38 مليار دينار ايرادات الضرائب.. الجباية تسعف المالية العمومية    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    عاصفة شمسية شديدة تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    زيت الزيتون ''الشملالي'' يفوز بميدالية ذهبية في المسابقة الاوروبية الدولية بجنيف..    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    بالفيديو: سعيّد: هذا تقصير وسيحاسب الجميع حتى المسؤولين الجهويين    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    فعاليات موكب إسناد الجائزة الوطنيّة "زبيدة بشير" لسنة 2023    المنستير : يوم إعلامي جهوي حول الشركات الأهلية    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    عاجل: قيس سعيد: من قام بتغطية العلم التونسي بخرقة من القماش ارتكب جريمة نكراء    الصوناد: نظام التقسيط مكّن من اقتصاد 7 % من الاستهلاك    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    الرابطة الثانية.. نتائج الدفعة الأولى من مواجهات الجولة 22    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية سعدية مصباح العضو بجمعية "منامتي"..    ترغم التحسّن الملحوظ : تعادل لا يرضي احبّاء النادي الصفاقسي    طقس الليلة    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    تونس ضيف شرف مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بمصر    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    عاجل/ إندلاع حريقين متزامنين في جندوبة    السلاطة المشوية وأمّك حورية ضمن أفضل السلطات حول العالم    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    عاجل/ جندوبة: العثور على جثة طفل مشنوقا بمنزل أهله    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    رفض الإفراج عن الإعلامي محمد بوغلاب    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    بطولة روما للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 58 عالميا    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    عاجل/ هجوم مسلح على مركز للشرطة بباريس واصابة أمنيين..    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    اللغة العربية معرضة للانقراض….    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر ورهانات الزواج المكره بين الوطني والإخوان
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 04 - 2008

العصيان المدني ممارسة سياسية راقية وتعبير حضاري عن رفض بعض وجهات نظر الدولة، خصوصا عند تطبيقه، وتزداد هذه الخصوصية إلحاحا كلما كان القرار السياسي يتعلق بأحزاب تمارس حقها في الوجود وفي التصدي لبرامج الحكومة التي لا تتماشي وسياساتها، في حين أن الدستور ينبغي أن يكون مانحا للجميع حق الوجود والعمل المنظم في إطار مصالح وطنية لا خطوط حمرا وراءها ولا بعدها، هذا الدستور الذي كثيرا ما خرجت عليه (وعلي أصحابه) الدهماء Mob وأطاحت به، وأبعد مثال من حيث الزمن، وفي الإطار العربي الإسلامي، هو الإطاحة بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالي عنه، أما في العصر الحديث فإن التحركات الطلابية لسنة 1968 دفعت بأحد أكبر أبطال الحرب العالمية الثانية لمغادرة كرسي الحكم من موقع الأنفة، حيث قال ديغول مقولته الشهيرة بنسبة 51 % فقط ، وأما في لحظتنا البريطانية، فقد تمكنا من إخراج وزيرنا الأول قبل أوانه بعد أن تكدست عليه الصحافة والأحزاب وأقطاب الأحزاب، وبعض رفاق دربه فكفوا الشارع البريطاني شر التدخل وأحالوه خارج سدة الحكم.
ولقد أوردت هذه الأمثلة في مقالي علي الرغم من الحيز الضيق المعد له لتذكير إخواننا المصريين الذين تعودوا علي ممارسة تقليدية للسلطة، ولئن كنت من أنصار تحقيق التوازن المطلوب في المجتمع بين ممثليه من الأحزاب عبر التوافق وليس باللجوء إلي استخدام الشارع وإن كان حقا من حقوق المواطن السياسي، وذلك بحكم الفواتير عالية التكلفة علي الدولة وعلي المجتمع.
ولعل أهم ما دفعني إلي مثل هذا القول هو جدية النخب المصرية في تهديداتها بممارسة أقصي درجات الضغط علي الحكومة وإجبارها عبر الشارع المضبوط علي تلبية ولو بعض مطالبها، خصوصا إذا كانت هذه المطالب لا تخرج عن محتوي دستور البلاد، ولا تكلف الدولة المصرية أكثر من جر الإخوان علي سبيل المثال ليس إلي تقاسم السلطة فحسب، ولكن إلي تقاسم أعباء السلطة ومغارمها.
ويقلل قادة الحزب الوطني الحاكم في مصر من أهمية الدعوة إلي العصيان المدني، واصفينها بأنها دعوة خائبة ، وبأنها جزء من مؤامرة دولية لإضعاف دور مصر ومنعها من تحقيق انجاز سياسي سواء أتعلق الأمر برفع الحصار عن الفلسطينيين أو منع تقسيم العراق أو المساهمة في إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان، وردوا علي ذلك بالتجاوب مع مطالب الخبز ورفع الرواتب بما يمكن من مواجهة موجة غلاء الأسعار التي أرهقت كواهل العائلات المصرية الفقيرة.
والحقيقة أن مصادر الحكومة التي تقدم هذه الاعتراضات قد جردتني من كل اعتراض أيضا، وذلك بإعلام الناس بأن المطالب الاجتماعية تحقق بعضها والبعض الآخر سيتحقق. إلا أن دافع المؤامرة الصهيونية والأمريكية التي تبنتها المعارضة، أنظر إليه علي أنه مزايدات وسفسطة سياسية أدمن عليها ساستنا منذ الستينيات أو السبعينيات تهدف إلي تهميش مطالب المعارضة الجادة وإهانة الخصوم السياسيين الذين يطالبون بحقهم الشرعي في المشاركة السياسية في إطار قوانين البلاد.
ولعل أصعب الأسئلة ذلك الذي يعني أكبر الحزبين: الوطني والإخوان عن إبرام صفقة الزواج المكره بينهما والذي تحتاجه مصر كأشد ما تكون الحاجة من أجل بناء حياة سياسية لا يخرج عليها رافضة ولا خوارج ولا أزارقة، ولا يسمع عنها الإمام مالك الذي لا يقول بزواج المكره إلا في عالم السياسة، فهل يملك الحكم المصري القدرة علي صنع المعجزة العربية المتمثلة في تركنة الحياة السياسية و أربكنة العمل الحزبي، ووضع النظام العربي علي مسار الديمقراطية التي تنبع من الذات والتي يستحيل عليها تجاهل العميد المؤسس للإسلام السياسي المعاصر، أي الإخوان المسلمين؟
لقد غدت جماعة الإخوان المسلمين قوة سياسية وبشرية ضخمة يصعب تجاهلها، وإن كان بالامكان عنادها وعراكها من حين لآخر، فمن مدينة الاسماعيلية حيث أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 إلي يوم الناس هذا، أصبحت الجماعة رقما سياسيا يصعب تجاوزه في أي معادلة سياسية إقليمية أو دولية. كانت نشأتها دعوية في الأساس وتصحيحية لمفهوم الإسلام باعتباره علاقة بين العبد وربه تشمل أيضا علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، حتي أعلنها صريحة عام 1938 بأنه سيعمل علي مخاصمة كل من لا يعمل علي نصرة الإسلام باعتباره دينا ودولة، قبل أن تتحول الجماعة رسميا إلي هيئة سياسية في المؤتمر الخامس لها عام 1945 وتشكيل الجناح العسكري لها وما رافق ذلك من عمليات اغتيال متبادلة انتهت باغتيال البنا نفسه عام 1949. وقد كان الإخوان رافدا أساسيا من روافد الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني لمصر، كما شاركوا في الدفاع عن فلسطين عام 1948، قبل أن يدخلوا مرحلة جديدة من التعاطي السياسي مع حكم جمال عبد الناصر ومن بعده أنور السادات ثم الرئيس الحالي محمد حسني مبارك، حيث كانت العلاقة محل شد وجذب ومراوحة بين المهادنة حينا والمواجهات أحيانا أخري، ثم انتهت في عهد الرئيس الحالي محمد حسني مبارك إلي مشاركة برلمانية محتشمة، قرر الإخوان عدم الاكتفاء بها وتمسكوا بحقهم في العمل السياسي المدني وفقا للقانون المعمول به.
وباستثناء بعض الأخطاء الفردية التي تعترف بها الجماعة في بداية عهدها والتي دفعت ثمنا باهظا لها سجونا وتعذيبا واغتيالا، فإن السمت العام الذي عبرت عنه الجماعة في مستنداتها الفكرية وتجربتها الميدانية لا يشي باعتمادها للعنف خيارا، بل إنها كانت متميزة عن باقي الجماعات الاسلامية المسلحة فهما وممارسة للإسلام، وإن كان فهمها للدين قد منح السياسة بعدا قيميا ألحق كثيرا من مفاهيمها بمجال المقدس، وهو المأخذ الذي يخشاه خصومهم لجهة تديين السياسة وتقديسها، وإلحاق ما هو زمني تاريخي خاضع لمعطيات المكان والزمان بالغيبي المطلق.
ولعل ما زاد الصورة التباسا أن الدولة الإسلامية التي مثلت جوهر دعوة الإخوان لم تنشأ في أي عصر وفق منطق consensus الوفاقي، ولكن وفق منطق من اشتدت وطأته وجبت طاعته ، أي وفق منطق الغلبة، ويعد هذا وفق التحليل التاريخي المنهجي منقصة في طبيعة نشأة الحكم السياسي العربي، باعتبار أن الثورة والقهر هما القاعدتان الأساسيتان لقيام أية دولة، وذلك علي مر العصور، وهو ما يعطينا الحق في القول إن النظام العربي الحالي ليس بدعا من النظم من حيث الجوهر، وإنما المؤاخذة التي نسجلها عليه هي خروجه عن الروح الإسلامية العامة إذا ما تواضعنا علي موازاته بنشوء دولة الإسلام الأولي علي يد إمام المرسلين (ص)، وما طبعت به إيديولوجيا علي الشوري نصا وممارسة.
ومع أن الإخوان المسلمين في مصر قد غادروا مدارج الفرجة السياسية غير المكلفة حين نافسوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحازوا خمس مقاعده، إلا أن عقارب الساعة المصرية عادت مجددا إلي الوراء، وفي غفلة من دعوات الإصلاح السياسي المتهاوية، اعتقلت أجهزة الأمن العشرات من قيادات الجماعة واتهمتهم بمحاولة إحياء جناحهم العسكري، المعروف باسم التنظيم السري، والانقلاب علي النظام للسيطرة علي الحكم، علي خلفية ما أشاعته بعض وسائل الإعلام عن أن جناحا طلابيا تابعا للجماعة أقام استعراضا عسكريا في جامعة الأزهر، وأنشأت لهم محكمة عسكرية بحكم نظام الطوارئ لتصدر بحقهم أحكاما تراوحت بين ثلاث وعشر سنوات سجنا نافذا، وهي أحكام تأتي في ظل توتر علي الحدود مع غزة وفيما تنتهك إسرائيل المجال الغزوي كما لو أن مصر وإسرائيل متفقتان ضمنيا علي سحق مليون ونصف مليون من الجياع بقطع النظر عن ديانتهم وهويتهم السياسية فهم بشر في النهاية، حتي ان خالد مشعل حذر من أن الأسابيع والأشهر المقبلة قد تشهد أحداثا تخرج عن المألوف بعد أن سدت مصر منفذ أوكسجين غزة عن العالم، وهو ما جاء عاجلا بمقتل عدد من الجنود الإسرائيليين.
ولا يبدو أن هذا التطور السلبي في العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام الحكم في مصر، يؤشر إلي امكانية تكرار النموذج الجزائري في مصر، وإن كان واقع الفوضي في المنطقة يوحي بذلك، ليس لاختلاف الأطراف والزمان والمكان، ولكن لأنه لا وجود لأحد من الأطراف المعنية سواء في الداخل أو الخارج يمكنه أن يتحمل أعباء مواجهات دامية. ولقد أثر عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله: إذا دخلتم مصر فاتخذوا منها أجنادا كثيراً فإنهم خير أجناد الأرض، وهم في رباط إلي قيام الساعة ، أي أنهم سيدافعون عن هذا الدين إلي أن تقوم الساعة. ومع أن مصر قد دشنت التطبيع السياسي مع إسرائيل ودفعت ثمنا لذلك بأن تنازلت بمرارة عن قيادة العرب مقابل استرجاع أراضيها، وهو من حقها، إلا أن النظام المصري لم يكن حكيما بما فيه الكفاية، ولم يمتلك من القدرة الذاتية علي تطوير نفسه وتخطي العقبة الكأداء التي تجعل منه ندا للمشروع الديمقراطي الاسرائيلي. وكان بإمكان مصر أن تعود إلي ريادة العالم العربي حتي في إطار الصلح مع دولة إسرائيل، بل وكان بإمكانها أن تمهد للتعايش بين هذه الأخيرة والعالم العربي دون أن يرفضها الشارع العربي، لو أقدمت علي الإصلاح السياسي المفقود، والذي يتطلب ديمقراطية علي بلاطة ليس بعدها ولكن ولا قبلها فرض من الخارج، فشلت الولايات المتحدة في فرضها وسوف يفشل أي طرف في فرضها علي المصريين ما لم يدرك الحزب الوطني والإخوان ومعهم مبارك القادم أو مبارك المتقاعد وكل أجهزة الدولة أن لا مستقبل ولا استقرار في المنطقة بغير مصر، التي لا يمكن أن تستقر بدورها عبر استعمال أجهزة الدولة حتي لو كانت فرعونية أكثر من زمن الفراعنة من أجل إلغاء الإخوان والأحزاب الأخري.
وقد تابع البريطانيون الذين تربطهم علاقات جيدة بمصر هذه الأحكام، لا سيما وأن الاتحاد الأوروبي أصبح ينظر بحذر شديد إلي التدخل العسكري المفرط والذي قادته إدارة جورج بوش، وكان واضحا عدم الرضي علي استمرار التصعيد. وإذا كان البابا بنديكت الثاني (وهو الممثل الروحي لمليار من إخواننا الكاثوليك المسيحيين) أصبح مقتنعا بضرورة التحالف مع الإسلام المعتدل ضد المتشددين من الإسلاميين والعلمانيين شرقا وغربا. فما هو الوضع الذي يليق بالإخوان إذا لم يكن عبر العمل السياسي القانوني المنظم، وهم الطرف الحزبي المهيمن عدديا علي الأقل، والذي ستكون عملية شطبه من الساحة باهظة لا أظن أن مصر مستعدة لدفعها في ظروف اختفت فيها أكبر دولة بالمعني العسكري والبترولي وهي العراق؟ ولعله من المناسب تذكير الإخوة المصريين بالثور الأبيض وشقيقه الأسود.
وأين يمكن فهم دفع الإخوان إلي أقاصي الجبال، وكثير من المنصفين يعتبرون الإخوان كراسيات الجبال التي تمنع مصر من الميدان، ولو عبر التراضي قبل التوجه إلي صناديق الاقتراع، ولا أعني بالتراضي التحديد المسبق لعدد النواب لكل طرف، وإنما الذي عنيته كأن تكون وزارات السيادة تحت إشراف الحزب الحاكم في حين يتولي نواب الإخوان اقتسام باقي الوزارات مع الفائزين معهم في الدورة الانتخابية التشريعية؟ أم أن هذه مقدمات للقبضة الحديدية الشابة المقبلة؟ ألم يجد جمال مبارك من مقدمة لحكمه إلا عبر إقصاء الإخوان والزج بهم في السجون كما لو أنه يعيد التاريخ إلي المحطة الصفرية في أربعينيات القرن الماضي؟
ليس عسيرا علي المرء أن يتفهم من ظلوا في السلطة لأمد طويل وتجاهلوا مصالح طبقة الحكم ورجالات الدولة، إلا أن هذا التفهم لا يمنحهم الحق في الاستئثار بالحياة السياسية، إذ أن المنطق يفرض احترام كل رجل أعمال ناجح سواء أكان في الحزب الوطني أو خارجه، إلا أن ما نرفضه من موقع الغيرة والمحبة لمصر هو الاستئثار بالغنيمة والسلطة في نفس الآن، بل أكثر من هذا ان مشاركة الإخوان وكل الأحزاب المصرية الجادة لا يمكن إلا أن تساهم في استمرار الدولة ومنحها القدرة علي إدارة الشأن المصري السياسي والاجتماعي في زمن صعب، غير أن هذا لا يمكن أن يتأتي إلا عبر القرارات الصعبة، وأعني بها السماح لجميع الأطراف وأهمهم الإخوان بالمشاركة السياسية من غير مواربة ولا تخف. ولربما يكون ذلك هو مدخل جمال مبارك إلي حكم مصر وهو يمتطي جواد عمرو بن العاص، الذي كان يري في مصر قوة للمسلمين وعونا لهم، وأكثر الارض أموالا، فآخي بين مسلميها وأقباطها، حتي نطق كبار الأساقفة: ان الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم، لهي قرابة بعيدة، لا يصل مثلها الا الأنبياء ، وجعل من مصر بوابة لنشر الإسلام والعدل في باقي افريقيا.
ہ كاتب وإعلامي تونسي مقيم في بريطانيا
القدس العربي
23/04/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.