يثلج صدورنا لا ريب رفع الملام بين مصر وقطر، لكن الغصة لن تفارق حلوقنا إلا إذا عاد الوئام بين القاهرةودمشق. ذلك أنني أزعم أنه ما من عربي يخلص لوطنه الكبير، ويعتز به إلا وقابل بالترحاب زوال السحابات التي اعترضت طريق القاهرة/الدوحة. وما من عربي من هؤلاء إلا وتمنى اليوم قبل الغد وصل ما قطع بين القاهرةودمشق. واستشعر حزنا عميقا وحسرة إزاء ذلك الانقلاب المفجع في خرائط العلاقات التي سمحت بالوصال بين القاهرة وتل أبيب، وأدت إلى الانقطاع بين القاهرةودمشق. وهو ما سبق أن قلته أكثر من مرة في أكثر من مقام. ما دعاني للعودة إلى طرح الفكرة هو ذلك التطور الإيجابي الذي شهدته العلاقات المصرية القطرية، بعد زيارة الرئيس حسني مبارك للدوحة، أثناء جولته الأخيرة بمنطقة الخليج، وهو ما يسوغ لي أن أقول إننا دأبنا على وصف رحلات الرئيس إلى الخارج بأنها "ناجحة"، دون أن نعرف كيف ولماذا. لكننا تأكدنا من نجاح رحلته إلى الخليج بوجه أخص، حين قيل لنا إن عودة الصفاء مع قطر كانت من ثمارها. ربما يكون الموقف مع سوريا مختلفا، وهو ما أسلم به ولا أستبعده، لكنني أقول إنه ليس مطلوبا تماما الاتفاق في كل شيء. وإن العلاقات الإيجابية يمكن أن تتواصل في ظل استمرار الخلاف، وهو أمر مفهوم في العلاقات الدولية، علما بأن ما بين القاهرةودمشق من وجهة النظر الاستراتيجية أكبر وأقوى وأهم بكثير من أي علاقة بين دولتين شقيقتين أو جارتين، ذلك أن محور القاهرة-دمشق-الرياض ظل دائما إحدى الركائز المهمة للبنيان العربي، بقيامه يستقيم البنيان ويستقر، وبانكساره يتصدع البنيان ويصبح آيلا للسقوط. ليس هناك اتفاق حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى القطيعة بين القاهرةودمشق، لكن أزعم أن ثمة اتفاقا بين المخلصين من أبناء هذه الأمة على أن الشقاق لا ينبغي له أن يستمر، وأن استمراره بمثابة خسارة فادحة للجميع، للطرفين والأمة بأسرها، فضلا عن أنه يعد هدية مجانية ثمينة لكل الذين يعادون الأمة ويكيدون لها ويسعدهم تشرذمها وانفراط عقدها. سيقول قائل إن ثمة اختلافا في السياسات بين البلدين. وهذا صحيح، لكنني أزعم أن ثمة اختلافات أكبر بين سوريا وتركيا، اللتين كانتا على وشك الدخول في حرب يوما ما، ولكنهما تجاوزتا الخلافات (كان لمصر دورها في نزع فتيل الحرب)، وأصبحت علاقاتهما الآن أوثق مما كانت عليه في أي وقت مضى. رغم أن تركيا ما زالت عضوًا في حلف الأطلنطي، وعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل ما زالت قائمة، وإن تراجعت نسبيا منذ العدوان الإسرائيلي على غزة، والعدوان على قافلة الحرية. في الوقت ذاته، ثمة اختلافات في السياسات بين مصر وتركيا، يكاد يكون محصورا في الموضوع الفلسطيني، حيث ترى حكومة حزب العدالة والتنمية أن حركة حماس لها شرعيتها باعتبارها حائزة على الأغلبية في الانتخابات التشريعية، وأنها حركة مقاومة وطنية وليست إرهابية، في حين أن الموقف المصري ينطلق من رؤية مغايرة، أقرب إلى موقف قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. أقول رغم هذا الخلاف فالعلاقات إيجابية بصورة نسبية بين القاهرة وأنقرة، وإن كانت في المجال الاقتصادي أقوى منها في الجانب السياسي. ثمة اعتباران مهمان يستدعيان الوصل المنشود: الأول، إن تسوية القضية الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود، وأن الطموحات الإسرائيلية أصبحت تتقدم في الفراغ العربي ممارسة قدرًا مدهشًا من العربدة والاستعلاء، مستغلة في ذلك العجز العربي والضعف الأمريكي، الأمر الذي يعني أن ترميم الصف العربي أصبح فريضة ملحة، والحد الأدنى المطلوب للتصدي لتلك العربدة. الأمر الثاني أن مصر الكبيرة لا تستطيع أن تتحلل من مسئولياتها إزاء أشقائها. ومن ثم فإن مبادرتها إلى الوصل معهم تغدو سلوكا متوقعا ومرغوبا. وبتلك المبادرة فإنها لا تؤدي واجبا فحسب، وإنما هي بذلك تكبر أكثر وأكثر، خصوصا إذا استعلت بذلك فوق أى جراح أو مرارات. إذا قال قائل إن المشكلة ليست في علاقات البلدين، ولكنها في علاقات الرئيسين، فقد لا أختلف معه، خصوصا أن ثمة لغطا مثارا في هذا الجانب، ومع ذلك أقول إنه في مثل اللحظات المصيرية التي نمر بها فإن كفاءة القيادة وجدارتها تقاس بالقدرة على الارتفاع فوق ما هو شخصي، والانحياز إلى المصالح العليا التي هي صلب الموضوع. السبيل الإثنين, 06 كانون الأول 2010