المثقف هو وليد عصره وهو الذي يعيش معاناة شعبه ووطنه وأمته . المثقف هو ذاك الذي يتوجع لأوجاع مجتمعه ويتألم لآلامه . وباختصار شديد كما اصطلح عليه الفيلسوف قرامشي هو المثقف العضوي . هذا المثقف العضوي يكون دائما ملتزما بقضايا وهموم الشعب فهو لا ينحاز إلا لمصلحة هذا الأخير في التحرر والانعتاق . فأين هم مثقفونا في تونس من هذا ؟ إن منطقة الحوض المنجمي عاشت أياما وليالي تحت الحصار الأمني الرهيب من أجل مطالب مشروعة وشرعية وهي الحق في الشعل دون محاباة ولا محسوبية . وخاصة مدينة الرديف حيث طورد شبابها ليلا ودوهمت ديارهم لأنهم أبوا إلا أن يدافعوا على الحياة بعزة وشرف رافضين الاستكانة والذل والمهانة متصدين للفساد والرشوة وكل الطرق الخسيسة لنيل حقوقهم متمسكين بالنضال أسلوبا في الحياة بحرية وكرامة . في هذه المدينة انطلقت حركة عفوية للتنديد بنتائج مناظرة شركة فسفاط قفصة التي كانت دون المأمول حيث وقع التلاعب بنتائجها . بدأت بإضراب عن الطعام في دار الاتحاد المحلي بالرديف ثم اعتصام في نفس المكان . ولما لم تجد مطالب الأهالي طريقها نحو الحل قامت الاعتصامات بالخيام فوق السكك الحديدية وكبرت الحركة واشتد عودها . وبما أن المناضلين النقابين هم أكثر تجربة في تأطير الحركة الاحتجاجية والمطلبية وجدوا أنفسهم في طليعة هذه الحركة الشعبية . وكان دورهم ايجابيا حيث منعوا كل أساليب الانفعال والانفلات التي تضر بمكاسب المجموعة الوطنية من عنف وتكسير وتخريب . وهذا هو مصدر قوة الحركة المدنية السلمية وإشعاعها حيث كان أسلوبها حضاريا بأتم معنى الكلمة . عمدت هذه الحركة لأسلوب المظاهرات والاعتصامات السلمية وإضرابات الجوع لتلفت نظر السلطات المحلية والجهوية والوطنية بمطالبها المشروعة . فأين مثقفونا من هذا كله والحركة الشعبية بالرديف وبمناطق الحوض المنجمي تدخل شهرها الخامس ؟ هل مطالب أهالينا بالمناجم ليست عادلة والحال أنهم يدافعون نيابة عن أولاد المثقفين والنخبة في الشغل والتشغيل ؟ فهل سياسة التشغيل في البلاد ترضي مثقفينا ونخبتنا الجالسين على الأرائك يتحدثون في ما لذ وطاب وربما يقولون كلاما حتى في الثورة أو في ما قام به أهل المناجم ؟ فهل قبل مثقفونا بدور المتفرج الفارس الذي لا يعجبه أي شيء في الخيال وعبر الصورة ولا يريد أن يلزم نفسه بأي شيء ؟ فهل يختلف مثقفوا السلطة عن نوع مثقفينا هؤلاء الذين أصموا آذاننا وهم يتغنون عن العمال والكادحين ؟ عن الداموس وظلماته ؟ لطالما غنوا للثورة للحرية ولقيم العدل . هل ماتت فيهم هذه القيم النبيلة ؟ أم حوصروا وسط المدينة ولم يعد يسمع لهم صوتا ؟ فحتى وان كان الأمر كذلك فالمثقفون والمبدعون هم ورثة الأنبياء لابد وان ينشروا رسالتهم في كل مكان وزمان . في كل بقعة من أرضنا العطشى للحرية . في كل بيت ومنزل يئن تحت سقفه الجياع والمحرومين . فأين مثقفونا من منزلة طاهر الحداد وأبو القاسم الشابي الذين استجابوا لنداء الواجب الوطني في الدفاع عن الشعب . هم الذين كانوا بالأمس فقط يتغنون بقصائدهم ونصوصهم التي تؤكد على النضال في سبيل الحق والحرية . هل نسي مثقفونا أو تناسوا أن الحق يعلو ولا يعلى عليه ؟ أليس هم من علمونا أن درب الحرية والتحرر شاق؟ أليس من حق أهلنا في الرديف والمظيلة وأم العرائس والمتلوي عليهم أن يتضامنوا معهم ولو بقلوبهم وهو اضعف الإيمان ؟ وفي الختام نردد كما قال أبو القاسم الشابي : إذا الشعب يوما أراد الحياة ..... فلا بد آن يستجيب القدر ولا بد للظلم أن ينجلي..... ولا بد للقيد أن ينكسر 2008النفطي حولة : 6 ماي المصدر بريد الفجرنيوز