بداية من غرة جويلية القادم تطبيق العقوبات الخاصة بنظام الفوترة الالكترونية    سلامة مرورية : الاتفاق على تركيز رادارات آلية بالنقاط السوداء التابعة لولاية تونس    توقعات بصمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية    نتنياهو: '' شكرا للرئيس ترامب''    قبل الضربة الأمريكية.. نقل اليورانيوم عالي التخصيب من فوردو    كاس العالم للاندية - مبابي يغيب عن التدريبات مجددا وقد لا يشارك أمام باتشوكا    أوفيدو يعود إلى "الليغا" بعد 24 عاماً من الغياب    باكالوريا 2025: 104 مترشحًا فرديًا نجحوا.. و3.93٪ أعلى نسبة في شعبة الآداب    محرز الغنوشي: منشفتك وباراسولك.. والبحر ينادي!    انطلاق دورة المراقبة لامتحان البكالوريا...في هذا التاريخ    باكالوريا 2025: 104 مترشّحًا فرديًا ينجحون في الدورة الرئيسية وشعبة الآداب تتصدّر    إيران تستخدم صاروخ "خيبر" لأول مرة في ضرب إسرائيل    بلدية مدينة تونس: تواصل اشغال الصيانة بعديد المناطق التابعة لها    عاجل: ترامب يعلن ضرب 3 منشآت نووية إيرانية ويهدد بالمزيد    الرقبي 7 – كأس الأمم الإفريقية بموريشيوس 2025: فوز لتونس في الدور الثاني    القيروان: وفاة أب بعد سماعه خبر نجاح ابنته في الباكالوريا    ارتفاع طفيف في درجات الحرارة الأحد لتتراوح بين 29 و38 درجة    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    إيران: لا تلوث إشعاعي بعد القصف الأمريكي على منشآت نووية    كأس العالم للاندية.. فلومينينسي البرازيلي ينتصر على أولسان الكوري الجنوبي    ترامب يوجه خطابا للأمة والعالم بعد قصف منشآت إيران النووية    التلفزيون الإيراني: تم إخلاء المنشآت النووية الثلاث في نطنز وفوردو وأصفهان منذ فترة    بعد إطلاق سراحه من سجن أمريكي.. الناشط محمود خليل يتعهد باستئناف تأييده للفلسطينيين    وزارة الفلاحة تحذّر    شارع الفل ببن عروس.. خزنة توزيع الكهرباء خطر محدّق؟    منظمة الأطباء الشبان ترد على بيان وزارة الصحة: ''مطالبنا حقوق.. لا إنجازات''    قصور الساف .. «حكايات القهوة» بدار الثقافة البشير بن سلامة .. سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون .. صابر الرباعي في الافتتاح وغزّة حاضرة    صيحة فزع    رانيا التوكابري تتوّج بجائزة ''النجاح النسائي'' في مجلس الشيوخ الفرنسي    أنس جابر تغادر بطولة برلين في الزوجي والفردي    استخدام المروحة ''عكس المتوقع'': الطريقة الأذكى لتبريد المنزل في الصيف    حملة رقابية مشتركة بشاطئ غار الملح: رفع 37 مخالفة اقتصادية وصحية    كأس العالم للأندية 2025: برنامج مباريات السبت 21 جوان    الميناء التجاري بجرجيس مكسب مازال في حاجة للتطوير تجاريا و سياحيا    الدورة 56 لمهرجان الساف بالهوارية ستكون دورة اطلاق مشروع ادراج فن البيزرة بالهوارية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو (مدير المهرجان)    المنستير: انطلاق المسابقة الدولية في التصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء بعد تأجيلها بيوم بسبب الأحوال الجوية    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    المهدية : تنفيذ عمليات رقابية بالمؤسسات السياحية للنهوض بجودة خدماتها وتأطير مسؤوليها    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركات الاحتجاج الاجتماعي في العالم العربي

تثير حركة الاحتجاج الاجتماعي في مدن الجنوب التونسي العديد من الأسئلة حول حقيقة ومستقبل الإصلاح السياسي في العالم العربي، فقبل عامين تناقلت وسائل الأنباء أخبارا تتحدث عن وقوع وفيات في صفوف الشعب التونسي نتيجة الفقر، بل إن بعض الأنباء تحدثت عن تعرض بعض المناطق النائية إلى ما يشبه المجاعة التي أدت إلى وفاة أسر بأكملها. وتتابعت الأخبار تترى عن حدوث حالات نزوح
جماعي إلى الجزائر من مناطق الجنوب التونسي، وبدأ الحديث عن الفجوة الهائلة في التنمية بين المناطق الساحلية وبين المناطق الداخلية الجنوبية، فمناطق الشمالية تحظى بحصة الأسد من التمثيل في مؤسسات الدولة السياسية وفي مختلف القطاعات الاقتصادية ومن أبرزها السياحة.
الواضح انه لم يطرأ تغيير على السياسات الداخلية خلال العامين الماضيين، بل إن الاجراءات المتبعة أشارت إلى الاصرار على مقاومة أي اصلاحات ممكنة من جانب السلطات، بل فرضت الحكومة المزيد من القيود السياسية كان أبرزها تشديد الرقابة على وسائل الاتصال الحديثة، وقبل أسابيع قليلة من اندلاع أحداث العنف الاجتماعي في الجنوب قامت السلطات التونسية باعتقال معارضين من مناطق الجنوب، بتهمة محاولة إحياء حركة النهضة المعارضة.
أمام حالة الإحباط السياسي والاقتصادي أقدم شاب تونسي على الانتحار، محتجا على البطالة والاجراءات التي طالت مصادرة البضاعة التي كان يبيعها في الشارع العام، وهو الحادث الذي أشعل فتيل الاحتجاجات في الجنوب التونسي التي أخذت بالاتساع والانتقال من مدينة إلى أخرى.
هذه الصورة نموذجية للنمط السائد في العالم العربي، والذي نبه إليه كل من عمر حمزاوي ومارينا أوتاي في دراستهما حول فرص التعددية وحدودها في العالم العربي، أي إننا امام نمط سيتكرر على الارجح في العديد من الدول العربية، حيث ستتصاعد حركات الاحتجاج الاجتماعي في ظل غياب الاصلاح السياسي وضعف المشاركة الشعبية ومحدودية تأثيرها، وهو أمر بدأ يتلمس معالمه العديد من الخبراء والمختصين والاقتصاديين، ولعل ما نبه إليه الدكتور جواد العناني مؤخرا في محاضرة تناول فيها الميزانية العامة الأردنية يقع في هذا السياق العربي العام، فقد حذر العناني صراحة من تصاعد حركات الاحتجاج الاجتماعي في الأردن على خلفية الواقع الذي ستفرضه الميزانية العامة للدولة الأردنية والمرتبط بزيادة الاعباء على المواطن الأردني، فحالات الفوران الاجتماعي وتصاعد العنف داخل المجتمع ما هي الا أجراس تقرع للتنبيه إلى الخلل الكبير الذي بدأ يلقي بظلاله على العلاقة بين الحكومات المتتابعة والمواطن الأردني.
الحقيقة التي يجب التذكير بها بين الفينة والأخرى -في الأردن وفي العالم العربي عموما- أن الجدل حول الاصلاح لم يلامس الواقع العملي الذي يعيشه المواطن العربي؛ فهو إما حبر على ورق أو خطابات رنانة تدين الفساد وسوء توزيع الثروة وتشيد بأهمية التنمية السياسية والاقتصادية، وتفاخر بالكوتات النسائية التي تفوقت فيها تونس على سائر الدول العربية.
فالإصلاح يجب أن يحمل في طياته إعادة نظر واقعية ودقيقة للحالة الاقتصادية والاجتماعية، وليس ترفا فكريا أو سياسيا يعززه الثقة المفرطة بالأجهزة الأمنية، ذلك أن عبء تحقيق التنمية ومعالجة الفقر والبطالة وتآكل الموارد وشح المياه لا يقع على كاهل الأجهزة الأمنية في الدولة؛ فرجل الأمن ليس من المفترض أن يتحمل المسؤولية عن شح المياه وتفاقم البطالة كما أنه غير معني بإيجاد حلول لهذه المشاكل التنموية.
النظريات الأمنية:
لقد جاءت أحداث العنف والاحتجاج لتشكك بالنظريات الأمنية التي تعد تونس رائدة فيها، وعلى رأسها إستراتيجية تجفيف المنابع التي طالت المعارضة السياسية، والقبضة الحديدية والتعتيم الإعلامي، فمن المعلوم أن تونس من أكثر الدول ثقة واعتمادا على أجهزتها الأمنية، إلا أن الأمور بدأت بشكل واضح تخرج عن السيطرة، الأمر الذي زعزع الثقة بهذه الأداة كوسيلة للحفاظ على حالة السكون والجمود السياسي فاعتقال معارضين في الجنوب لم يمنع مواطني الجنوب من التظاهر والاحتجاج على أوضاعهم الاقتصادية المتردية، والسيطرة على حركة احتجاج هنا وهناك لن يمنع من اندلاعها في مكان آخر.
وتمثل اليمن نموذجا آخر على هذه الحالة حيث الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين، فأساس هذه الحركات الاحتجاجية اقتصادي، بل يرتبط اشد الارتباط بالموارد المائية ونضوب النفط في اليمن إلى جانب كونه يتعلق بسوء الإدارة ورداءة التمثيل السياسي الذي يتيح المجال لوضع إستراتيجية تنموية متوازنة.
الاحتجاج الاجتماعي والحدود الرخوة:
أصبح الاحتجاج الاجتماعي واقعا قائما تحاول الدول العربية التعايش معه في مصر وتونس واليمن والجزائر والمغرب، لكن يخشى أن يتطور في السنين القادمة ليتحول إلى حركات انفصالية أو أفكار شديدة التطرف؛ بحيث يصعب السيطرة عليها. فالحالة التي سادت في الثمانينيات من القرن الماضي كانت حالة مصغرة ومسيطر عليها إذا ما قيس بالحالة المتفجرة في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، خاصة أن ما سمي "ثورات الخبز" في الثمانينيات من القرن الماضي لم ترتبط بالزيادة السكانية ونضوب الموارد، وإنما بالمديونيات العالية، في حين امتازت العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين بزيادة سكانية هائلة متوقعة في العالم العربي، إلى جانب تضخم مخيف في أعداد سكان المدن التي ستنوء بأعباء كبيرة خلال السنوات العشر القادمة، فضلا عن نضوب الموارد الأساسية، وعلى رأسها المياه؛ الأمر الذي سيحول الحدود السياسية إلى حدود هشة غير متماسكة، ولنا أن نتخيل ارتفاع عدد سكان مدينة كعمان إلى ستة ملايين نسمة بحلول 2020 في ظل تراجع المخزونات المائية. وعلى الرغم من كون العامل المشترك بين الحالتين والمرحلتين الزمنيتين هو غياب الاصلاح السياسي وسوء الإدارة، الا أن تعمق الأزمات الاقتصادية والديمغرافية يفتح أبوابا جديدة للشكل الذي سيكون عليه الصراع السياسي والاجتماعي في العالم العربي خلال السنوات العشر القادمة.
لقد ظهر تأثير الزيادة السكانية وتأكل الموارد وسوء الإدارة بشكل واضح في تونس من خلال موجات اللجوء الجماعي إلى الجزائر. كما برزت الظاهرة في اليمن الأمر الذي دعا الحكومة السعودية إلى بناء جدر مكهربة ومشددة الرقابة لم تمنع من لجوء الآلاف أثناء حرب صعدة.
ويتحدث الخبراء والمراقبون عن المخاطر المتوقعة من تفجر الاوضاع في اليمن على الدول المجاورة وعلى رأسها السعودية وعمُان.
ويمكن أن نقيس على ذلك ما يحدث في السودان، وما يمكن أن يحدث في دول عربية أخرى تحمل نفس الصواعق المتفجرة التي أسهمت في انفجار العنف وتطوره إلى حركات انفصالية أو عنفية متشددة، فالمعالجة الامنية للملفات الاقتصادية والاجتماعية لا زالت الخيار الامثل لدى السلطات في العالم العربي، في ظل التضخم الهائل الذي شهدته هذه الاجهزة خلال السنوات العشر الاخيرة مقابل التراجع الكبير للمؤسسات التشريعية والتعليمية في العالم العربي.
إن ما حدث ويحدث في تونس والسودان واليمن ومصر مؤشر واضح على النمط الذي سيسود في العشرية الثانية من القرن العشرين، وهو أمر جدير أن يدفع نحو الاصلاح وتوسيع المشاركة الشعبية والقاعدة الجماهيرية للحكومات، من خلال اشراكها للجماهير العريضة في عملية صناعة القرار، وهذا يتطلب اعترافا حقيقيا بالمعارضة السياسية في العالم العربي والاعتراف بالتعددية، وعدم النظر اليها باعتبارها ترفا سياسيا أو حالة نخبوية محدودة وغير مؤثرة، فغياب المعارضة وعدم اشراكها في الحياة السياسية سيدفع باتجاه افراز قوى انفصالية أو انعزالية، وأخرى متطرفة تحول الدول العربية إلى قبائل متنافرة ومتناحرة، وهي إضافة جديدة إلى ما كان عليه الحال في الثمانينيات، حيث احتدم الصراع بين قوى الاحتجاج والسلطات الحاكمة فقط.
تثير حركة الاحتجاج الاجتماعي في مدن الجنوب التونسي العديد من الأسئلة حول حقيقة ومستقبل الإصلاح السياسي في العالم العربي، فقبل عامين تناقلت وسائل الأنباء أخبارا تتحدث عن وقوع وفيات في صفوف الشعب التونسي نتيجة الفقر، بل إن بعض الأنباء تحدثت عن تعرض بعض المناطق النائية إلى ما يشبه المجاعة التي أدت إلى وفاة أسر بأكملها. وتتابعت الأخبار تترى عن حدوث حالات نزوح جماعي إلى الجزائر من مناطق الجنوب التونسي، وبدأ الحديث عن الفجوة الهائلة في التنمية بين المناطق الساحلية وبين المناطق الداخلية الجنوبية، فمناطق الشمالية تحظى بحصة الأسد من التمثيل في مؤسسات الدولة السياسية وفي مختلف القطاعات الاقتصادية ومن أبرزها السياحة.
الواضح انه لم يطرأ تغيير على السياسات الداخلية خلال العامين الماضيين، بل إن الاجراءات المتبعة أشارت إلى الاصرار على مقاومة أي اصلاحات ممكنة من جانب السلطات، بل فرضت الحكومة المزيد من القيود السياسية كان أبرزها تشديد الرقابة على وسائل الاتصال الحديثة، وقبل أسابيع قليلة من اندلاع أحداث العنف الاجتماعي في الجنوب قامت السلطات التونسية باعتقال معارضين من مناطق الجنوب، بتهمة محاولة إحياء حركة النهضة المعارضة.
أمام حالة الإحباط السياسي والاقتصادي أقدم شاب تونسي على الانتحار، محتجا على البطالة والاجراءات التي طالت مصادرة البضاعة التي كان يبيعها في الشارع العام، وهو الحادث الذي أشعل فتيل الاحتجاجات في الجنوب التونسي التي أخذت بالاتساع والانتقال من مدينة إلى أخرى.
هذه الصورة نموذجية للنمط السائد في العالم العربي، والذي نبه إليه كل من عمر حمزاوي ومارينا أوتاي في دراستهما حول فرص التعددية وحدودها في العالم العربي، أي إننا امام نمط سيتكرر على الارجح في العديد من الدول العربية، حيث ستتصاعد حركات الاحتجاج الاجتماعي في ظل غياب الاصلاح السياسي وضعف المشاركة الشعبية ومحدودية تأثيرها، وهو أمر بدأ يتلمس معالمه العديد من الخبراء والمختصين والاقتصاديين، ولعل ما نبه إليه الدكتور جواد العناني مؤخرا في محاضرة تناول فيها الميزانية العامة الأردنية يقع في هذا السياق العربي العام، فقد حذر العناني صراحة من تصاعد حركات الاحتجاج الاجتماعي في الأردن على خلفية الواقع الذي ستفرضه الميزانية العامة للدولة الأردنية والمرتبط بزيادة الاعباء على المواطن الأردني، فحالات الفوران الاجتماعي وتصاعد العنف داخل المجتمع ما هي الا أجراس تقرع للتنبيه إلى الخلل الكبير الذي بدأ يلقي بظلاله على العلاقة بين الحكومات المتتابعة والمواطن الأردني.
الحقيقة التي يجب التذكير بها بين الفينة والأخرى -في الأردن وفي العالم العربي عموما- أن الجدل حول الاصلاح لم يلامس الواقع العملي الذي يعيشه المواطن العربي؛ فهو إما حبر على ورق أو خطابات رنانة تدين الفساد وسوء توزيع الثروة وتشيد بأهمية التنمية السياسية والاقتصادية، وتفاخر بالكوتات النسائية التي تفوقت فيها تونس على سائر الدول العربية.
فالإصلاح يجب أن يحمل في طياته إعادة نظر واقعية ودقيقة للحالة الاقتصادية والاجتماعية، وليس ترفا فكريا أو سياسيا يعززه الثقة المفرطة بالأجهزة الأمنية، ذلك أن عبء تحقيق التنمية ومعالجة الفقر والبطالة وتآكل الموارد وشح المياه لا يقع على كاهل الأجهزة الأمنية في الدولة؛ فرجل الأمن ليس من المفترض أن يتحمل المسؤولية عن شح المياه وتفاقم البطالة كما أنه غير معني بإيجاد حلول لهذه المشاكل التنموية.
النظريات الأمنية:
لقد جاءت أحداث العنف والاحتجاج لتشكك بالنظريات الأمنية التي تعد تونس رائدة فيها، وعلى رأسها إستراتيجية تجفيف المنابع التي طالت المعارضة السياسية، والقبضة الحديدية والتعتيم الإعلامي، فمن المعلوم أن تونس من أكثر الدول ثقة واعتمادا على أجهزتها الأمنية، إلا أن الأمور بدأت بشكل واضح تخرج عن السيطرة، الأمر الذي زعزع الثقة بهذه الأداة كوسيلة للحفاظ على حالة السكون والجمود السياسي فاعتقال معارضين في الجنوب لم يمنع مواطني الجنوب من التظاهر والاحتجاج على أوضاعهم الاقتصادية المتردية، والسيطرة على حركة احتجاج هنا وهناك لن يمنع من اندلاعها في مكان آخر.
وتمثل اليمن نموذجا آخر على هذه الحالة حيث الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين، فأساس هذه الحركات الاحتجاجية اقتصادي، بل يرتبط اشد الارتباط بالموارد المائية ونضوب النفط في اليمن إلى جانب كونه يتعلق بسوء الإدارة ورداءة التمثيل السياسي الذي يتيح المجال لوضع إستراتيجية تنموية متوازنة.
الاحتجاج الاجتماعي والحدود الرخوة:
أصبح الاحتجاج الاجتماعي واقعا قائما تحاول الدول العربية التعايش معه في مصر وتونس واليمن والجزائر والمغرب، لكن يخشى أن يتطور في السنين القادمة ليتحول إلى حركات انفصالية أو أفكار شديدة التطرف؛ بحيث يصعب السيطرة عليها. فالحالة التي سادت في الثمانينيات من القرن الماضي كانت حالة مصغرة ومسيطر عليها إذا ما قيس بالحالة المتفجرة في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، خاصة أن ما سمي "ثورات الخبز" في الثمانينيات من القرن الماضي لم ترتبط بالزيادة السكانية ونضوب الموارد، وإنما بالمديونيات العالية، في حين امتازت العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين بزيادة سكانية هائلة متوقعة في العالم العربي، إلى جانب تضخم مخيف في أعداد سكان المدن التي ستنوء بأعباء كبيرة خلال السنوات العشر القادمة، فضلا عن نضوب الموارد الأساسية، وعلى رأسها المياه؛ الأمر الذي سيحول الحدود السياسية إلى حدود هشة غير متماسكة، ولنا أن نتخيل ارتفاع عدد سكان مدينة كعمان إلى ستة ملايين نسمة بحلول 2020 في ظل تراجع المخزونات المائية. وعلى الرغم من كون العامل المشترك بين الحالتين والمرحلتين الزمنيتين هو غياب الاصلاح السياسي وسوء الإدارة، الا أن تعمق الأزمات الاقتصادية والديمغرافية يفتح أبوابا جديدة للشكل الذي سيكون عليه الصراع السياسي والاجتماعي في العالم العربي خلال السنوات العشر القادمة.
لقد ظهر تأثير الزيادة السكانية وتأكل الموارد وسوء الإدارة بشكل واضح في تونس من خلال موجات اللجوء الجماعي إلى الجزائر. كما برزت الظاهرة في اليمن الأمر الذي دعا الحكومة السعودية إلى بناء جدر مكهربة ومشددة الرقابة لم تمنع من لجوء الآلاف أثناء حرب صعدة.
ويتحدث الخبراء والمراقبون عن المخاطر المتوقعة من تفجر الاوضاع في اليمن على الدول المجاورة وعلى رأسها السعودية وعمُان.
ويمكن أن نقيس على ذلك ما يحدث في السودان، وما يمكن أن يحدث في دول عربية أخرى تحمل نفس الصواعق المتفجرة التي أسهمت في انفجار العنف وتطوره إلى حركات انفصالية أو عنفية متشددة، فالمعالجة الامنية للملفات الاقتصادية والاجتماعية لا زالت الخيار الامثل لدى السلطات في العالم العربي، في ظل التضخم الهائل الذي شهدته هذه الاجهزة خلال السنوات العشر الاخيرة مقابل التراجع الكبير للمؤسسات التشريعية والتعليمية في العالم العربي.
إن ما حدث ويحدث في تونس والسودان واليمن ومصر مؤشر واضح على النمط الذي سيسود في العشرية الثانية من القرن العشرين، وهو أمر جدير أن يدفع نحو الاصلاح وتوسيع المشاركة الشعبية والقاعدة الجماهيرية للحكومات، من خلال اشراكها للجماهير العريضة في عملية صناعة القرار، وهذا يتطلب اعترافا حقيقيا بالمعارضة السياسية في العالم العربي والاعتراف بالتعددية، وعدم النظر اليها باعتبارها ترفا سياسيا أو حالة نخبوية محدودة وغير مؤثرة، فغياب المعارضة وعدم اشراكها في الحياة السياسية سيدفع باتجاه افراز قوى انفصالية أو انعزالية، وأخرى متطرفة تحول الدول العربية إلى قبائل متنافرة ومتناحرة، وهي إضافة جديدة إلى ما كان عليه الحال في الثمانينيات، حيث احتدم الصراع بين قوى الاحتجاج والسلطات الحاكمة فقط.
السبيل الاردنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.