عاجل/ تقلبات جوية منتظرة وتحذير لمستعملي الطريق..    نقابة الصحفيين : 9 اعتداءات على صحفيين ومصورين صحفيين خلال أوت الماضي    قفصة: تسجيل رجّة أرضية بقوّة 3،2 في الساعات الأولى من صباح الإثنين    رصد طائرات مسيرة حلقت فوق إحدى سفن أسطول الصمود وطاقم السفينة يرفع مستوى الحذر    نفوق الأسماك بساحل سليمان: شهادات محلية وتوضيحات رسمية    الحماية المدنية : 408 تدخلات خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    تواصل ارتفاع أسعار السيارات الشعبية في تونس.. وهذه أحدث الأسعار حسب الماركات..    الدورة الاولى لصالون الابتكارات الفلاحية والتكنولوجيات المائية من 22 الى 25 اكتوبر المقبل بمعرض قابس الدولي    بريطانيا تُدرج دولة فلسطين على خرائطها لأوّل مرة..#خبر_عاجل    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين كيرك يجمع ترامب وماسك    "أمن المقاومة" يعدم 3 "عملاء" أمام حشد كبير في غزة    بطولة العالم لالعاب القوى: الأمريكي هوكر يستعيد مكانته بتحقيق ذهبية سباق 5000 متر    نشرة متابعة/ أمطار رعدية ومحليا غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    أحكام بين 10 و20 سنة سجنا في قضية تهريب مخدرات أطيح بأفرادها عبر "درون"    5 سنوات سجناً لشيخ حاول اغتصاب طفل بحديقة الباساج    6 سنوات سجنا لكهل استدرج طفل قاصر وطلب منه تصوير فيدوهات...    فيلم "السودان يا غالي" للمخرجة التونسية هند المدب يفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في اختتام مهرجان بغداد السينمائي    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    نقابة المكتبيين وموردي وموزعي الكتاب تنظم دورة تدريبية حول "أدوات ادارة المكتبات"    سفينة "عمر المختار" الليبية تبحر رسميا نحو غزة    مستوطنون يقتحمون الأقصى المبارك مجددا    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على خيتافي 3-0 ويستعيد الوصافة    القبض على مروّج مخدرات بحوزته كوكايين وزطلة ..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    هزة أرضية بقوة 4.8 درجة تضرب تركيا.. #خبر_عاجل    29 ساعة في السماء.. أطول رحلة جوية مباشرة في العالم..!    من برلين إلى لندن: الطيران الأوروبي في قبضة هجوم سيبراني    الاستاذ سفيان بلحاج محمد رئيسا جديدا للفرع الجهوي للمحامين بتونس    قابس...انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي    آفاقها واعدة .. السياحة البديلة سند للوجهة التونسية    حافلةُ الصينِ العظيمةُ    لأول مرة في تاريخها ...التلفزة التونسية تسعى إلى إنتاج 3 مسلسلات رمضانية    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    بطولة افريقيا لكرة اليد للصغريات (الدور النهائي): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 21-33    الملعب التونسي سنيم الموريتاني (2 0) انتصار هام ل«البقلاوة»    هل تعرف أيهما أخطر على الصحة... نقص الوزن أم زيادته؟    في اليوم عالمي للزهايمر: هذه توصيات وزارة الصحة    الشمال والوسط تحت الرعد: أمطار قوية تجي الليلة!    الحوت الميت خطر على صحتك – الهيئة الوطنية تحذر    عاجل: ثلاثية نظيفة للترجي على القوات المسلحة وتقدم كبير نحو الدور الثاني!    وزير البيئة في زيارة غير معلنة لمعاينة الوضع البيئي بالشريط الساحلي بسليمان    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    بطولة سان تروبيه الفرنسية للتحدي: التونسي معز الشرقي يحرز اللقب    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    قلة النوم تهدد قلبك.. تعرف شنو يصير لضغط الدم!    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق ويكيليكس، أين إسرائيل من المأدبة ؟:د. خالد الطراولي
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 12 - 2010

بعضهم سماها 11 سبتمبر الإعلامية، والبعض اعتبرها منعرجا خطيرا في الحركة الدبلوماسية بين الدول، آخرون رأوا فيها انتفاضة للحرية أمام الاستبداد والأبواب المغلقة، وهي بالتالي انتصار رهيب للإعلام الجديد أمام المتاريس والأجندات الخفية وتعاملات الكهوف والسراديب...ولكن...
لا يختلف اثنان بأن وثائق ويكيليكس قد مثلت مفاجئة في أول قراءة لها، حيث بدا للعموم أن للدبلوماسية سننها وثناياها وأن المخفي أكثر مما ظهر، وأن الكثير من المعلن يناقض صراحة كل ما حملته الحفلات واللقاءات تحت الأضواء المكشوفة.
اكتشفنا أن أحد الرؤساء العرب يهاب الطوابق الشاهقة والطيران فوق البحار! علمنا أن وزير دولة عربية طلب الاكتفاء بعدم قصف العدو لطائفته فقط أثناء العدوان وآخر فرح لاغتيال أحد القيادات العليا.. عرفنا أن إيران هي العدو الرئيسي عند بعض الحكام العرب وأن قطع رأس الأفعى ضرورة حياتية لهم قبل شعوبهم! عرفنا أن الرئيس الفرنسي حبذ مشاركة بلاده للأمريكيين في العراق، وأن الوزير الأول الإيطالي صديق جميم لبوتين ولعله حليف...، وأن وزير الخارجية الروسي يكذب..، وأن المستشارة الألمانية تهاب المخاطر...، وأن الفساد والرشوة هي القاعدة السائدة في أفغانستان، وأن وجود الرجل النزيه عملة نادرة...
أسئلة محيّرة
ولكن أين إسرائيل من هذه التعرية التي دخلت البيوت من أبوابها الصغيرة والكبيرة حتى عرفنا أن الرئيس الفرنسي الحالي عند استقباله للسفير الأمريكي انفلت كلبه الشخصي وأسرع يطارد أرنب ابنه الصغير، فأصبح المشهد ساخرا..رئيس الجمهورية يجري وراء الكلب الذي يجري وراء الأرنب الذي يجري هربا برأسه...مذكرات حفظها قلم السفير ووثقها للبيت الأبيض! هذه التفاصيل الذي غاصت في كل صغيرة وكبيرة حتى أنها قاربت المائتين وسبعين ألف وثيقة ولامست كل بلاد الدنيا، فأينما وجدت سفارة أمريكية وجدت وثائق واكتشافات، غير أن العجيب اختفاء إسرائيل من هذا الكم الهائل من المعلومات وكأنها بلد بسيط مرمي في الصحراء، أو أنه لا توجد به سفارة للعم سام لقلة الزاد، أو أن المكشوف والمستور تساويان فالديمقراطية الكاملة الجامعة قد مرت من هنا، أليست إسرائيل هي الواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ولعله في كل هذا العالم الغاطس حد الرقبة في الاستبداد!
سؤال محير! لماذا غابت إسرائيل عن هذه المأدبة التي دعي إليها الجميع كرها؟المصداقية المفروضة لموقع ويكيليكس تأخذ نصيبا من الشك المعقول وتطرح تساؤلات تبحث عن إجابات معقولة.أين مرت غزة وجحافل الموتى والجرحى، أيام وليال سوداء دخلت فيها الدبلوماسية والقتل والتشريد على الخط من كل المناطق وعبر الحدود، ما هي المواقف المستورة والمخفية لبعض الحكام وأصحاب القرار، لماذا تواصل كل هذا القصف وسكون الخارج تقابله ليال حمراء وصياح أطفال رضع...نعم لم نر إلى حد الآن تسريبا واحد على هذه الفترة السوداء من تاريخ العالم الذي سوف سيكتبها يوما بحبر أحمر من جمر.
أين مرت المفاوضات العديدة التي جمعت أطرافا عدة بداية من عقد التسعينات تخللتها انتفاضات وتقلبات وسقوط حكومات ودخول حركة حماس على الخط، أين مرّ استشهاد ياسر عرفات ومواقفه وأحواله في رام الله؟ لقد كانت وثائق السفير غائبة وقلمه السيال قد جف حين اقترب من هذه المواقع والمنازل!
أين صيف لبنان الحارق الذي كرس سطوة العنجهية والانفلات حيث دُكَّت بناه التحتية على مرمى ومسمع من الجميع، 1200 قتيل والعالم يعدّ القتلى والجرحى على ترانيم حزينة وفي غياب الموقف الحازم! محطة صعبة حملت الكثير من السفرات المكوكية والتنقلات ولا نظن أن المكشوف يساوى المحظور، فلماذا غاب المشهد كلية وغابت معه الوثائق والمكاشفات؟
ولكن.. لعل هذا الغياب لإسرائيل في هذه الوثائق يعود ببساطة وأساسا لمطابقة المخفي مع المعلن، فلماذا تخفي إسرائيل أقوالها وأفعالها فكل شيء تحت الأضواء وعلى المباشر، فممن الخوف والتورية؟ أمن نظام سياسي عربي مفقود وحكام غائبين يتقاسمون إرث الحكم وهم "جمهوريون" أو يدنسون انتخابات ويدعون خلو الصناديق من الثقوب؟ أم الخوف من صديق أمريكي أصبح يعيش انحدار امبراطوريته بخطى متسارعة ويبحث عن الملاذ قبل أن يكون ملاذا؟ أم من عالم أوروبي لا يجد له مكانا في معادلة الشرق الأوسط ويعيش أياما صعبة لإنقاذ حلم بدأ يتوارى؟ فلم الهلع والبحث عن مكاشفات، لعل ليس لها وجود أصلا، فالمعلن يطابق المستور بكل عنجهية وقوة، ولكن...
من هنا مرّ العراق...
خوفي من أن هذه التعرية المبرمجة تدخل في خطة تماثل خططا سابقة طرحت لتكوين رأي عام عالمي حول شأن معين. ولعل حجم التعرية وما لفته من اكتشافات دقيقة تمثل في الأغلب رأي الدبلوماسيين الأمريكيين فيما يجول حولهم من ممارسات وأحاديث، كل هذا يجعل من الشأن المطروح عالي المنزلة وضخم الخطورة، ولعله يمثل منعرجا استراتيجيا كبيرا من شأنه زعزعة المنازل والدرجات وقلب المعادلات وضرب المصالح!
خوفي أن هذه التسريبات تمثل الحلقة الأولى والضرورية لجمع دول العالم حول قرار لم يكسب حتى الآن شراكة الجميع وشرعيته الأممية ويعطي للولايات المتحدة وإسرائيل تأشيرة ضرب إيران تحت مسوّغ الخطر العالمي الزاحف، فإخراج ورقة تواطأ حكام الخليج ومساندتهم لضرب إيران، بل التشجيع والإسراع بهذا العمل، يجعل من هؤلاء في موقف صعب تجاه إيران والعالم، ويرمي بهم في أحضان الولايات المتحدة، حيث لم يعد لهم من صديق وحام، وحيث ظهرت إلى السطح إرادتهم ونواياهم التي لم تعد تخفى على الجانب الإيراني، فكل ما كان مستورا حقيقة أو خيالا والذي جعل الديبلوماسية أو النفاق السياسي يسيطر على الموقف ويحمي ماء الوجه ويؤخر قرارات لا تحبها الجماهير والشعوب على الضفتين، كل هذا قد أنهته التسريبات وسقطت ورقة التوت ورمت بالجميع على السطح وقد افترشوا الأرض والتحفوا السماء!
لقد كان البحث عن مسوغ لضرب العراق طويلا مبرمجا وعلى نطاق عال من التنظيم والتحظير، كان مسارا دقيقا دخلت فيه البرمجات والإعلام والفضائيات والبث المباشر والخطب الرنانة..، دخلت على الخط حكومات ورؤساء وهيئات واستعراضات، حديث جاد ومخيف عن الكيمياويات العراقية ومنشآتها العملاقة وعلمائها وترساناتها وصواريخ مهيئة لضرب أوروبا، وتجارة الإيرانيوم مع النيجر! وإذ كنا ناسين فلن ننسى الاستعراض المباشر في مجلس الأمن لوزير الخارجية الأمريكي السابق باول وهو يقلب بين يديه وأمام كاميرا العالم علبة كيمياوية قيل أنها وجدت في العراق...
كل هذا "العرس" العالمي والشطحات الدبلوماسية والتنقلات المكوكية مثل المسوّغ والمبرر لتهيئة الرأي العام العالمي لضرب العراق، وقد أفلح القوم ودُكَّت أرض العراق ولا تزال، ولم تخرج بعد من غيابات هذا القرار الجائر. واليوم ولعله كالبارحة، ولكن اللقمة أصبحت أكبر ولم تعد سائغة، وما كل مرة تسلم الجرة، فالرأي العام العالمي أصبح متوجسا من كل فعل أمريكي، والأزمة العالمية مرت من هنا ولا تزال تلوح بمزيد من الضحايا، وأمريكا أوباما ليست كأمريكا بوش، وإن أصبحت المساحات تضيق والاختلاف يتوارى، وإيران ليست العراق، وحزب الله رقم لا يجب تناسيه أو تهميشه، وأفغانستان لا تزال تعاني، وجيوش التحالف لم تخرج من المستنقع، والضحايا يتساقطون وجثامين العسكر تتلاحق على أرض المطارات والموانئ، وخزائن الدول لم تعد قادرة للاستجابة لهذا البئر بدون قاع، والشعوب الغربية أصبحت حائرة وخائفة على مستقبلها ومستقبل أبنائها. والجماهير العربية لعلها قد نهضت من غفوتها والمستقبل يحمل كثيرا من الشكوك والضباب. كل هذه الأبعاد وهذه الثنايا تجعل من الضربة الإيرانية محطة صعبة وخطرة وتتطلب كثيرا من "الإبداع الديبلوماسي" والدهاء السياسي ولعل تسريبات ايكيليكس تدخل من هذا الباب كورقة تهيئة وتحضير.
بعيدا عن نظرية المؤامرة ولكن...
لعل الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت على كل الأرصدة سواء ماكان تخفيه الأزمة الاقتصادية العالمية من تعقيدات وتحولات، أو ما يحمله الداخل الأوروبي من تداخلات وإفرازات على مستوى البنية الداخلية الأوروبية، ولكن هناك مفاجئة لعلها أنهت بريقها وأصبحت حقيقة لا مجازا بهذه التسريبات والمكاشفات وهو ضرب إيران على ترانيم غياب إسرائيل المحير في هذا الكم الهائل من الوثائق المعلنة.
نعم لا نريد أن نحبك حديثنا بعقلية المؤامرة، فالكل يتآمر علينا وينسج خيط فعله ونظره من هذا الباب، تاريخنا مؤامرة وحاضرنا مؤامرة ولعل مستقبلنا مؤمرة، نعم لا نريد الإصغاء لهذا الغلو الذي ينفي عنا كل فعل وإرادة وعزم، نعم لا نسعى إلى تبني هذه النظرية السهلة التي تزيدنا غفوة ونوما وشخيرا، وتمدد حكم الاستبداد والاستخفاف و"الاستحمار"، ولكن معطيات كثيرة وحقائق بدأنا نلمسها عن قرب أصبحت تشكل توجسنا وخوفنا من أن أجندات خفية ومعلنة تحاك دون علمنا، نعم لنا النصيب الأكبر في مصائبنا، نعم أيدينا مخضبة بأفعالنا السيئة، نعم حكاما ومحكومون نحمل سواسية أسباب عقمنا وسقوطنا ولكن.. للآخر نصيبه في نكبتنا وللآخر أجنداته ومصالحه ولآخر فعله ونظره، وإن كنا شاكين فلنشكو قلة وعينا بأجدندتنا إذا كانت لنا أجندة واستراتيجيا، وغيبوبتنا تجاه فقه أجندة الآخرين.
ديسمبر 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.