img height="100" width="120" alt="صورةقبل ثورة الياسمين في تونس، وثورة اللوتس في مصر كان معظم الناس ينظر إلى جيل الانترنت باعتباره جيلا مغتربا عن واقعه، ويعيش في العالم الافتراضي أكثر من العالم الحقيقي، وهذا ما أكدته سيدة مصرية في ميدان التحرير عندما قالت "كنت فاكرة أنهم جيل بايز بس دالوقتي مستعدة أبوس رجليهم". ويبدو أن هذا رأي أجهزة الأمن العربية، التي كانت تعتقل الإسلاميين الشباب، " title="صورةقبل ثورة الياسمين في تونس، وثورة اللوتس في مصر كان معظم الناس ينظر إلى جيل الانترنت باعتباره جيلا مغتربا عن واقعه، ويعيش في العالم الافتراضي أكثر من العالم الحقيقي، وهذا ما أكدته سيدة مصرية في ميدان التحرير عندما قالت "كنت فاكرة أنهم جيل بايز بس دالوقتي مستعدة أبوس رجليهم". ويبدو أن هذا رأي أجهزة الأمن العربية، التي كانت تعتقل الإسلاميين الشباب، " class="align-left" src="/images/iupload/internet__arabi.jpg" /قبل ثورة الياسمين في تونس، وثورة اللوتس في مصر كان معظم الناس ينظر إلى جيل الانترنت باعتباره جيلا مغتربا عن واقعه، ويعيش في العالم الافتراضي أكثر من العالم الحقيقي، وهذا ما أكدته سيدة مصرية في ميدان التحرير عندما قالت "كنت فاكرة أنهم جيل بايز بس دالوقتي مستعدة أبوس رجليهم". ويبدو أن هذا رأي أجهزة الأمن العربية، التي كانت تعتقل الإسلاميين الشباب، وتركت جيل الانترنت مستغرقا في هجرته إلى العالم الافتراضي، ويبدو أن المفاجأة أربكتها عندما نجح هؤلاء الشباب في إخراج كل هذه الملايين إلى الشوارع، في حين عجزت كل الأحزاب مجتمعة في تحقيق عشر هذا النجاح. ما هي ملامح هذا الجيل ومن أين أتى؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامه، بعد انتقاله من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي؟
القطيعة مع الأيديولوجيات السابقة
يقول المحلل الاستراتيجي الأردني جمال الطاهات، إن هؤلاء الشباب ينحدرون من الطبقة الوسطى بالمفهوم الاقتصادي البحث، التي لديها القدرة على اقتناء أجهزة كومبيوتر، والحصول على خدمة الانترنت، أما الطبقة الوسطى التاريخية، التي نشأت بعد ثورة 1919، واستمرت طوال عهد الرئيس عبد الناصر، فقد دمرت بالكامل في زمن السادات ومبارك، ولكنهم لا ينتمون للطبقة الوسطى التي تشكلت في ظل الأنظمة العربية الحالية، والتي سعت السلطة إلى تخويفها من أي تغيير، لإدامة ولائها لهذه السلطة، ويضيف الطاهات قائلا: "هذا جيل جديد أتيح له الاتصال بالعالم عبر وسائط اتصال جديدة فخلقت أمامه أفقا حقيقيا، ليبلور رؤياه لحياته ومستقبله وهويته بشكل واضح، ولنتذكر أن ثورات أوروبا الحاسمة بدأت بعد الطباعة، وعدد من الثورات الأخرى بدأت بعد ظهور الصحافة في الغرب، أما الثورة الإيرانية فارتبطت بأشرطة الكاسيت، وبالتالي فوسائل الاتصال دائما تمكن قوى اجتماعية من أن تتبلور، وتتحول من قوى هامشية إلى قوى فاعلة تستطيع أن تتصدر مركز الحراك الفكر والسياسي في المجتمع". كما يعتقد الطاهات أن هذا الجيل لم يرث إيديولوجيات سابقة، بل أنه يشكل مرآة ومصفاة لمعظم الأطروحات الأيديولوجية، ولكن لا تستغرقه أيديولوجية من الأيديولوجيات المعروفة في العالم العربي، وحتى إذا كان متأثرا بروح إسلامية إلا أنه ليس إسلاميا، وإذا كان متأثرا بروح قومية إلا أنه لا يحمل الأيديولوجية القومية كما طرحت في الستينات من القرن الماضي، ويمكن تلخيص أهم رؤاه الفكرية في مطالبته بالحرية، وبمعايير عقلانية في العلاقة بين المجتمعات ومؤسسات الدولة، وبقواعد واضحة تنظم العلاقة بين السلطة وهذه المجتمعات، وضمان توزيع عادل لثروات المجتمع وإمكانياته على أفراده.
الاستفادة من نظرة الاستعلاء
كما يرى الطاهات أن هذا الجيل أثبت أن الهوامش في لحظة ضعف قوى المعارضة، وفي لحظة ضعف الأنظمة الحاكمة، وانشغالها بفسادها واستبدادها، فإنه يأتي من الهوامش ليحتل المركز والمتون، كما يرى الطاهات أن المتون تصوغ صفقات، أما الهوامش فهي من يصنع الثورات، مذكرا بأن هناك تشابه كبير بين هذا الجيل، وجيل الطلاب الذي صنع ثورة 1968 في أوروبا، والذي هز بقوة القارة العجوز فتساقطت أوراق خريفها، وعاد إليها الشباب من جديد، مؤكدا أن هذا الجيل استفاد من نظرة التتفيه التي كان ينظر بها إليه النظام الحاكم، وأيضا استفاد من استعلاء الأيديولوجيين عليه، وهي نفس النظرة التي كان ينظر بها إلى جيل الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى، والجيل الذي بنى الدولة الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية، وعادة يمكن للسلطات أن تسيطر على القوى المركزية التي تتحدى سلطتها، ولكنها دائما ترتكب نفس الغلطة التاريخية عندما تهمل الهوامش، الذي تتعامل معه باعتباره مستودعا تلقي فيه بكل من لا تريده في المجتمع، وهذا ما حدث في الواقع فالذي فجر الثورة التونسية بائع خضروات على عربة في الريف التونسي. ويضيف الطاهات قائلا "الذي ساعد في نجاح الشباب بالإضافة إلى وسائط الاتصال الحديثة، هو إفلاس الأنظمة العربية وتفسخها، فقد وصلت إلى مرحلة عجزها الكامل، كما أنها رفضت أي تسوية مع القوى المركزية المعارضة لها، فعمليا ووفقا للطاهات فقد أقدمت الأنظمة العربية على الانتحار بغرورها، وبسلطتها المطلقة وفسادها، وآن لها أن تدفع كل الاستحقاقات".
رفض الهجرة إلى الماضي
كما يؤكد الطاهات أن هذا الجيل رفض الهجرة إلى الماضي، على غرار الأصوليين الإسلاميين، ورفض الهجرة في قوارب الموت إلى شواطئ أوروبا، بل قرروا الصمود في أوطانهم، وأن ينهوا حالة الإذلال التي تعاني منها جميع الشعوب العربية، كما يتساءل الطاهات هل سينهي هذا الجيل ظاهرة الإرهاب، وميل الشباب العربي إلى العنف ؟ ويجيب قائلا: "هذا يتوقف على فرص النصر، ومنوط أيضا بكيفية تعامل العالم مع تضحيات هذا الجيل، ومع كبرياءه وكرامته وإصراره على التصدي للإذلال، هل سيتعامل معهم العالم باعتبارهم كتلا هامشية يمكن التخلص منها؟ وبالتالي فسيعيدون المنطقة إلى الظلام، والإحساس بالهزيمة وغياب العدالة والعقلانية، أم أن العالم سينحاز إلى خيار هؤلاء؟ إذا نجح هؤلاء الشباب من خلال التغيير السلمي، فإننا سنودع بشكل حاسم مرحلة الإرهاب، وعلى العكس ستنتج هذه المجتمعات المزيد من الشعراء، والموسيقيين، والمزيد من الكتاب والساسة والمفكرين". التحذير من موجة إرهابية
وما يميز هؤلاء الشباب في تقدير الطاهات، هو أنهم لا يطمعون في الغنائم، ولا يطرحون أنفسهم بديلا للنظام القائم، أو أن يرثوه، بل هم يطالبون بشكل واضح تعديل ديناميكيات الحكم، والقواعد المنظمة لممارسة السلطة، ولكن الطاهات يحذر من أن يهزم هذا الجيل، بالاحتيال على ثورته وسرقة مضامينها، فإن العالم أجمع سيدفع ثمن هذه الهزيمة، وأن النتيجة ستكون ظهور موجة إرهابية غير مسبوقة، ويذكر بأن جيل 1968 في أوروبا هو من أفرز موجة الإرهاب التي هيمنت على المشهد الأوروبي طوال السبعينات، والمتمثلة في أنشطة الألوية الحمراء، الجيش الأحمر الألماني، ومنظمة بادرماينهوف، بالرغم من نجاح ثورة 1968 في تحقيق أهدافها، ويبدو أن الإرهاب الذي أعقبه نتج عن تماهي بعض الأطراف التي فجرت الثورة، بأيديولوجية اليسار المتطرف، وهذا التماهي غير موجود حتى الآن لدى هؤلاء الشباب، ولكن من الممكن في حالة سرقة الثورة أن تتحالف أجنحة بين الشباب مع التيار الجهادي لا لتضرم النار في أجسادها، وإنما لتضرم النار في كل شيء. عمر الكدي-إذاعة هولندا العالمية