كل العالم يعرف "جلعاد شاليط"؛ الجندي الإسرائيلي الذي وقع في أسر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قبل خمس سنوات، وبعض الفلسطينيين فقط يعرف "وليد دقة" الأسير الفلسطيني الذي أمضى في السجون الإسرائيلية خمساً وعشرين سنة. أعرف أن المقارنة ظالمة بين جندي يهودي من أصل فرنسي حمل السلاح على حدود غزة، وأطلق النار على الناس الأبرياء، ووقع في الأسر وهو يحمل سلاحه، وبين مقاوم فلسطيني حمل سلاحه دفاعاً عن أرضه التي اغتصبها أهل "شاليط"، ومع ذلك سأقصر المقارنة بين الأسيرين على الزمن والوجدان ولاسيما أن كلاهما يحمل الجنسية الإسرائيلية. لقد أمضى "جلعاد شاليط" في الأسر الفلسطيني خمس سنوات؛ أي ما مقداره 1831 يوماً، وقامت له الدنيا ولم تقعد، بينما أمضي وليد دقة في السجن الإسرائيلي خمس وعشرون سنه؛ أي ما مقداره 9131 يوماً. تموج صور "جلعاد شاليط" على واجهة المدن الإسرائيلية، وتعلق صورته على الجدران في المؤسسات الرسمية، وتنطق اسمه كل فضائيات العالم، وصار أغلى أسير في العالم كما قال عنه الرئيس الفلسطيني عباس، بينما الأسير "وليد دقة" لا تجد له صوره إلا في بيت والديه، ومحبيه، ولا أمل له بالحرية إلا إذا تحرر "شاليط". لا بد من التنويه هنا إلى أن "وليد دقة" أسير فلسطيني من عرب 48، من الفلسطينيين الذي صاروا إسرائيليين بالقوة، فهو عربي إسرائيلي، لذلك فهو خائن للدولة العبرية من وجهة نظر القانون الإسرائيلي، وهذا الخائن لدولة إسرائيل لا رحمة له، ولا ينطبق عليه الإجراء الذي انطبق على سجناء غزة والضفة الغربية الذين تم الإفراج عن بعضهم أثناء التوقيع على اتفاقية القاهرة، وقد رفضت إسرائيل سابقاً إدراج أسماء عرب 48، وعرب القدس ضمن صفقة تبادل الأسرى التي جرت سنة 1985، وهؤلاء هم حجر الرحى الذي تصر المقاومة الفلسطينية أن يفرج عنهم في أي صفقة تبادل أسرى مع الإسرائيليين. من الناحية الإنسانية المحضة، فإن المقاومة على حق وهي تمسك بالأسير "شاليط" وتدفع الثمن، وهي وتصر على تحرير وليد دقة، ومخلص برغال، وحافظ قندس، وكريم يونس وعلاء البازيان، وعلي المسلماني، ومن الناحية السياسية فإن المقاومة على حق، وهي لا تفرق بين فلسطينيالقدس ويافا وغزة ورام الله، وهي تصر على أنها أرض فلسطين، ولكن ما يحزن الرأي العام الفلسطيني؛ أن بعض قادة الفلسطينيين ما زال يقول بلا حياء: يجب إطلاق سراح "شاليط" دون شرط، ودون تبادل أسرى، ويكفي ما دفعناه من حصار غزة، ويكفي ما قدمنا من شهداء ثمناً مقابل أسر "شاليط"! بينما ووليد دقة" خلف الأسوار يقول في رسالته التي نشرتها بعض المواقع: اليوم أنهي عامي الخامس والعشرين في السجن (۹131) يوماً، إنه الرقم الذي لا ينتهي عند حد، إنه عمري المعتقل الذي لم ينته بعد، وها أنا قد بلغت الخمسين، وعمري قد انتصف بين السجن والحياة، والأيام قد قبضت على عنق الأيام، كل يوم أمضيته في السجن يقلب "شقيقه" الذي أمضيته في الحياة، ككيس يحاول إفراغ ما تبقى فيه من ذاكرة، والسجن نار يتغذى على حطام الذاكرة!.