بوش أراد تخويف العالم بالإسلام وتحسين صورة المسلمين في أمريكا لن يتم إلا بمسلمي أمريكا يعتقد الإمام مهدي براي، المدير التنفيذي لمؤسسة مسلمي أمريكا، ''ماس فريدوم''، أن أكبر فشل لإدارة الرئيس بوش هو عدم تمكنها من تخويف الأمريكيين بالإسلام على خلفية هجمات الألفية، ويعتبر أن ''مستقبل المسلمين في الولاياتالمتحدة سيكون مزدهرا''. ويتحدث براي، في هذا الحوارعن الكثير من القضايا التي تهم الجالية الإسلامية وعن مستقبل المسلمين في أمريكا والحرب في العراق وكذا قصة إسلامه بعد أن كان مسيحيا ملتزما. اخترتم الفترة التي جاءت بعد هجمات سبتمبر لإنشاء مؤسستكم ''ماس فريدوم''، ما هي الأدوار التي قمتم بها لصالح المسلمين؟ عقب الأحداث مباشرة تم توقيف أكثر من 3 آلاف مسلم عبر كامل التراب الأمريكي لمجرد الاشتباه في كونهم شاركوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الهجومات. وكان أن سجن معظمهم لمدة تتراوح بين الشهر والسنة. ولقد كان من الضروري أن نجد لهؤلاء السند القانوني من خلال التدخل لتعريفهم وكذا عائلاتهم بحقوقهم المدنية، لأننا لاحظنا أن الغالبية منهم لا يعرفون جيدا القوانين الأمريكية، خاصة في مثل هذه الحالات الاستثنائية. فتدخلنا كان واضحا من خلال تجنيد محامين وحقوقيين للدفاع عن هؤلاء، إلى أن تمكّن كل الذين تم توقيفهم من الخروج من هذه القضية أبرياء، وأثبتت التحقيقات أن لا صلة لهم بقضايا الإرهاب. ولم يتوقف عملنا عند هذا الحد، وإنما واصلنا جهودنا لمساعدة مسلمي أمريكا لإيجاد مناصب شغل بعد الصورة السيئة التي التصقت بكل شخص مسلم في هذا البلد. ومؤسسة ''ماس فريدوم'' هي واحدة من التنظيمات الإسلامية التي تعنى بشؤون المسلمين وغير المسلمين ممن يحتاجون إلى مساعدة، لكن تركيزنا على المسلمين يكتسي أهمية كبيرة بالنظر إلى الوضعية التي تعيشها هذه الجالية المهمة داخل الولاياتالمتحدة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر. فعملنا يرتكز على العديد من المحاور أهمها التعليم الديني والشباب والأعمال الخيرية، إلا أننا نعتبر اهتمامنا بالمجال السياسي من أهم ما نقوم به في مؤسستنا. على ذكر صورة المسلمين في الولاياتالمتحدة. كيف ترون وضعية المسلمين الآن بعد مرور سبع سنوات على هذه الأحداث؟ أستطيع أن أجزم أن الأمور تغيرت كثيرا. لكنني أؤكد أيضا أن المسلمين في الولاياتالمتحدة يتأرجحون بين طرفين، أحدهما جيد والثاني سيئ. أما عن الجيد، فيتمثل في كون عدد المسلمين في تزايد مستمر، كما أن الذين اعتنقوا الإسلام من الأمريكيين في السبع سنوات الأخيرة، أعدادهم أيضا تتزايد يوما بعد يوم، لأن العديد من الأمريكيين لم يكونوا يعرفون شيئا عن الإسلام. إضافة إلى أن مجال الدعوة إلى الإسلام أصبح مفتوحا أكثر، بعد أن اقتنع العالم أن ظاهرة العنف ليست مرتبطة بالإسلام كدين. أما عن الشق السيئ فيمكنني أن أقول أن أهم شيء ما زال يعاني منه المسلمون في أمريكا، هو أن العديد من القوانين الخاصة بالحريات ليست في صالح المسلمين، مثل القوانين التي تمنع جمع التبرعات وكذا أموال الزكاة التي ما زالت ملايين الدولارات منها مجمّدة بحكم القوانين، دون أن يتمكن المسلمون من استغلالها، ناهيك عن بعض المضايقات التي نسمع عنها هنا وهناك، خاصة في المطارات مثلما حدث في قضية الأئمة الستة السنة الماضية. في ظل كل هذه المشاكل التي يواجهها المسلمون في أمريكا، هل يمكن القول أن الأمريكيين لم يعرفوا بعد حقيقة المسلمين، أم أن المسلمين أنفسهم لم يقدموا الصورة الحقيقية للدين؟ أولا لا بد أن نقول أن الإعلام الأمريكي ما زال مستمرا في حملته التضليلية ضد كل ما يرمز إلى الإسلام، الأمر الذي جعل صورة المسلمين لدى الشعب الأمريكي لم تتغير كثيرا في السنوات الأخيرة. ثانيا، لا بد أيضا من التأكيد على أمر مهم، وهو أن المسلمين يواجهون تحد أكبر من ذي قبل، يتمثل في الرد على مثل هذا العمل الدعائي، وذلك بهدف تحسين صورة الإسلام. وأعترف هنا أن الأمر لن يكون سهلا. وأود أيضا أن أشير إلى مسألة أعتبرها مهمة للغاية، وهي أن تحسين صورة الإسلام في الولاياتالمتحدة لن يتم إلا بمسلمي أمريكا في المقام الأول، لأنهم في نظري أكثر الناس دراية بحياة الأمريكيين وطريقة تفكيرهم وردود أفعالهم وغيرها من المسائل التي لها أهمية بالغة في نشر الإسلام على وجهه الصحيح. لأن إقناع شخص ما بأنك على حق لا يقتصر على كونك ملم بتفاصيل ما أنت بصدد الترويج له، بل يتطلب أيضا معرفة خصوصيات من يستقبل رسالتك، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمعتقدات دينية وليس برنامجا سياسيا أو غيره. إذا كيف يمكن تصور مستقبل الإسلام والمسلمين في الولاياتالمتحدة، خاصة في ظل صورة أمريكا المهزوزة في نظر غالبية المسلمين؟ نحن في ''ماس فريدوم'' و غيرنا في تنظيمات إسلامية أخرى، لا نتوقف عن العمل ولا تنسى أيضا أن هناك جيلا ثان وثالث من المسلمين في أمريكا من الشباب الذين يدرسون في الجامعات، ومنهم من حصل على شهادات عليا. وأعتقد أن التحدي الأكبر سيكون لهذه الفئة من الجيلين المذكورين. لذا، فإننا في ''ماس فريدوم'' مثلا نركّز كثيرا على التعليم، ليس فقط في جانبه الشرعي والمعرفي، ولكن أيضا في شقه السياسي والدعوي وخاصة في مجال الحقوق، حيث أننا نقدم دروسا للشباب المسلم في القانون والحقوق المدنية وغيرها، بهدف تحضير جيل مسلم واع بما يقوم به في المستقبل. ونحن واثقون بأن الجيل القادم سيتمكن من مواصلة المسيرة بأكثر مقدرة لأنه أكثر انفتاحا من الأجيال القادمة على المجتمع الأمريكي، وسيتمكن من قيادة الدعوة وكذا قيادة أمريكا نفسها. أما عن صورة الولاياتالمتحدة المهزوزة، فأعتقد أن الحل لدى الحكام في البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي أعطت صورة سلبية لواشنطن، ليس فقط لدى المسلمين وإنما لدى معظم شعوب العالم. وأود أن أشير هنا إلى أن الإدارة الأمريكية بدأت في السنوات الأخيرة في التقرب أكثر من الجالية الإسلامية، من خلال مشاركة مسؤوليها في احتفالاتهم الدينية وأنشطتهم الرسمية وغيرها، إلا أن الأمر مرتبط أكثر بأهداف سياسية لما يملكه المسلمون من قوة سياسية بدأت تظهر ملامحها في كل مناسبة سياسية وأصبحت أصوات المسلمين يحسب لها ألف حساب. مساهمة المسلمين في الحقل السياسي هي من أهدافكم في ''ماس فريدوم'' كيف تتصورون مستقبل الجالية المسلمة في هذا المجال؟ هدفنا كمسلمين لا يقتصر فقط على الدعوة للدين الإسلامي، التي نعتبرها من واجباتنا، ولكن أيضا نطمح كأمريكيين نملك كافة الحقوق أن نصل إلى أعلى المناصب السياسية والإدارية وهذا من حقنا، لأننا نرى أنه من واجبنا تطبيق أفكارنا التي نرى أنها تنفع المجتمع الأمريكي المسلم وغير المسلم. ولقد بدأت فعلا نتائج عملنا كمسلمين تظهر في الواقع، حيث أثبتت دراسة أجرتها أحد المعاهد المتخصصة، أن عدد المسلمين المسؤولين ممن يتولون مناصب رسمية في الولاياتالمتحدة تزايد ب 50 بالمائة في الخمس سنوات الماضية. ونحن نملك أيضا عضوين في الكونغرس، وأنا على يقين بأن الكفاءات المسلمة في أمريكا يمكنها الوصول إلى مناصب أعلى درجة، فعدد المسلمين يتجاوز حاليا 7 ملايين ونصف، وأنا جد متفائل بالمستقبل. مرت خمس سنوات على الغزو الأمريكي للعراق. ما هو موقفكم من الحرب، وكيف تتصورون مستقبلها؟ نحن أكدنا منذ البداية أن هذه الحرب مرفوضة من قبل مسلمي أمريكا ومن غالبية الشعب الأمريكي، لكن الإدارة الحالية ترفض الإستماع لصوت الشعب، لأنه في نظرنا الحرب على العراق هي احتلال غير شرعي ترفضه المواثيق الدولية وترفضه حتى القوانين الداخلية الأمريكية المبنية على احترام حقوق الإنسان. وأعتقد أن الإدارة الحالية فشلت فشلا ذريعا في العراق، خاصة وأنها استعملت الإسلام كذريعة لتخويف الأمريكيين والعالم من أجل تبرير غزوها للعراق، الأمر الذي تبين فيما بعد أنه منطق خاطئ، وتأكد الجميع أن الإدارة الأمريكية ذهبت لتبحث عن النفط، وأصبح بوش نفسه الآن يطلب المساعدة من المسلمين في هذه الحرب، لأنه تأكّد أن خطته لم تنجح. الإنتخابات الرئاسية الأمريكية على الأبواب. ما هو تحليلكم لمستقبل السياسة الأمريكية مع الرئيس القادم ومن ترشحون؟ من الصعب التكهن باسم الرئيس القادم، لكنني متفائل في حالة ما إذا جاء الديمقراطيون الذين سيساهمون في تغيير السياسة الداخلية للبلاد. و هذا الأمر سيكون له تأثير إيجابي نوعا ما على وضعية المسلمين. أما السياسة الخارجية، فإن الأمور في نظري لن تتغير كثيرا مهما كان الرئيس القادم. تشعّب بنا الحديث عن أحوال المسلمين في أمريكا، لكننا نريد أن نعرف في نهايته قصة تحولك من المسيحية إلى الإسلام؟ لقد ولدت سنة 1950 في وقت كان فيه نظام التمييز العنصري في أوجه وكان السود يسجنون ويقتلون لأنهم كانوا يطالبون بحقهم في المساواة. وأذكر وأنا في الخامسة من عمري أن منزلنا تعرّض لعملية تفجير. فقد نشأت في هذه الأوضاع الصعبة، وكان هدفي الوحيد هو البحث عن العدالة في مسيحيتي التي كنت وفيا لتعاليمها، لكن بحثي المتواصل عن العدالة في هذه الديانة لم يهدني إلى جادة الصواب. ومنذ ذلك الحين سعيت للبحث عن هذه الحقيقة في القرآن الكريم. وأذكر أنني قرأت سورة الرحمن من نسخة مترجمة ووقفت عند الآية السابعة التي تتحدث عن الميزان والعدل، حينها تيقنت أن العدالة المطلقة هي التي يتحدث عنها القرآن وليست تلك التي كان ينشدها مارتن لوثركينغ. لقد كان ذلك سنة 1977 ومنذ ذلك الوقت قررت أن أكرس حياتي لخدمة الإسلام والمسلمين.
المصدر :نيويورك: حوار مراسل ''الخبر'': م. بوزانة 2008-04-21