لو وُجد مثقال ذرّة من الوطنية لدى حكّام العراق الجديد, وهو أمرمشكوك فيه كثيرا, لقاموا بخطوة واحدة على الأقل أزاء التصرّف العدواني والبلطجي للأحزاب الكردية في مدينة كركوك العراقية وما تلاه من إقتراح ما يُسمى بمجلس المحافظة بضمّها,أو بتعبيرآخر, بمصادرتها وقضمها,الى إقليم طرزانستان "كردستان سابقا", لقاموا بسحب الثقة من الرئيس العميل جلال الطلباني وإرساله على أقرب طائرة أمريكية أو إيرانية أو إسرائليةالى إمارته الخاصّة في مدينة السليمانية في شمال العراق. فالأحداث الأخيرة في كركوك وما رافقها من جرائم إرتكبتها عصابات البيش مركة البرزانية بحق مواطنين أبرياء وقوى سياسية مسالمة, كالجبهة التركمانية مثلا, وإصرارالقيادات الكردية العميلة على ضمّ كركوك على أسنّة الرماح الى إقليمهم المشؤوم, وكأن الشعب الكردي سوف يُصاب بألف داهية إذا لم يحصل على كركوك, كلّ هذا وغيره من المواقف الندّية العدائية ضد العراقيين, سوف تضع الجميع, بما فيهم حلفاء الأحزاب الكردية نفسها, من شيعة إيران الى السنّة الأمريكان, أمام الخطرالداهم الذي يمثّله الزحف الغيرمقدّس لعصابات البيش مركة الكردية نحو المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى. وإذا لم تتظافر جهود الشرفاء والخيرين من أبناء الشعب العراقي, من كلّ االقوميات والأعراق والأديان والطوائف, للوقوف صفا واحدا أمام المشروع الجهنمي الذي تسعى القيادات الكردية - الصهيونية الى تنفيذه خدمة لمصالح أسيادهم الصهاينة, فاننا سنساهم دون أدنى شك بقيام إسرائيل مصغّرة في شمال وطننا الحبيب. ولا يُستبعد أن تصبح بغداد عاصمة الخلافة, بحجّة أن العميل جلال الطلباني يقيم في المنطقة الخضراء بحكم منصبه الكارتوني, أرضا"متنازع"عليها بيننا وبين عائلة القيصر رومانوف مسعود البرزاني. وقد يغيب عن ذهن المتتبع لشؤون المنطقة العربية أن العصابات الصهيونية المسلّحة, في بداية القرن الماضي, وبتشجيع ودعم وصمت الكثيرين بمن فيهم أبناء جلدتنا, بدأت مشروعها الاستيطاني الصهيوني بالتدريج, قرية تلو قرية ومدينة بعد أخرى, والذي تحوّل فيما بعد الى خنجر مسموم في خاصرة الفلسطنيين والعرب, مستخدمة ذات الأساليب التي يعيد صياغتها اليوم قادة الأكراد في شمال العراق مستغلّين الوضع الاستثنائي الشاذ الذي يسود في شمال البلاد, والظروف المأساوية التي يمربها الشعب العراقي تحت ظلّ الديمقراطية الدموية الأمريكية. والقادة الأكراد يدركون, بسبب خبرتهم الطويلة في الرقص على حبال أكثرمن دولة, إن الفرص الثمينة لا تتكررأبدا. ولذا فان حالة من الهيستيريا والجنون السياسي تتحكّم هذه الأيام في كل تصرفاتهم, ويملأ الرعب والخوف قلوبهم خشية أن تتبخّرأحلامهم الامبراطورية - التوسعية. وخصوصا أنهم تيقّنوا تماما بان العدالتنازلي لزوال الاجتلال الأمريكي للعراق, والذي سوف يؤدي بالنتيجة الى هزيمة سياسية ومعنوية لحاميتهم وسيدتهم اسرائيل, قد بدأ بشكل متسارع. وعندها سوف تدورالدوائرعلى كلّ من خان وباع وطنه وشعبه بحفنة من الدولارات الملوّثة بدم آلاف الأبرياء, ورضيَ لنفسه أن يكون مطيّة للقوات الغازية. لقد طبّقت القيادات الكردية العميلة سياسة الفصل العنصري في شمال العراق. وخلقت لنفسها نوعا شاذا وغريبا من الفدرالية التي لا يوجد لها مثيل في أي مكان في العالم. فهم لا يعترفون بدستورالبلاد "الفيدرالي" , باستثناء المادة 140 سيئة الصيت, مع أن رئيس البلاد كردي ووزير خارجيتها كردي ونائب رئيس الوزراء كردي أيضا ونائب رئيس البرلمان "الفدرالي" كردي هو الآخر. كما أن قوانين الدولة والحكومة المركزية سارية المفعول في جميع مناطق العراق الاّ في إقليم مسعود البرزاني, فهو منطقة فوق القوانين والأعراف والشرائع, بالضبط كما هي حال دولة إسرائيل العنصرية. كما إتخذ التعامل مع العراقيين, غيرالأكراد, طابعا شوفينيا إستعلائيا مقيتا. وأصبح الوصول الى شمال العراق بالنسبة للعراقي, إبن البلاد,أصعب بكثيرمن الوصول الى السويد أو الدنمارك. مع العلم إن ما يُسمى باقليم كردستان ما زال جزءا لا يتجزء من العراق. فماذا سيفعل قادة الأكراد العملاء معنا ومع بقية شعوب المنطقة لو أصبحت لهم دولة مستقلّة خاصّة بهم؟ وهل نحن يا ترى على موعد مع ولادة إسرائيل كردية في شمال العراق؟ المصدر: بريد الفجرنيوز