال كلمة العالم بأخرى مناسبة أمام هذا الوضع الذي تعيشه جبهة التحرير الوطني، و هو القول: " الأفلان غدا حزب بلا رجال"؟؟؟؟، و أعتذر لمن أنا دونهم لأننا لم نتعلم فن المجاملة السياسية..