تتواصل العربدة الصهيونية بالقدس، وحصلت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث مؤخرا على صور فوتوغرافية كشفت حجم الحفريات الكبيرة، وشبكة أنفاق أسفل أرضية المسجد الأقصى المبارك ومحيطه الذي يشمل منطقة ساحة البراق والجدار الغربي للمسجد الأقصى ووقف حمام العين، وذلك كله ضمن مشروع عريض وكبير لتهويد القدس وتغيير هويتها، وإقامة مبانٍ ومزارات ذات صبغة دينية، ونسبة كل شيء في مدينة القدس إلى التاريخ اليهودي والعبري. وتهدد الحفريات المذكورة بإقبار وانهيار المسجد الأقصى عمرانيا وتاريخيا، وليس هذا مجرد عويل بل بات شبه مؤكد إن لم يحصل تحرك عربي إسلامي عاجل لوقف هذا العدوان على رمز مهم من الرموز الإسلامية، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وذلك باعتراف عضو بلدية القدسالمحتلة مئير مرجليت وعضو حزب «ميرتس» اليساري الذي توقع أن يستفيق الفلسطينيون يوما ولا يجدون شيئا في القدس. وقال للسكان الفلسطينيين شرقي مدينة القدسالمحتلة: «أنصح السلطة الفلسطينية بضخ الأموال للمدينة المقدسة لمساعدة الناس هنا، ودعم المؤسسات العربية، ولا أتحدث عن مليون أو عن مليونين بل الكثير من الأموال، وبدون الإعلان عن نشاط فلسطيني رسمي، لأن السلطة إن لم تفعل ذلك قريبا فسوف تصحو يوما ولا تجد شيئا في القدس»، مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية، تبذل مجهودات وتنفذ مخططات لدفع العرب دفعا لمغادرة القدس من خلال هدم منازلهم وطردهم وترهيبهم والاعتداء الجسدي عليهم، وغيرها من الأساليب، أو على الأقل جعلهم أقلية غير مؤثرة مطلقا في الانتخابات، بالموازاة مع توسيع المستوطنات حول القدسالشرقية، ومضيّ الحكومة الإسرائيلية في صنع واقع جديد يجعل مشروع إقامة دولة فلسطينية على حدود 1976 بدون معنى، وهو ما أكده نتنياهو في جلسة لإحياء الذكرى السنوية الخامسة عشرة لاغتيال خلفه الأسبق إسحاق رابين بقوله مقتبسا من كلمات هذا الأخير في آخر خطاب له أمام الكنيست: «إن إسرائيل لن تعود لحدود الرابع من يونيو 1967، وستبقى القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، في حين يتمكن الفلسطينيون من إقامة كيان سيكون أقل من دولة». وهذا الواقع لا يمكن تغييره بالتنديدات، ولن توقفه بيانات الاحتجاج والتعبير عن القلق والأسف، فالأمر وصل لمستويات خطيرة على مستوى تهويد القدس، وخطر اندثار المسجد الأقصى، وعلى مستوى سياسي بإقبار حلم السلطة الفلسطينية بجعل القدسالشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية مستقبلا، لأن الدولة العبرية تعتبر كل القدس عاصمتها «الأبدية الموحدة» أمام صمت ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يكاد يعني الموافقة على ما يجري. والحاجة ماسة أمام هذه المعطيات لتحرك عربي إسلامي رسمي وشعبي ضاغط لخلق رأي عام عربي ودولي رافض لما يجري بالقدسالمحتلة، فالأمر يتعلق بأحد المقدسات الإسلامية من جهة، ويتعلق بحجج واضحة على أن إسرائيل لا تريد سلاما ولا العيش جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية كما يقال، بل تسعى عمليا لتمديد «حدود» الدولة العبرية، مستغلة حالة الضعف العربي والإسلامي البيّن، وحالة الانقسام الفلسطيني الذي لم يعد مقبولا ولا مبررا، في ظل الظرفية التاريخية الحاسمة التي تمر بها القضية الفلسطينية. وبات التوصل -خاصة بين حركتي فتح وحماس- ولو إلى اتفاق حد أدنى لدفع الأمور للأمام مسؤوليةً تاريخية، وهذا يحتاج -كما سلفت الإشارة في مقالات سابقة- إلى وساطة عربية إسلامية محايدة. الظرفية التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية تدعو الدول العربية والإسلامية كذلك للقيام بتقييم جريء لحصيلة ما يسمى بمسلسل السلام ومسار المفاوضات، وأثر المبادرة العربية على هذا المسار، ومن ثم بناء استراتيجية جديدة للتعامل مع الدولة العبرية التي لا تعير اهتماما للتصريحات، ولكنها تحسب الحساب للأفعال، وأعتقد أن بيد الدول العربية والإسلامية -وهذا من باب التذكير فقط- سلاحا فتاكا تخافه إسرائيل، وهو رفض التطبيع معها على كل المستويات، والقيام حملة إعلامية واسعة بكل لغات العالم الحية لفضح الانتهاكات والعنجهية الصهيونية، واستعمال هذا السلاح بفعالية -رغم كل الضغوط التي يمكن أن تمارس، وخاصة من الإدارة الأميركية- سيدفع بكل تأكيد حكومة نتنياهو ومن يليها لإعادة النظر في سياستها العدوانية وتعاملها المتعجرف تجاه الفلسطينيين والعرب. العرب 2010-10-23