أعداد مركز صقر للدراسات الإستراتيجية الإعلام الأمريكي تضليل منظم وإعماء الرأي العام الإعلام العربي غيبوبة مهنية وتغطية خجولة
الإعلام العراقي بين التدليس والتغطية أصبحَ الإعلام الظاهرة المميزة للعصر، وبات تأثيره واضحا في غالبية مفاصل الحياة ، ويفرض الخيارات والتوجهات للأفراد والمجتمعات ,ويتباين بين صناعة الأحداث والأخبار وفبركتها وتغطيتها بشكل واقعي ومهني حيادي , وأضحى يحفز الشعوب والدول لدخول عالم الأحداث المتشابكة, مما يجعل مالك الوسيلة [1] لن يتمكن من تحديد محاور الإعلام وتوجيه بوصلته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية, ما لم يضع الحقائق وفق فلسفة الإعلام الاستقصائي ليحقق المصداقية والحضور، فأن مهمة الإعلام المهني الحيادي هو ((جمع وتحليل ومعالجة البيانات والمعلومات والصور والحقائق والرسائل والتعليمات من كافة المصادر عن كافة الأنشطة والتأكد من مصداقيتها وصياغتها وتحريرها بأسلوب موضوعي ومنطقي يتقبله المجتمع ليتم نشرها محلياً وخارجياً، باستخدام وسائل الاتصال ومنها وسائل الإعلام المختلفة))، تلك العملية يترتب عليها تحرير ونشر الأخبار والمعلومات الدقيقة, التي ترتكز على المصداقية والموضوعية والواقعية، ومخاطبة الجماهير والارتقاء بمستوى الرأي)[2](. فان الإعلام المهني الحرفي منوط به تقديم المعلومات الدقيقة والصادقة والحقائق الإخبارية , التي تساعد على إدراك ما يجرى من أحداث محلية وإقليمية ودولية, وبيان أبعادها المختلفة وتداعياتها، وإيجاد تصور منطقي , وآراء صائبة في الأمور ذات الأهمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدى المُستقبل، وفي الغالب تتعارض تلك الحقائق والمعلومات مع التوجهات التي ترتبط بالدعاية السياسية , وكذلك التحديدات السياسية الحكومية التي توجه راعي الوسيلة الإعلامية[3]، وقد جرى تخطي هذه التحديدات في ظل تطور وسائل الاتصال كالتقنية الرقمية والأثير (النت وسائل التواصل الاجتماعي- الفيس بوك والتويتر وغيرهما) وقد أصبحت أرادة شعبية ترتبط ببعضها لتعلن أفكارها وتفضح توجهات وسائل الإعلام المرئي والمقروء ودوره السلبي في تغطية الأحداث الجارية. الإعلام الأمريكي تضليل منظم وإعماء الرأي العام يتصف الإعلام الأمريكي بكثافة نشاطه وتعدد مؤسساته الإعلامية , واتساع وتطور وسائل الاتصال والقنوات الفضائية وقنوات الكيبل الإخبارية ، ويساهم كثيرا في هيكلة الحدث ، ويسيطر على الإعلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية منظومة شركات ومؤسسات إعلامية خاصة , وفي الغالب تسلك الخيار الحكومي , و يجري التعاطي الإعلامي وفق هذا المنظور ، و يجري استخدام منظومات الإعلام وأساليب الدعاية بكافة أدواتها، الفبركة، التضليل، الخداع، الانحياز, التلاعب, التزييف, التأثير, حرب الصور, حرب الأثير لتحقيق الغايات السياسية, وبذلك يجري الابتعاد عن الحيادية والمهنية والمصداقية في تناول الخبر وتغطية الأحداث والحروب, وهذا ما جري بالفعل عبر تزييف الحقائق في العراق, والتعتيم على المظاهرات العراقية في 25شباط وقد عمدت وسائل الإعلام على إعماء الرأي العام بشكل مقصود لان الإعلام الأمريكي متسق بمفاهيم الدعاية ((سلك طرق وأساليب مختلف، وإخفاء الحقائق أو التدخل في تفسيرها أو حتى قلبها)). تحولت الحرب الإعلامية في العصر الحديث من استهداف الجنود والمقاتلين في الميدان سلبا وإيجابا إلى المجتمعات والأمم[4]، ويمكن ملاحظة ذلك في الغزو الفكري والثقافي وتعميم أنماط الحياة والاستهلاك والطعام والأزياء، واستخدم الإعلام كحرب شاملة على ثقافات الأمم وحضاراتها وتاريخها وتراثها , وقد ابتعد جزء كبير منه عن المهنية والحرفية والموضوعية، وهذا ما يفسر تضليل الإعلام الأمريكي[5], ولعل السبب يعود إلى ان النظام السياسي الفاسد في العراق, ولعل القتل اليومي الذي يجري على يد القوات الحكومية لا يجد من يدينه في الإعلام الأمريكي ويوثقه, وكذلك دوائر صنع القرار السياسي والمفاصل القانونية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان, وعند التحليل لمواقف وسائل الإعلام ودورها وتغطيتها نجد ان هناك أشارة خجولة في الوسائل المقروءة كواشنطن بوسط, ويواس تودي , نيويورك تايمز إلى قتل المتظاهرين العراقيين تحت بند استخدام القوة , دون إدانة تذكر, وبالمقابل يصدر قرار أممي ضد ليبيا بهذا الصدد, ولعلنا شهدنا التأييد الأمريكي لثورة الشعب التونسي والمصري منذ الأيام الأولى للثورة, وبنفس الوقت شهد العراقيين صمت عميق لأوباما وكلينتون وإدارته على المجازر التي تجري في العراق بحق الأبرياء العزل, والتي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي, وهنا تبرز المنطقة الرمادية كانتهازية سياسية تعامل بازدواجية واضحة ونفاق منظم, ويتحاسد بالتعتيم وحث النظام السياسي العراقي على استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين , وقد سقط عشرات الضحايا ومئات الجرحى, ويعود سبب ذلك ان القتل خارج القانون هو سمة أساسية وسلوك محوري لقوات الاحتلال في العراق, ومنهجية أرستها شركات المرتزقة في تشكيل القوات الأمنية الحالية ناهيك عن ادلجتها الطائفية,وأضحت هذه القوات فوق القانون الدولي والوطني, وتحضى بتأييد أمريكي يتجسد عبر التعتيم وإعماء الرأي العام عن المجازر. الإعلام العربي غيبوبة مهنية وتغطيه خجولة يصنف الإعلام العربي في غالبه حكومي و شخصي تجاري, وان اختلفت مسمياته وتنوعت أساليبه, فان تغطية الأزمات العربية ومنها التي عصفت بالعراق, تؤكد حقيقة أساسية ان وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمكتوبة, تعمل بإطار محدد وتتسق بالمفاهيم والمصطلحات التي أنتجها الإعلام الغربي مفاهيمه , ولن نشهد مصطلحات إعلامية بصناعة عربية تتسق مع مظاهر الحدث العربي وسلوك مجتمعاته, خصوصا ان بعض وسائل الإعلام هي استنساخ لوسائل أعلام غربية معروفة كال بي بي سي , وبالتالي يكون حجم الإبداع والاجتهاد محدودا, وشهد العراقيين غياب التغطية لثورة العراق الشعبية, ومساهمة وسائل الإعلام العربي في إشاعة المصطلحات الطائفية التي تقسم الشعب العراقي إلى مكونات وطوائف وفق عقيدة بوش قبل الغزو, وهناك تسفيه واضح لإرادة الشعب ودوره في التصدي , وقد شهدنا عدد كبير من وسائل الإعلام العربي تتناول مصطلح الإرهاب بشكل أعمى دون التمحيص أو مطابقة التعريف بالوقائع, ولعلنا شهدنا ان كلمة الإرهاب يجري استخدامها أكثر من مئة مرة باليوم عبر النشرات والحوارات والندوات, وبتالي يتم هيكلة الرأي العام بمصطلحات هجينة غير معرفة قانونيا, لم تكن مفاجأة عدم تغطية الإعلام العربي لثورة العراق التي بدأت منذ 12 شباط وتجلت بمليونية في 25 شباط 2011, في حين تم تغطية ثورة تونس ومصر وليبيا يوميا ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة, وهذه الازدواجية مريبة تثير الشك بمنهجية هذه القنوات , وبالتالي شهدنا غيبوبة مهنية في التعامل مع الخبر والمصداقية وسرعة التغطية[6], وهنا يبرز تخطي الثورة العراقية وتجاهلها عن عمد وبشكل منظم وبدوافع سياسية, مع ديمومة التغطية وتهويل الأحداث في مواقع أخرى اقل تأثيرا من العراق , وبالتالي تبرز حقيقة الإعلام المسييس وقطبيه منهجه, أذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان وسائل الإعلام العربي المتعددة قد عتمت على الثورة العراقية طيلة أيامها, والبعض منها تناول الأحداث بشكل خجول لا يرتقي للمهنية والحيادية ونقل الحقائق. الإعلام العراقي بين التدليس والتغطية شهد العراق تظاهرات شعبية غاضبة مليونية اجتاحت غالبية محافظات العراق من شماله إلى جنوبه , وبنسق متوازن يدلل على أرادة شعبية طوعية متحضرة, وتنتهج المقاومة المدنية السلمية لتحقيق المطالب السياسية الشعبية, والتي تؤكد فشل النظام السياسي الحالي بالرغم من وسائل الإنعاش السياسي والإعلامي , وهذا ما تروجه وسائل الإعلام الغربية والعربية والعراقية الملحقة بها, كون هذا النظام من أنتاج الشركات الأمريكية, والتي تسعى لنهب العراق, وتطبيق سياسة الجوع والجهل , وبرز جليا في إعماء الرأي العام حول مجازر العراق, من قتول خارج القانون والإعدامات الفورية والتعذيب المنظم, والذي أصبح بنية متكاملة لتجارة الإرهاب والسجون والفساد, خصوصا ان غالبية الأدوات السياسية في العراق متهمين بجرائم ضد الإنسانية , وأثبتت وسائل الإعلام تورطهم في قمع المتظاهرين العراقيين والمطالبين بالحقوق الأساسية الثابتة للشعب العراقي. شكلت وسائل الإعلام العراقية بعد مرور ثلاث عقود على الإعلام الحكومي الرسمي, ويوجد ما يقارب 45 وسيلة أعلام , شخصية وطائفية وحزبية وحكومية , وأخرى إخبارية ومنوعة وشعبية , واختلف أداء تلك القنوات الفضائية وتعاملها مع الأحداث الجارية في العراق, بما لا يتسق مع النظريات الإعلامية , ويعمل البعض في دائرة الإنعاش السياسي, وتستخدم أخرى لإشاعة الشعارات الطائفية والإيديولوجيات الهجينة, وباتت تقطب الأحداث وفق هذه المنهج , وهناك القنوات الإخبارية التي تتقصى الخبر وتمحصه وتدعمه بالوقائع المصورة وتعززه بشهود أثبات مرئي أو مسموع أو وثائق مكتوبة وتميل إلى الاستقلال نسبيا وتعمل وفق فلسفة وطنية جامعة, وتعمل بإمكانيات محدودة قياسا بالفضائيات العربية والأجنبية, وشهد العراقيين توافق أعلامي لتلك القنوات في تغطية الأحداث في العراق, ثورة 25 شباط والأحداث الشعبية الغاضبة, وقد غطتها كل من قناة الشرقية والرافدين والبغدادية والرأي بشكل يرتقي إلى المهنية والحيادية والعمل الإعلامي المتوازن,وقد جوبه بقمع حكومي غير مسبوق, وقد ترجمت هذه القنوات المطالب الشعبية وإرادة الشعب بالتغيير السياسي , وكما وثقت القمع الحكومي والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان , مما جعلها تحظى باحترام كافة الفئات الشعبية والجماهيرية والشعوب العربية, وبالمقابل لاقت سخط الوسط السياسي الحاكم, لقد تمكنت هذه الإمكانيات المحدودة والإعلام الفتي ان يكسر التعتيم الإعلامي الغربي والعربي, ولوحظ قطبية الإعلام الحكومي والقنوات الطائفية والشخصية التي ترتبط بشكل وأخر بالوسط السياسي الحاكم, ولم ينضج جيل سياسي يتمتع بالشفافية ويمارس العمل السياسي الديمقراطي ,ويجعل من الإعلام وسيلة أساسية للتعبير عن الرأي والرأي الأخر,وترسيخ الحريات التي تعد ابر سمات الديمقراطية ,وعلى العكس نشهد ترسيخ للإقطاعيات السياسية والأحزاب العائلية, واجتثاث الطبقة الوسطى من المثقفين والخريجين بعد تفكيك الدولة وفق أرادة شركاتية ليحل بدلا عنهم الجهلة وشذاذ الآفاق وأنصاف المتعلمين والمليشيات من القتلة وقطاع الطرق, ليرسخوا دولة التخلف والموت والجوع بدلا من دولة المؤسسات المتحضرة. أن العملية الإعلامية مستمرة وتبحث عن الإثارة والسبق والخبر الجديد لبثه وتغطيته ومتابعته, ويتم ذلك بعرض الأفكار والرؤى التي تبين وجهات النظر المختلفة , لتحقق نوع من أنواع الإثارة للمستقبل وتسعى لتامين السبق الصحفي والخبري , والأخذ بنظر الاعتبار مصداقية المصدر ودقة المعلومة، بغية استمرارية تطورها لجذب المشاهد للمادة الإخبارية ، مع تسليط الضوء على مواقف الدول والحكومات في الأزمات ومتغيرات الصراع الدولي بحيادية، ويلاحظ انحراف الإعلام عن مساره, وينتهج الدعاية السياسية , وباستخدام التضليل والخداع والتلاعب , ولعل ابرز ظاهرة صحية هو ارتقاء القنوات العراقية المحدودة لمستوى الحدث السياسي وترجمته إعلاميا ليقول للرأي العام العالمي والعربي ((هنا العراق وهذا واقعه)) لان الثورة التونسية والمصرية قد فاجأت صناع القرار الأمريكي ومراكز دراساتها ووكالاتها الاستخبارتية, مما يؤكد ان أرادة الشعب العراقي هي الأخرى ستنتصر كما في مصر وتونس . الاثنين، 28 شباط، 2011 مركز صقر للدراسات الإستراتيجية