مستويات غير مسبوقة.. فيضانات عارمة تضرب ولاية واشنطن وتجبر مدينة بأكملها على الإخلاء    مزيد تطوير التعاون العسكري بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية    توزر ...بمعرض للصناعات التقليدية ..اختتام حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة    نشر قانون المالية لسنة 2026 بالرائد الرسمي بعد ختمه من قبل رئيس الجمهورية    كأس العرب – الإمارات إلى الدور نصف النهائي    الإطاحة بشبكة دولية للقمار الإلكتروني واصدار بطاقات إيداع بالسجن..#خبر_عاجل    طينة: سوق الثلاثاء... بين أبواب أُغلقت وتطلّعات معلّقة على أمل الفتح    بعد إطلاق اسمه على دار الثقافة بالجريصة ...الكاف تحتفي بعيسى حرّاث    الليلة وصباح الغد: ضباب كثيف يتسبب في انخفاض مدى الرؤية الأفقية    الغريبة.. 8 اصابات في اصطدام بين سيارة ولواج وشاحنة    في ظل التغيّرات المناخية في العالم.. أي استراتيجية مستقبلية للمياه؟    النقابة تدق ناقوس الخطر: تأخير خلاص المخابر يضع صحة المرضى على المحك    في لقاء تكريمي بالمنستير.. محمد مومن يبكي ويرد على وصف الفاضل الجزيري ب "النوفمبري"    فيديو - وزير الاقتصاد : الدورة 39 لأيام المؤسسة تركّز على التحوّل التكنولوجي ودعم القطاع الخاص    الديفا أمينة فاخت تحيي سهرة رأس السنة بفندق Radisson Blu    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    رئيس وزراء هذه الدولة يحلّ البرلمان..#خبر_عاجل    حبس 9 سنين لمروج المخدرات في المدارس    مجموعة رائدة في صناعة مستحضرات التجميل تختار الاستثمار في بوسالم    تنبيه لكلّ حاجّ: التصوير ممنوع    وزارة البيئة تعلن عن فتح باب الترشحات لتقديم مبادرة فنية رياضية مسرحية ذات الصلة بالبيئة    وفاة جماعية: 9 قتلى في يوم واحد والسبب صادم    عاجل: جامعة كرة القدم توقع اتفاقية استشهار استراتيجية مع MG Motors    النوم مع ال Casque: عادة شائعة ومخاطر خفية    فريق كبير ينجح في إستخراج 58 حصوة من كلية مريض    صادم: أجهزة منزلية تهدد صحة الرئتين    جندوبة: تفقد مراكز توقير البذور والأسمدة وتوصيات لتوفير مستلزمات موسم البذر    كاس امم افريقيا (المغرب 2025): افضل هدافي المسابقة عبر التاريخ    31 ديسمبر 2025: انطلاق موسم تصدير البرتقال المالطي إلى فرنسا    الألعاب الأفريقية للشباب – لواندا 2025: تونس ترفع رصيدها إلى 5 ميداليات برونزية    حملة صحية مجانية للتقصي المبكر لسرطان القولون بجهة باردو..    جمعت تبرعات لبناء جامع...تفكيك عصابة تدليس وتحيل وحجز أختام وبطاقات تعريف    كأس القارات للأندية: فلامنغو البرازيلي يواجه بيراميدز المصري في نصف النهائي    عاجل: قبل الدربي بيوم..لاعب الترجي يغيب عن المُقابلة والسبب ''عُقوبة''    وزير الإقتصاد: سيتمّ حذف مجموعة من التراخيص    3 ميداليات برونزية لتونس في اليوم الثاني لدورة الألعاب الإفريقية للشباب بلوندا    قابس: تركيز الشباك الموحد لتوفير مختلف الخدمات لفائدة حجيج الولاية    الرابطة الأولى: مستقبل المرسى يتربص بالمنستير.. و3 وديات في البرنامج    عاجل: هذه حقيقة الوضع الصحي للفنانة ''عبلة كامل''    قضية عبير موسي..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    وزير الإقتصاد: حقّقنا نتائج إيجابية رغم الصعوبات والتقلّبات    حاجة في كوجينتك فيها 5 أضعاف الحديد الي يحتاجه بدنك.. تقوي دمك بسهولة    هجوم سيبراني يخترق ملفات ل "الداخلية الفرنسية"    عميد البياطرة يحسمها: "لاوجود لبديل عن قنص الكلاب في هذه الحالة"..    عاجل: دولة أوروبية تقرّ حظر الحجاب للفتيات دون 14 عامًا    طقس اليوم: ضباب كثيف في الصباح والحرارة في استقرار    عاجل/ جريمة مدنين الشنيعة: مصطفى عبد الكبير يفجرها ويؤكد تصفية الشابين ويكشف..    القطاع يستعد لرمضان: إنتاج وفير وخطة لتخزين 20 مليون بيضة    وفاة 7 فلسطينيين بغزة جراء انهيارات بسبب المنخفض الجوي    زلزال بقوة 6.5 درجة قبالة شمال اليابان وتحذير من تسونامي    إثر ضغط أمريكي.. إسرائيل توافق على تحمل مسؤولية إزالة الأنقاض في قطاع غزة    رقمنة الخدمات الإدارية: نحو بلوغ نسبة 80 بالمائة في أفق سنة 2030    في اختتام المنتدى الاقتصادي التونسي الجزائري ..وزير التجارة يؤكد ضرورة إحداث نقلة نوعية ثنائية نحو السوق الإفريقية    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    قبل الصلاة: المسح على الجوارب في البرد الشديد...كل التفاصيل لي يلزمك تعرفها    خولة سليماني تكشف حقيقة طلاقها من عادل الشاذلي بهذه الرسالة المؤثرة    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    عاجل: تسجيل الكحل العربي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظلم.. سنوات العذاب.. صفحات من جذور الصراع : د. فتحي الفاضلي
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 05 - 2008


نحن اولى بقضايانا من الجلاد
أمر القائد "بادليو" ان تُرصف صالة قصره بالبلاط المنقوش عليه اسم "محمد"، كما اخذ يدوس على القرآن الكريم، وهو يصيح:"إنكم لن تفلحوا الا اذا مزقتم هذا الكتاب". كما كرر هذه الممارسات الحضارية قائد أخر فى مدينه "طبرق"، حين القى بالمصحف الشريف على الارض، ثم اخذ يطأ عليه بقدمه على مشهد من جماعة من الاهلين وهو يقول: "إنكم معشر المسلمين لا يمكن ان تصيروا بشرا ما دام هذا الكتا ب بين ايديكم"(1).
وصارو يدخلون المساجد وهم سكارى، ازدراء بالمسلمين، وتعطيلا لعبادتهم. ونسفوا كثير من المساجد، ومنعوا اداء فريضة الحج، بحجة ان الوباء منتشر فى الحجاز(2)، وكانوا يجبرون المسلم، ولو كان فى وسط صلاته ان يترك الصلاة ويحيي الضابط او المأمور ايا كان(3).
وجعلوا الخطبة يوم الجمعه باسم الملك "عمانويل الثالث"، ملك ايطاليا، بل جعلوا كل حكم شرعي يصدر باسمه(4). وقد بلغ بهم الحقد ان اخذوا يخربون المساجد ويتخذونها اسطبلات للدواب. كما حملوا شيوخ القبائل بالطائرات وقذفوهم من الجو على مشهد من اهاليهم، حتى اذا وصل احدهم الى الارض وتقطع اربا صفق الطليان طربا، ونادوا قائلين: "ليأتي "محمد" هذا نبيكم البدوي، الذى امركم بالجهاد، وينقذكم من ايدينا(5). كما كان المسلم يعتبر عندهم من درجه دنيئة وفصيلة متأخرة.
وارغموا النساء على اعتناق المسيحية، ثم ارغموهن على الزواج من الطليان، وعمدوا الى الاحداث فوق اربع سنوات، فاخذتهم الحكومه قهرا من احضان ابائهم وامهاتهم الى ايطا ليا، لأجل تربيتهم وتنشئتهم فى النصرانية(6). وشنوا حربا شعواء على اللغه العربية، لغة القرآن، فأنشأوا مختلف المدارس لنشر الثقافة الايطالية. وكان القضاء على اللغة العربية لغة الدين، والعمل على تنصير المسلمين، واضعاف الدين والاخلاق، من الوسائل التى اتبعها الطليان فى حرب الابادة والافناء فى ليبيا، ولم يفت ايطاليا ان تحاول التمكين للغتها وادابها بارض ليبيا، كجزء من الغزو الثقافي بجانب الغزو العسكري. ولذلك حثت علماءها وكتابها على تأديه رسالة الغزو الثقافي، فنجم عن ذلك ان ضعف نفوذ اللغة العربية، على مر الايام، وفرضوا على طلبة المدارس الابتدائية تعلم اللغة الايطالية(7)، ومنعوا الطلاب من السفر الى مصر للالتحاق بالازهر، او الى تونس للالتحاق بجامع الزيتونه، كما اغلقت المدارس الاسلامية، ومنعت حلقات الذكر، وتدريس القرآن بالمساجد، واصدرت حكومة الفاشست امرا بسد جميع الكتاتيب التى تعلم الاطفال امور دينهم وتحفظهم القران الكريم(8).
واصدر، القائد "امياني" امرا بالقتل العام، فصار الجنود يقتلون الناس فى الشوارع، وعلى ابواب البيوت، ويربطون العشرة والعشرين فى حبل واحد، ثم يقتلونهم. ورمى كثير من الناس بانفسهم في البحر فرارا من التمثيل بهم، فكان منظرا مريعا، وبعثوا الى "روما" نحو الف اسير، اكثرهم من السكا ن والحمالين الذين استأجروا جمالهم(9).
وكانوا يقتلون الشيوخ والعجائز والاطفال فى البيوت، يقتلون الشيخ على مرأى من ابنائه الصغار، ويقتلون الاطفال على مرأى من والدهم المريض او المقعد. ويتركون قتلاهم فى الشوارع حتى تتعفن اجسامهم. ويتركون الجرحى فى الشوارع يئنون على مرأى من رجال الصليب الاحمر حتى يموتوا. وكانوا يتلهون بقتل النساء والأطفال اينما رأوهم والتقوا بهم، كما يتلهى صائد الطيور باصطيادها. كما كانوا لا يتركون القتيل إلا بعد ان يفرغوا فيه رصاص مسدساتهم، بعد ان يتحققوا من موته(10).
ويقول الامير شكيب ارسلان في كتابه "حاضرالعالم الاسلامي": قد بلغ الذين شنقهم الايطاليون عشرين الف نسمة، من اهالى طرابلس وبرقة، وشنقوا نساء جردوهن من ثيابهن وابقوهن مجردات عدة ايام، وكانوا يسلكون ستين او سبعين شخصا فى سلسلة واحدة، ويحبسونهم على هذه الصورة مدة الى ان يموتوا، وقذف البحر عدة جثث الى احد السواحل مربوطا بعضها ببعض، فرجح الناس انها من جثث اهالى "طرابلس" لكثرة ما ربط الطليان من اولئك المساكين بالحبال ورموهم بالبحر.
ولما كانت اراضي الجبل الاخضر من برقة، فيها المياه الجاريه والعيون الصافية، والغابات الملتفة، توجهت انظار الطليان الى استعمار هذه القطعة قبل غيرها، واخذوا يفكرون فى الطريقة التي تمكنهم من اسكان الجنس اللاتينى فيها، بدون ان ينازعهم احد عليها، فلم يجدوا طريقة سوى اجلاء القبائل العربية، الساكنة فى الجبل الاخضر وما جواره، عن اراضيهم، وجمعوا منهم ثمانين الف نسمة رجالا ونساء واطفالا، وساقوهم الى صحراء "سرت" فى الاراضي الواقعة بين برقة وطرابلس، وساقوهم محاطين بفرسان وسيارت مصفحة، ولم يسمح لهم بالانحراف عن الطريق، ولو للاستسقاء، ومن كان يحاول ذلك، او يجنح للاستراحة، يعاقب بالقتل فورا، لا فرق بين رجل وامراة وطفل، وانزلوهم فى معاطش ومجادب لا يمكن ان يعيش بها بشر ولا بقر، فمات جانب كبير منهم جوعا وعطشا، وماتت مواشيهم باسرها من فقد الكلاء والماء.
ويستطرد قائلا: "ان كل الادلة من اعمال ايطاليا، فى طرابلس وبرقة على ان مراد الفاشست هو استئصال الشعب المسلم من ذلك القطر، لاحلال اللاتين محله، وقد قتل الطليان، فى غير ميدان الحرب، كل عربي زاد عمره على 14 سنة، ومنهم من اكتفوا بنفيه. كما احرقوا حيا خلف "بنك روما"، بعد ان ذبحوا اكتر سكانه بينهم النساء والشيوخ والاطفال(11). ورجوت فى احد المرات طبيبين عسكريين من اطباء المستشفى، رجوتهم ان ينقلوا بعض المرضى والمصابين المطروحين على الارض تحت حرارة الشمس، فلم يفعلا، فلجأت الى راهب من كبار جمعية الصليب الا حمر، هو الاب "يوسف بافيلاكو"، فحول نظره عني ونصح للشاب بان لا يزعج نفسه بشأن عربي فى سكرات الموت، وقال "دعه يموت". وكانوا يقتلون النساء، ويقولون ظنناهم رجالا، ورأينا طائفة، من الجنود تطوف الشوارع مفرغه مسدساتهم فى قلب كل عربي فى طريقها، وقد نزع اكثرهم معاطفهم ورفعوا اكمام قمصانهم، كأنهم جزارون.
ويستطرد قائلا: أنه صادف طائفة من الجنود يقودون خمسين عربيا بين رجال واطفال. ضرب احدهم بحربة بندقيته اثنين منهم، فمات واحد لوقته، وسقط الآخر يتخبط فى دمه، فرفسه احد الجنود برجليه، ثم ادخلوا الباقين الى مكان قد تهدم، وبدأ الضباط يقتنصون هذا الصيد بمسدساتهم وبنادق جنودهم مدة عشرين دقيقة. وكلما سمعوا أنينا من جثة، اعادوا عليها النار، الى أن انقطع الأنين، وربطوا فى إحدى المرات مواطنين من الأهالي بين سيارتين دفعوهما الى اتجاهين مختلفين، فتقطعت اجسامهما إربا إربا. كان منظر الاطفال الصغار على جانبي الطريق يفتت الأكباد زيادة على مناظر الموتى من الرجال والنساء(12).
ويتحدث اللواء "محمود شيت خطاب" عن معسكرات العقيلة قائلا:"... لقد كانت هذه المعسكرات والتي تدعي "معسكرات الموت" محاطة بالاسلاك الشائكه، وكان معدل موت الاطفال فى تلك المعسكرات %90، وامراض العيون متفشية، تنتهى غالبا بالعمى..."، كما يضيف قائلا: "ان غراسياني، احد القيادات العسكريه الايطالية، ظل يعدم حوالي ثلاثين نسمة يوميا، اثناء فترة حكمه على ليبيا"(13).
ويقول الاستاذ "محمود شلبي" فى كتابه "موسوعة التاريخ الاسلامي"، لقيت المنشية، وهى إحدى ضواحي "طرابلس"، اقسى معاملة، تخطر ببال بشر عقب الغزو الايطالي، فقد اباحها الجنرال "كانيفا"، وهو قائد عسكري ايطالي، لرجاله، فانهال الموت على السكان، حتى انقرض اكثرهم، ولم يبق بالحي كله الا بضع مئات. واستولت الحملة على المزارع والبساتين والدور، وسلمتها الى المهاجرين الطليان، أما هتك الاعراض، وحرق المنازل، والتلهي باصطياد الاطفال بالرصاص، فكان عملا عاديا على الرغم من جرمه وفضاعته" (14).
وقد كتب مراسل انجليزي شهد الواقعة بنفسه ما نصه: "صدرت الاوامر باخلاء الواحة في الحال وان يقتل كل عربي معه سلاح، او يوجد ما يدل على انه اشترك في الثورة". ويقول: "إن جثث الشيوخ والنساء والاطفال كانت اكواما مكدسة وكان ما ارتكبه الطليان في المنشية والساحل من أفضع ما شوهد في تاريخ البشر"(15). وقال مراسل التايمز: إن الشدة التي أستعملها الجيش الطلياني في الانتقام من العرب الذين ثاروا يوم الاثنين يصح أن يقال عنها إنها كانت عمل قتل إجمالي بدون تفريق، وقد فتحت أبواب سفك الدماء، وفي أكثر الاحيان تجاوز الطليان كل حد ومثلوا بالابرياء."
ونشرت احدى الجرائد الغربية ما نصه: "وظل الجيش الطلياني ثلاثة أيام يطلق الرصاص على كل من يلقاه في طريقه بدون محاكمة، وقتل عددا كثيرا من النساء والاطفال. وقد بلغ مجموع من قتلوهم من العرب من يوم الاثنين الى الجمعة، أربعة الاف عربي، وصدرت الاوامر بإعدام كل عربي يوجد في الواحة يعني المنشية وأن يدخلوا المنازل واحداً واحداً"(16).
وقتلوا في عام 1939م من اهالي جفارة، عند احتلالها، ما يزيد على ألف رجل صبرا أمام نسائهم وأطفالهم، ثم أتوا بعشرة سيدات من أهل جفارة فجردوهن من ثيابهن وشنقوهن عاريات، وابقوهن سبعة ايام معلقات على هذه الحالة. يضيف الدكتور شلبي قائلا:" ويصف شاهد عيان معركة الكفرة التي جرت في سنة 1939م فيقول: ودخل الطليان الكفرة ولم يبق بها الا الشيوخ والنساء والاطفال، فانتشر الطليان فيها وفي قرية التاج مستبيحين كل حرمة، ونهبوا الاموال وذبحوا الشيوخ والاطفال ذبح الخراف، وبقروا بطون الحوامل، وهتكوا الاعراض وحرقوا المساجد، وداسوا المصاحف"(17).
ويصف محمد اسد في كتابه "من هنا الى مكة" هذه القصة التي سمعها من احد المجاهدين الذين كانوا مع "عمر المختار"، يقول ذلك المجاهد" لقد هاجمونا بثلاثة طوابير من ثلاث جهات بعربات مسلحة عديدة، ومدافع ثقيلة. وكانت طائراتهم تطير على انخفاض، تضرب البيوت والمساجد، وحدائق النخيل بالقنابل. وكان لدينا بضع مئات من الرجال يقدرون على حمل السلاح. وكان الباقون نساءا وأطفالا وشيوخا. لقد دافعنا من بيت الى بيت، ولكنهم كانوا اقوى منا بكثير، وكانت بنادقنا عديمة الجدوى مقابل عرباتهم المسلحة. وهكذا اجتاحونا في النهاية والقليل منا نجا.
ولقد اختبأت في حدائق النخيل، أنتظر فرصة لأخذ طريقي بين صفوف الايطاليين، وطيلة الليل كنت استمع لعويل النسا، اللواتي كن ينتهكن من قبل الجنود ومرتزقيهم الاريتريين. وفي اليوم التالي جاءتني عجوز إلى مخبأي بماء وخبز، وأخبرتني أن القائد العام الايطالي جمع كل ما بقى على قيد الحياة أمام ضريح السيد "محمد المهدي"، ومزق نسخة من القران الكريم على مرآى منهم، ورمى بها الى الارض ووضع قدمه عليها، واخذ يصيح بأعلى صوته: "فلينجدكم نبيكم البدوي الان إن استطاع". ثم امر ان تقطع كل اشجار النخيل في الواحة، وأن تدمر كل الآبار، وأن تحرق كل الكتب في مكتبة السيد "احمد الشريف". وفي اليوم التالي أمر أن يؤخذ بعض شيوخنا وعلمائنا في طائرة، ثم يُقذفون الى الارض من الطائرة، ليموتوا حطاما.."(18).
لقد كان الغزو الايطالي لليبيا بالنسبه للرهبان والقساوسه ورجال الدين بصفة عامة، حربا دينيه لا تحتمل التنازلات، ولا تعترف بانصاف الحلول، ولا تقبل التأويلات، فقد كانوا جادين فى القضاء على الاسلام، ولو ادى ذلك الى ابادة الشعب الليبي باكمله، وكانوا ينون بجانب ذلك، إعادة المجد الرومانى القديم، وكانوا على بينة من حجم الدم الذى سينزف من جراء هذا الغزو، وكانوا يدركون، من طبيعة الحملة، مدى الاضطهاد الذى سيصيب الشعب الليبي، وكانوا ايضا يعلمون حجم الجريمة التى اقبل عليها قادتهم وجنودهم اثناء توجههم صوب ليبيا. وبرغم يقينهم من كل ذلك، يودعهم احد كبار القساوسه قائلا:
"اننى اوجه نظرى الى شبابكم الابي القوي، إنى اتبعكم بروح متأثره في البحار والاراضي الافريقية، اتبعكم لابارككم بكل روحي، فى كل عمل من اعمالكم، ايها الرهبان، ايها الشعب، لنصل، ولننتظر بثقة، عيد العودة الظافرة.."(19)، العودة الى شمال افريقيا، والى المجد الروماني.
وانطلقت صيحات مشابهة من افواه بعض الاساقفة المنصرين فى ليبيا، كان الاهالى قد اكرموهم قبل الغزو، واحسنوا وفادتهم وسمحوا لهم بالعيش بينهم، فكونوا مراكز لتنصير الليبيين، وكان اؤلئك القساوسة ينتظرون قدوم الغزاة على احر من الجمر، وبمجرد ان بانت بوارجهم فى الافق، اخذوا يرددون قائلين: "نحن المبشرين الذين ظلوا بين البرير ينتظرون الشرف السامي، فى ان يكونوا اول من يعانق جنودنا الابطال فوق تلك البلاد" (20).
وكانت ظاهرة تواجد منصرين بين الاهالي، موجودة فى شمال افريقيا كله. وبرز نشاطهم أيام الاستعمار الفرنسى والايطالي والاسباني فى المغرب العربى، اذ طعنوا المغاربة العرب، من الذين اووهم قرونا طويلة مكرمين معززين، من الخلف فى ايام محنتهم السوداء بالاستعمار(21).
وكان ضباط وجنود ايطاليا يرددون، ساعه توجه اساطيلهم صوب الشواطيء الليبية، قصيدة تحمل ما تحمله من الحقد والكراهيه ضد الاسلام والمسلمين. كانت هذه القصيده تبث فيهم القوة والحماس، وكانت تضفي على عدوانهم معان سامية وتصبغه بطابع عقائدى، فاتخذوها لذلك نشيداً للحرب ضد ليبيا.

تقول هذه القصيدة(22):
اننى ذاهب الى ليبيا فرحا مسرورا..
لسحق الامة الملعونه..
ومحو القرآن..
فاذا مت يا اماه فلا تبكيني..
واذا سألوك عن عدم حدادك، فقولي لهم..
لقد مات وهو يحارب الاسلام..
وتقول القصيدة ايضا (23):
سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن..
ليس باهل للمجد من لم يمت ايطاليا حقا..
يا أماه انا مسافر على الامواج الزرقاء الصافية..
من بحرنا ستلقى سفائننا المراسي..
انا ذاهب الى ليبيا مسرورا..
لان رأيتنا المثلثة الالوان تدعوني..
وذلك القطر تحت ظلها..
لا تموتى لاننا فى طريق الحياة..
وان لم ارجع فلا تبكي على ولدك..
ولكن اذهبي كل مساء.. وزوري المقبرة..
ونسائم الاصيل تحمل الى ليبيا وداعك..
الذى لا يأبى الحداد.. على قبره فلذه كبدك..
وان اسألك احد عن عدم حدادك علي.. فاجيبيه..
انه مات فى محاربة الاسلام..
لقد كان الغزو الايطالي لليبيا، جولة من جولات الصراع ضد الاسلام فى ليبيا. جولة هي فى الواقع امتداد طبيعي للحروب الصليبيه التى استهدفت اذلال الاسلام والمسلمين.
____________
المراجع:
(1) قادة فتح المغرب العربي، الجزء الثاني، ص303.
(2) المرجع السابق.
(3) حاضر العالم الاسلامي، ص87.
(4) الاتجاهات الوطنية في الشعر الليبي الحديث، ص 116.
(5) حاضر العالم الاسلامي، ص70.
(6) المرجع السابق، ص67.
(7) الاتجاهات الوطنية في الشعر الليبي الحديث، ص134.
(8) المرجع السابق ص118.
(9) جهاد الابطال، للشيخ الطاهر الزاوي، ص213.
(10) المرجع السابق، ص100.
(11) حاضر العالم الاسلامي، ص 65-67-69.
(12) حاضر العالم الاسلامي، ص 69- 73- 74- 79- 82.
(13) قادة فتح المغرب العربي، الجزء الثاني، ص304.
(14) موسوعة التاريخ الاسلامي، ص376.
(15) جهاد الابطال، ص110.
(16) موسوعة التاريخ الاسلامي.
(17) المرجع السابق، ص377.
(18) الاسلام بين النظرية والتطبيق، ص 113.
(19) الغزو الايطالي لليبيا، ص162.
(20) المرجع السابق.
(21) قادة فتح المغرب العربي، الجزء الثاني، ص 353.
(22) موسوعة التاريخ الاسلامي، ص227. انظر كذلك " قادة الغرب يقولون دمروا الاسلام أبيدوا اهله".
(23) لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، شكيب ارسلان، ص 57.

المصدر موقع أخبار ليبيا

May 06, 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.