التضامن مع الشعوب المقهورة والمضكهدة ليس غريبا سواء كان هذا التضامن والتأييد صادر عن دول أو حكومات أو أشخاص. ويُفترض أن يكون هذا الشعور الانساني النبيل نحو الآخرين غير مشروط أو إنتقائي أو موجّه الى طرف أو جهة دون غيرها, والاّ فقد قيمته وهدفه وأصبح شيئا آخر. وبما أن المنطقة العربية وشعوبها المضطهدة تغلي تحت نيران ثورات وإنتفاضات معظمها سلمية فمن الواجب, إذا كانت النوايا والأهداف حسنة ونزيهة, أن تتضامن معها الحكومات أو الدول الأخرى. وهو ما نراه حاصل في هذا الكون باستثناء حكام الحضيرة الخضراء في بغداد المحتلّلة. فهؤلاء القوم, الذين إمتهنوا كل حرفة غير شريفة بما فيها العهر السياسي والأخلاقي, أعلنوا عن تضامنهم وبشكل لافت ومشكوك فيه كثيرا, مع شعب البحرين! والسبب بسيط جدا وهو أن حكام المزبلة الخضراء تلقّوا الأوامر من"الباب العالي" في طهران الذي هدّد وعربد وأزبد بخصوص دخول قوات سعودية وإماراتية الى مملكة البحرين, فقرّروا أن يخلعوا كل الأقنعة التي وضعوها على وجوههم لخداع الناس البسطاء الاّ القناع الطائفي. فبان للعيان معدنهم الرديء وطبيعة ديمقراطيتهم المزيفة وإرتهانهم اللامحدود و اللامشروط لعمائم الشر والحقد الايرانية. وإثبتوا لكل ذي عقل وبصيرة أو بدونهما بانهم, أي حكام الحضيرة الخضراء, عبارة عن وكلاء وخدم وموظّفين لدى الحوزة المجوسية في قُم. فهم لم يتضامنوا مع الشعب اليمني مثلا ولا مع الشعب الليبي الذي يواجه حرب إبادة من قبل نظام المجنون القذافي, ولم يتضامنوا مع الشعب التونسي والمصري قبل ثورتيهما المجيدتين. بل لم يتضامنوا حتى مع شعبهم الذي يُقمع كل يوم جمعة بابشع الوسائل وتحت أعينهم مع أنه لم يطلب منهم تحقيق المعجزات, وأن مطالبه حتى الآن متواضعة جدا. وبلغت الغرابة في "نوعية" تضامن حكام بغداد المحتلّة مع شعب البحرين ذي الغالبية الشعية أنهم قرّرا تعليق جلسات البرلمان لغاية 27 من الشهر الجاري! وإنشغلوا بالموضوع بشكل ملفت للنظر وكأن البحرين محلّة تابعة للمنطقة الخضراء. حتى شيطانهم الأخرس "آية" الله على السيستاني في النجف أوعز بوقف الدراسة لمدة يوم في الحوزة النجفية الصامتة عن ظُلم العراقيين وإضطهادهم وقمعهم المستمر منذ أن بارك "سماحته" دخول الغزاة الأمريكان الى العراق وتعاون معهم في السر والعلن لغاية في نفس مرشد "الثورة الايرانية" والعملاء والوكلاء من عراقيي الجنسية الذين يأتمرون بامره وينفذون أوامره ومشاريعه الطائفية المقيتة. بل إشترك معظم "المراجع" الحاملة للواء الطائفة في حملة التنديد والتهديد والوعيد بما "لا تُحمد عُقباه" ولم يبقّ أمامم سوى أرسال ميليشياتهم وعصاباتهم المدعومة عسكريا وماليا من قبل إيران, الى مملكة البحرين. وتاكيدا على الطبيعة العنصرية - الطائفية لحكام العراق الجديد ودولتهم المسخرة وبرلمانهم المبني على المحاصصة وبعد عجزهم عن تحقيق أي مكسب ملموس, خضع الجميع لأوامر وطلبات العنصري الشوفيني والصهيوني بالفطرة والوراثة مسعود البرزاني, فاقتصرت جلسة يوم الخميس 17 آذار فقط على "إعتبار حادثة حلبجة إبادة جماعية". والى الجحيم جميع ما ورد في جدول أعمال البرلمان. ولكي يثبت قادة الأحزاب الكردية العميلة كونهم من عرق راق جدا ودمهم أزرق خلافا لدم جميع بني آدم, فقد قررت رئاسة وحكومة ما يُسمى باقليم كردستان العراق "وقف الحركة" في الأقليم لمدة خمس دقائق بمناسبة مرور ذكرى حادثة حلبجة. مع العلم إن جميع حكومات ودول العالم تخصّص دقيقة صمت واحدة فقط في أية مناسبة تاريخية ذات طابع مأساوي مرّت بها البلاد. وبما أن العنصرية المقيتة أعمت بصائر وأبصار مسعود البرزاني ورهطه فقد تجاهل هؤلاء وما زالوا يتجاهلون ان العراقيين وبكافةأطيافهم وإنتماءاتهم العرقية والدينية عاشوا, بفضل خيانة وعمالة مسعود البرزاني وجلال الطلباني وحقدهم الأعمى, عاشوا أكثر من ألف حلبجة منذ إحتلال العراق وقبله سنوات الحصار الظالم. لكن يبدو أن ملايين العراقيين, بين قتيل وجريح ومعتقل ومشرّد ومفقود, لا يستحقّون حتى نصف دقيقة صمت لا من مسعود البرزاني ولا من إسامة النجيفي رئيس برلمان الحضيرة الخضراء, ولا من أياد علاوي ولا من غيره. ولم نسمع في أي يوم من الأيام أن "قادة" العراق الجديد علّقوا جلسات برلمانهم من أجل قضية تهمّ الشعب العراقي أو أنهم وقفوا دقيقة صمت لعشرات العراقيين الذين يسقطون كل يوم بين قتيل وجريح. نحمد الله ونشكره باننا بشر أسوياء وأن دمنا أحمر قاني كلون دم جميع البشر. ولا ندّعي باننا من عرق "خاص" ونتعامل مع الآخرين بعجرفة وصلافة وتجبّر كما يفعل العميل الصهيوني مسعود البرزاني مع بقية العراقيين, خصوصا وأنه وجد نفسه بين شلّة من حُثالات السياسيين لا يجمعهم هدف واحد سوى هدف تدمير العراق ونهب خيراته والاستحواذ على المزيد من المكاسب والامتيازات الغير شرعية. ونحن على يقين بان العميل الصهيوني مسعود البرزاني سوف لن يتوقّف أبدا عن إبتزاز الشعب العراقي, سياسيا وماديا وأخلاقيا, سواء بحادثة حلبجة أو بسواها, فهذه هي أخلاق وسلوكيات وتعاليم أسياده الصهاينة في تل أبيب الذين وضعوا في رأسه الأجوف فكرة أن يخلق له بأي شكل من الأشكال "هولوكوست" خاصا به قابل للتاول في أسواق العهر السياسي وبورصات "المظلوميات"يستطيع بواسطته إستجداء بل تخدير مشاعر الناس البسطاء من أبناء قومه. وشأن رفاقه في الحضيرة الخضراء الذين ينبشون في الدفاتر العتيقة تهرّباً من مواجهة المشاكل الحقيقية للشعب العراقي الذي إنتخبهم كما يزعمون, يُمارس مسعود البرزاني شتى أنواع الحِيل والخدع لكي يحرف أنظار الآلاف من البشر في إقليمه "المقدس"عمّا هو آني وملح وضروري لهم, خصوصا وإن ألسنة النيران المتصاعدة من قاع الشعوب المحرومة والمضطهدة والمقموعة, بما فيها الشعب الكردي الشقيق, بدأت تقترب رويدا رويدا من عرشه المصنوع من القش والورق الملوّن. [email protected]