تواصل القوات الموالية للزعيم الليبي معمّر القذافي تقدمها نحو الشرق وإستعادتها للعديد من المناطق التي خرجت عن سيطرتها خلال الأسابيع الماضية، في حين لا يلوح في الأفق حتى الآن أي أتفاق يفتح الطريق لتدخل المجتمع الدولي، لكن إستعادة نظام القذافي لقوته وسيطرته يظل إحتمالا ضعيفا بحسب دبلوماسيين سويسريين سابقين. ويوم الخميس ظلت المعارضة المسلحة تحاول صد زحف القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي في منطقة أجدابيا بشرق البلاد لإعاقة تقدمها نحو بنغازي معقل المعارضة.
وقال أحد الضباط المنشقين في قوات المعارضة يوم الاربعاء انهم فقدوا البلدة وان المقاتلين الذين ظلوا موجودين سلموا أسلحتهم. لكن بحلول مساء يوم أمس قال سكان ان المعارضة المسلحة سيطرت على وسط البلدة في حين أن القوات الموالية للقذافي ظلت أغلبها على مشارفها الشرقية.
وفي تطوّر آخر، صرّح سيف الإسلام، أحد أبناء العقيد القذافي، في حديث إلى القناة الإخبارية Euronews أن القوات النظامية سوف تتمكن من بسط نفوذها على جميع التراب الليبي في غضون 48 ساعة القادمة.
من ناحيته، أكّد ألان جوبييه، رئيس الدبلوماسية الفرنسية، الذي يعمل على مدار الساعة من أجل إقناع القوى الغربية والبلدان العربية على التدخل في ليبيا من أجل إيقاف هجوم القوات النظامية ، اكّد بالأمس " أن التدخل لا يزال ممكنا"، وأضاف جوبييه: "لا بد من توفير الإمكانات اللازمة لتقديم دعم فعال لأولئك الذين حملوا السلاح لمحاربة الدكتاتورية". ويذهب فرانسوا نوردمان، سفير سويسري سابق، ومستشار يقيم في جنيف في نفس الإتجاه: "لسنا بصدد هزيمة محتمة للمتمردين، وقبل ثلاثة أسابيع، كان كل العالم يراهن على ذهاب القذافي، وهو أمر كان يبدو حتميا. اليوم أيضا، اشتداد قبضته من جديد على ليبيا لا يبدو حتميا". غموض في الأفق كذلك يضيف زميله القديم إيف بيسون، خبير على إطلاع واسع بشؤون العالم العربي: "الوضع في ليبيا يسوده غموض. وليس هناك أي شيء واضح منذ انطلاق هذا التمرد. فما الذي يعنيه واقعيا الإعلان عن السيطرة على مناطق من طرف الثوار، أو الإعلان عن استعادتها من القوات الموالية؟".
لكن ما هو متأكد بالنسبة لبيسون أنه: "مهما حصل، لا وجود لأي إمكانية لإستمرار الوضع السابق. وعلى المستوى الداخلي، سوف يواجه القذافي هجمات متكررة من المتمردين، وإضطرابات متواصلة".
وحتى وإن جدد العقيد الليبي تحالفاته مع القبائل والأجنحة التي تخلت عنه، فإن أولئك الذين عانوا من إضطهاده سوف يسعون آجلا ام عاجلا للإنتقام منه، رغم ما يبدونه في الظاهر من الولاء. لكن هذا قد يتطلب المزيد من الوقت، وهو يشير إلى سياق الربيع العربي، حتى لو أعقبه صيف متعفّن.
على المستوى الدولي يبدو من الصعب العودة كذلك إلى الوضع السابق، خاصة وأن سلسلة من الإجراءات والعقوبات ضد النظام الليبي قد تم اتخاذها فعلا، وأن محكمة الجنايات الدولية ينصب عملها الآن على الملف الليبي بسبب الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام القذافي وقواته المسلحة ضد الشعب الليبي. لا عودة إلى الوراء يعتقد إيف بيسون أن "عددا كبيرا من القادة الغربيين قد انخرطوا في الصراع ضد القذافي وحواريه، ومن الصعب عليهم الآن تغيير مواقفهم تلك". رغم ذلك، لا يجب الإستهانة أبدا بالأضرار والمخاطر التي يمكن أن تصدر عن هذا القائد المسن، وحاشيته، وكذلك قدرته الفائقة على المناورة.
ويذكّر فرنسوا نوردمان بأنها "ليست المرة الأولى التي يوجد فيها نظام العقيد القذافي مدانا من المجتمع الدولي"، ويشير بذلك إلى العقوبات التي كانت مفروضة على ليبيا، واستمرت إلى نهاية التسعينات.
ويضيف الدبلوماسي الخبير: "لقد إستطاع القذافي البقاء والإستمرار من خلال التعاون مع الجامعة العربية، ومع الإتحاد الإفريقي، ويعرف القذافي جيّدا كيف ينكأ الجروح، وكيف يؤلم معارضيه". عدم الإستهانة بعائلة القذافي وأوّل الغيث قطر كما يُقال، فقد كشف سيف الإسلام خلال حواره مع قناة Euronews الإخبارية بأن ليبيا قد ساهمت في تمويل حملة نيكولا ساركوزي خلال الإنتخابات الرئاسية في فرنسا، وأنه "على ساركوزي إرجاع الأموال التي تلقاها من ليبيا لتمويل حملته الإنتخابية. نحن الذين موّلنا حملته، ولدينا الأدلة الكافية. ونحن مستعدون لكشف ذلك"
وحتى لو ثبت خطأ هذا الكلام تماما، هذه التصريحات قد تركت فعلا تأثيرها على الرأي العام الفرنسي، كما تدل على ذلك ردود فعل زوار المواقع الإلكترونية الخاصة بوسائل الإعلام الفرنسية.
ومن المهم كذلك معرفة ما إذا كانت سويسرا، التي خبرت ألاعيب القذافي والمقربين منه، يجب ان تحذر مرة أخرى من ردود فعل قوية من نظام بات معزولا، نظرا لكون ميشلين كالمي –ري، رئيسة الكنفدرالية قد عبّرت بشكل علني وصريح عن ترحيبها المسبق بسقوط الدكتاتور . هذا التصريح لم يتركه عدد من البرلمانيين المتمسكين بصفة التحفظ والتروي في المجال الدبلوماسي يمر هكذا، وهم يؤاخذون اليوم رئيسة الكنفدرالية على ذلك التصريح.
لكن فرنسوا نوردمان لا يشاطر هذا الفريق ما يذهب إليه، وسويسرا بحسب رأيه لا توجد على الخط الأمامي في مجابهة القذافي. وخلال الأزمة بين برن وطرابلس، والتي إستمرت قرابة السنتيْن. كان الموقع الهامشي الذي احتلته سويسرا من نقاط الضعف بالنسبة لها، في وقت كانت فيه القوى الكبرى في العالم تتسابق للخيمة الليبية. لكن هذا الموقف الذي كان يعتبر سلبيا في السابق يمثل اليوم حماية لسويسرا في وقت أجبرت فيه البلدان الأخرى على تغيير معسكرها. 17 مارس 2011 فريديريك بيرنود - جنيف- swissinfo.ch (نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)