الحركات الجماهيرية التي عرفت توسعا و انتقلت عدواها إلى مختلف الدول العربية كشفت مساوئ الأنظمة العربية و فساد حكامها و عرّت حقيقتهم المزيفة ، حيث برهن المتظاهرون أنهم ليسوا مجرمون أو قطاع طرق و أن احتجاجاتهم لم تكن عملية "صعلكة" clochardisation بل ثورة أفرزت الكثير من الخصائص التي تميز الوعي الجامعي لوضع حد للتناقضات و الفساد فالظروف الاجتماعية التي يعيشها المجتمع العربي و تطور المجتمع الاقتصادي و السياسي دفع بالجماهير إلى التحرك لنفض الغبار عن مجتمع رقد طويلا و آخر يتثاءب، كانت البداية مظاهرة شباب يحملون اللافتات لتتحول الأمور إلى مطلب سياسي ، تحولت فيها الاحتجاجات إلى انتفاضة ثم إلى ثورة اشتعلت شرارة نيرانها و ربما للمرة ألأولى يتفق فيها العرب على إعلان كفرهم بالنظام و يتخطون مستنقع العبودية و البحث عن حق مفقود، و شيء طبيعي أن تنتقل هذه العدوى لأن الجميع أيقن أنه لابد من التغيير الجذري و الشامل.. فالحركات الجماهيرية التي عرفت توسعا و انتقلت عدواها إلى مختلف الدول العربية كشفت مساوئ أنظمتها السياسية و فساد حكامها و عرّت حقيقتهم المزيفة ، حيث برهن المتظاهرون أنهم ليسوا مجرمون أو قطاع طرق و أن احتجاجاتهم لم تكن عملية "صعلكة" clochardisation بل ثورة أفرزت الكثير من الخصائص التي تميز الوعي الجماعي لوضع حد للتناقضات و الفساد، ليس على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي فحسب ( غلاء المعيشة و أزمة السكن والبطالة) بل حتى على المستوى السياسي، و يمكن أن نأخذ الجزائر ك: "نموذجا" التي أعطت درسا كبيرا للدول العربية في تنظيم الحركات الاحتجاجية و الانتفاضات و الانقلابات.. كانت الجزائر منذ ما قبل "التعددية" مدرسة رائدة في ثقافة الانقلاب و المطالبة بالحقوق و برهنت في كثير من مراحلها على مدى انفصال النظام عن الشعب ، و استطاعت بحركاتها الاحتجاجية ( الربيع الأمازيغي، أحداث أكتوبر 88 ، أو كما سمي بأسبوع الإجهاض ، و سنوات الدم أو العشرية السوداء..) و لم تكن هذه الأحداث في الجزائر بالجديدة، بل امتدت جذورها إلى ما قبل الاستقلال و خير مثال مسلسل التصفيات الجسدية و الانقلاب من أجل الحكم و الوصول إلى السلطة، و لا أحد يجهل المراحل التي مرت بها الجزائر في تلك الفترة.. اليوم فقط سقطت أقنعة الأنظمة العربية الدكتاتورية الجائرة كقشور يابسة، و كشف الحكام عن عوراتهم..، اليوم فقط أدرك العرب أن انتزاع الحقوق و حل المشكلات لا يأتي إلا ب: "العنف" و ممارسة ثقافة التخريب و الحرق..، اليوم فقط أدرت الشعوب أن أنظمة الرعب لا تقاوم إلا بالرعب..، و اليوم فقط استطاعت فيه الشعوب العربية أن تخلق لها - لغة مطلبية - ذات قوة تعبيرية هائلة، تقوم على ثلاث إشكالات ( الحُكم ، الحاكِم و المَحْكُوم) التي كانت تشكل لغزا في لعبة "شطرنج" ( الحُكْمُ المفقود، المحكومُ المُقَيَّدُ و يتوسطهما الحاكم المتسلط ).