تونس: أنا اليوم أحكي معك، باسمي وباسم الشعب. الكل عايش في العذاب". بهذا المقطع يبدأ 'الجنرال‘ أغنيته الجديدة مخاطبا الرئيس زين العابدين بن علي يحلل فيها أسباب الغضب الشعبي الذي يعم أرجاء تونس منذ أسابيع. "رئيس البلاد، قلت لي: احكي من غير خوف، أنا الآن حكيت وأعلم أن نهايتي 'الكفوف‘ (الصفعات)". مقطع آخر من الأغنية يتنبأ فيه 'الجنرال‘ بمآله. وهذا ما كان، إذ أعلن موقع راديو كلمة وناشطون على الصفحة الاجتماعية فيسبوك، أن حمادة بن عون، الاسم الحقيقي ل 'الجنرال‘ قد ألقي عليه القبض يوم الخميس في مدينة صفاقس واقتيد إلى مكان مجهول. 'الراب‘ للمعارضة أصبحت موسيقى الراب من وسائل التعبير عن معارضة السياسة العامة في تونس، إلا أن السلطات تتعقب ممارسي هذا النوع من الغناء، تمنعهم من التواصل مع جمهورهم كما حدث منذ حوالي شهرين حينما منعت فنانا تونسيا يقيم في إسبانيا من إقامة حفل له في تونس، أو تسلط عليهم رقابة لصيقة مثل ما وقع للفنان المشهور المعروف باسم 'بسيكو إم‘ (Psyco M) ثم الاعتقال كما حدث ل 'الجنرال‘. ويرى الصحفي التونسي المستقل سمير الجراي من راديو6 الذي يبث عبر شبكة الإنترنت أن موسيقى الراب "تحرج" السلطات كثيرا: "بن عون المعروف في تونس بالجنرال يغني للشباب، يغني لهموم الشعب. ولأن نوعية الغناء الذي يقدمه تتناول بالنقد الرئيس بن علي شخصيا وسياسة الحكومة عامة، فإن هذه الكلمات تحرج السلطة كثيرا، فتعاملت كعادتها معها بأسلوب "الهرسلة" (الترهيب) والاعتقال". اعتقل 'الجنرال‘ على يد الشرطة التونسية يوم الخميس 6 يناير الجاري بعد أن داهمت بيت أسرته في مدينة صفاقس حيث يقيم، كما اقتحمت بيت عم المغني الشاب وصادرت بعض مقتنياته الخاصة منها حاسوبه الشخصي. ويشير الصحفي سمير الجراي إلى أن أسرة المعتقل حاولت الاستفسار من السلطات المعنية عن مصيره، لكن دون جدوى. "حسب علمنا حاولت عائلة المغني الاتصال بالجهات المسؤولة لمعرفة مكان اعتقاله والتهم الموجهة إليه، ولكن إلى حد الآن لم تلق أي رد من السلطات المعنية". خوف كلمات الأغنية مكتوبة بلهجة تونسية مؤثرة تعبر عما آلت إليه الأوضاع في تونس، وتصف أجواء الاحتقان والخوف من الجهر بما يدور بين صدور التونسيين الغاضبين. يحكي حمادة بن عون لرئيس بلاده كيف تُلفق التهم للمواطن العادي "ما دام لا أحد يتجرأ على قول كلمة: لا"، ويخاطب الرئيس مباشرة: "هل ترضى ذلك لابنتك؟ أنا أعرف أن كلامي يبكي العين. عارف ما دمت أنت أب لا ترضى الشر 'لصغارك‘ (أبنائك)". ثم يتوجه إليه كما يتوجه الابن لأبيه: "هذه رسالة اعتبرها من أحد أبنائك، يتكلم معك". والرسالة المقصودة هي التي تحمل معاناة المواطنين التونسيين ودفعتهم للتعبير عنها بالتظاهر في الشوارع. يبدأ شريط الأغنية المصورة بإظهار صورة للرئيس التونسي يزور مدرسة ابتدائية، يتقرب من تلميذ تحجرت الكلمات في حلقه ولم يقو على الكلام، والرئيس يسأل الطفل الذي ضاعت قسمات وجهه عن السبب. إنه الخوف، كما جاء في الأغنية. الخوف مصحوبا بالحرمان وحياة العوز والفاقة بالنسبة لجزء من الشعب التونسي بحسب كلمات الأغنية: " نعيش كالكلاب، نصف الشعب يعيش في الذل ويذوق من كأس العذاب. رئيس البلاد، شعبك مات والناس تقتات الآن من النفايات". تكميم الأفواه ما تزال أرجاء مختلفة من تونس تعيش تحت أجواء توترات اجتماعية لا تريد أن تخمد رغم تغيير بعض الوزراء وإقالة مسؤولين رفيعي المستوى مثل والي سيدي بوزيد (جنوب). وتظهر شرائط مصورة مسربة عبر 'الفيسبوك‘ ويوتوب تحرك آليات عسكرية نحو مدينة تالة (شرق) وخروج سيارات الشرطة منها، وتؤكد التعليقات أن الحكومة عازمة على استخدام الجيش لمواجهة المتظاهرين. إلا أن هذه الأخبار لم تتأكد صحتها من مصادر مستقلة. تقرير: محمد أمزيان - إذاعة هولندا العالمية/ "