تونس:خيم صباح اليوم هدوء حذر على مدينة سيدي بوزيدالتونسية 210 كلم جنوب غرب العاصمة، بعد مواجهات عنيفة بين المتظاهرين الغاضبين وقوات الأمن. اندلعت المواجهات بعد أن أقدم شاب عاطل عن العمل بالرغم من شهادته العليا، على إضرام النار في جسده أمام مقر الولاية يوم الجمعة، احتجاجا على مصادرة أعوان الأمن لعربة بيع الخضار التي يعتاش منها، بحجة عدم حصوله على ترخيص من السلطات. ووفقا لمحمود الغزلاني الكاتب العام للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في الولاية، فإن محمد البوعزيزي أقدم على محاولة الانتحار بعد أن اعتدى عليه أعوان الأمن وصادروا بضاعته، وعندما تقدم بشكوى لسلطات الولاية وجد الأبواب موصدة في وجهه، وعندها سكب البنزين على جسده وأضرم فيه النار.
البطالة بين الخريجين ويؤكد محمود الغزلاني في حديث لإذاعتنا أن مصير البوعزيزي لا يزال محاطا بتكتم شديد، بالرغم من انتشار إشاعات عن وفاته، وذلك لأن السلطات تخشى اندلاع العنف من جديد بعد الإعلان عن وفاته. إلا أن جميع الأنباء تؤكد أنه في حالة حرجة بسبب احتراق أجزاء كثيرة من جسده. كما يؤكد الغزلاني أن عدد الذين اعتقلوا على خلفية الاحتجاجات يقدر بأربعين معتقلا، معظمهم من الشباب العاطل عن العمل. وإن خفت حدة المواجهات اليوم الاثنين إلا أنها انتقلت من الاحتجاج العنيف إلى الاحتجاج السلمي، ووفقا للغزلاني فإن عددا كبيرا من الخريجين امتنعوا اليوم عن إجراء امتحان الكفاءة المهنية، كما شكلت لجان لمتابعة الأحداث مثل لجنة المواطنة، بالإضافة إلى لجنة متابعة يشرف عليها الاتحاد الجهوي للشغل. ووفقا للغزلاني يعتصم النقابيون بمقر الاتحاد الجهوي للشغل ويطالبون السلطات بالإفراج الفوري عن المعتقلين، ويؤكد الغزلاني أنه يمكن تهدئة الوضع إذا تفاوضت السلطات بشكل صحيح مع منسقي اللجان.
قطرة ويفيض الكأس ويرى كثير من المراقبين أن سبب اندلاع انتفاضات عنيفة من حين إلى آخر في مناطق الجنوبالتونسي يرجع إلى حرمان هذه المناطق من التنمية، التي عادة ما يتم تركيزها في المناطق الساحلية، وسبق أن شهدت مدن الحوض المنجمي اشتباكات عنيفة، كما شهدت مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا أعمال عنف غير مسبوقة بعد أن أقفلت الحدود الليبية التي يعتمد عليها الكثيرون من أهالي بن قردان. وها هي مدينة سيدي بوزيد تؤكد على وجود احتقان شديد يحتاج فقط إلى قطرة واحد ليفيض الكأس، على غرار ما فعل محمد البوعزيزي.
وفقا لمحمود الغزلاني لم يبق أمام شباب الجنوبالتونسي إلا النزوح إلى الشمال للحصول على عمل، أو الهجرة في قوارب الموت نحو أوروبا، ولكن هناك اكتظاظا شديدا في المناطق الساحلية وعادة لا يجد هؤلاء العمل الذي يرغبون فيه. وبالرغم من شهاداتهم الجامعية يضطرون للعمل في أي شغل يجدونه، أما ليبيا التي كانت تمتص عددا كبيرا من شباب الجنوبالتونسي فقد زادت فيها نسبة البطالة عما هي عليه في تونس.
تنمية غير عادلة أما الناشط الحقوقي التونسي إياد الدهماني فيقول لإذاعتنا من باريس: "هناك حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي في البلاد، وغياب لكل الأطر للحوار والتفاوض مع السلطة، مما يحول هذا الاحتقان في لحظة من اللحظات، وبفعل وجود حدث معين إلى انفجار الوضع، مثلما حدث في منطقة الحوض المنجمي، ومدينة الرديف تحديدا، أو مثلما حدث في بن قردان، أو مثلما حدث أيضا ولو بشكل ونسب متفاوتة في مدن أخرى مثل الصخيرة، أو بوسالم، أو جندوبة أو أريانة".
أما عن سبب التناقض بين معدلات النمو في تونس ومعدلات البطالة فيقول الدهماني: "هذه التنمية غير كافية لخفض نسبة البطالة، بمعنى أن نسبة التنمية التي يفتخر بها النظام، والتي يقول إنها وصلت إلى خمسة بالمائة على مدى عدة سنوات، لم تخفض نسبة البطالة في البلاد بشكل عام، لأنه عندما وصل الرئيس بن علي إلى السلطة سنة 1987 كانت نسبة البطالة 15 %، واليوم تصل هذه النسبة حسب الأرقام الرسمية إلى 14.6 %. كما أن ثمار هذا النمو لم توزع بشكل عادل، بالإضافة إلى وجود أزمة اجتماعية نتيجة لتوزيع الثروة في البلاد، حيث تواصل الفقر عند طبقات وفئات كبيرة من الشعب التونسي، وبروز ثروات هائلة لدى قطاع محدود، وعدد قليل من الفئات القريبة من الحكم، التي استغلت نفوذها لبناء هذه الثروات".
الحلول الأمنية لماذا تفضل الحكومة التونسية دائما التعامل مع هذه الأحداث من خلال القبضة الأمنية؟ يجيب الدهماني قائلا: "النظام التونسي نظام منغلق، ليس فيه فضاءات للحوار. وبنية النظام هي بنية استبدادية وبالتالي فهو مبني على أن التعامل الأمني كفيل بفرض الأمن في البلاد. وهذا التوجه يثبت اليوم عدم نجاعته على المستوى المتوسط أو البعيد الأمد، ولهذا تطالب قوى المعارضة بضرورة إجراء حوار وطني يشارك فيه الجميع، من أجل مراجعة هذه السياسات، ومن أجل تنمية اقتصادية واجتماعية تكفل التوازن الجهوي".
فيس بوك وبالرغم من التعتيم الشديد حول الأحداث التي شهدتها سيدي بوزيد إلا أن هذه الأحداث على عكس الأحداث الماضية، حظيت بنشر واسع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع الفيس بوك، الذي نشر الناشطون به ما يجري ساعة بساعة، وهو ما يؤكد أن السلطات فقد القدرة على مجاراة الناشطين. وخلال أقل من يومين سجل أكثر من 800 شخص أنفسهم ك "معجبين" بصفحة "يوميات الأحداث في سيدي بوزيد": http://www.facebook.com/album.php?profile=1&id=179238302095776
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تونس تعد من أكثر الدول ممارسة للرقابة على الإنترنت، وفقاً لتقارير دولية. وتتعرض الكثير من المواقع، خاصة الخبرية والحقوقية، إلى الحجب باستمرار. لكن رغم ذلك تمكن ناشطون تونسيون من إيجاد نافذة تمكنوا من خلالها من نشر أحداث مدينة سيدي بوزيد ساعة بساعة، مع صور ومقاطع فيديو وتعليقات صوتية من داخل الحدث. تقرير: عمر الكدي- إذاعة هولندا العالمية/