الجزائر-عاد الهدوء ليعم كافة شوارع وأزقة مدينة بريان بولاية غردايةجنوبالجزائر، بعد يومين من الأحداث الدامية التي أسفرت عن مقتل شخصين وجرح العشرات، وتخريب وإحراق العديد من المنازل والمحلات التجارية والمركبات وقام بهذه الأعمال شباب ملثمون يرجح . أنهم ينتمون لجماعات متشددة صغيرة تنتمي إلى كل من طائفة "الإباضية" المتمركزة في بريان وإلى باقي سكان المدينة الذين يدينون بالمذهب المالكي، بحسب ترجيحات مصادر أمنية جزائرية. وساهم في عودة هذا الهدوء التدخل الأمني السريع والمكثف لاحتواء أحداث العنف، بجانب مبادرة علماء المذهبين المالكي – السائد بالجزائر – والإباضي – المنتشر في بريان – لإقامة صلاة جامعة تعبيرا عن الوحدة بينهما والرغبة في تجاوز أي خلافات على الأرض. ولم يعرف بعد سبب اندلاع المواجهات الدامية، ولكن عدد من أهالي المدينة من الجانبين أجمعوا على أن أسبابا "تافهة" عادة ما تشعل المواجهات بين الجانين، وليس "دوافع مذهبية"، وإن اقروا بظهور "حساسيات" من وقت لآخر بين الجانبين. وذكر عدد منهم بمواجهات مماثلة دامية بين الجانبين وقعت قبل نحو شهرين يوم المولد النبوي الشريف؛ إثر تبادل صبية ينتمون للمذهبين المالكي والإباضي إلقاء الألعاب النارية، وأسفرت تلك المواجهات آنذاك عن مقتل شاب وجرح العشرات، فضلا عن التخريب الذي طال الممتلكات. وعادت مظاهر الحياة تدريجيا إلى بريان بعد تدخل قوات الأمن بكثافة ونجاحها في بسط كامل سيطرتها على كافة أرجاء المدينة في وقت وجيز؛ مما حال دون استمرار أعمال العنف التي كان مرشحة للتفاقم. وحتى ظهر اليوم الأربعاء، تمكنت عناصر الأمن - بحسب مصادر مطلعة بالمدينة- من إلقاء القبض على أكثر من 30 شابا من الجانبين، وتم تقديمهم للتحقيق من أجل كشف المزيد من خلفيات هذه الأحداث المأساوية. وصرح مصدر أمني لصحيفة "الشروق اليومي" الجزائرية بأن "الوضع بات تحت السيطرة، ولم تسجل أية مواجهات أو عمليات تخريب جديدة". لغز "الملثمين" أهم ما ميز مواجهات الأسبوع الجاري كان ظهور مجموعات من الشباب "الملثم" زرعوا الرعب في نفوس أهالي بريان، وأقدموا على إحراق العديد من المنازل والمتاجر والسيارات. ودفعت هذه الأحداث أيضا بأزيد من 200 عائلة إلى هجران بيوتها؛ مخافة أن تنالها أيدي الشباب "الملثم". وصرح وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني لوسائل الإعلام بأن "الأحداث الأخيرة مدبرة على مستوى الجماعات الشبابية الصغيرة التي كان عناصرها ملثمين، والتي مارست العنف في الأحياء"، مشيرا إلى أن "التحقيقات ستكشف هوية الملثمين الذين عادوا إلى إشعال نار الفتنة وإحداث الشغب في شوارع بريان". وأردف زرهوني قائلا إن هذه "الوضعية استلزمت سرعة اتخاذ إجراءات أمنية قبل إجراء تحقيقات في خلفيات الواقعة والأطراف التي حركتها". صلاة جامعة وفي وقت أرجعت فيه بعض المصادر المطلعة داخل بريان نشوب الموجة الجديدة من العنف إلى أسباب مذهبية أدت إلى هذا "التطاحن " بين الإباضيين والمالكيين، أبى وجهاء المدينة من المذهبين إلا دحض هذه الرؤية من خلال أدائهم للصلاة سويا. فقد أدى سكان بريان من الإباضيين والمالكيين صلاة ظهر الثلاثاء 20-5-2008 في جماعة واحدة بمسجد سيدي سماحي بوسط المدينة، داعين بعضهم البعض إلى المداومة على الصلاة سويا، مع إقامة جسور للحوار من أجل اقتلاع جذور الأزمة. وفي تعليقها على هذه الصلاة، قالت صحيفة "النهار الجديد" الجزائرية إن "هذه الوقفة التاريخية والاجتماع تحت سقف واحد بين ساكني بريان تؤكد ما ذهب إليه علماء وفقهاء المذهبين من أن الأحداث الأخيرة ليس لها أي علاقة بالمذاهب، بل هناك أسباب خفية لم يستطع أحد حتى الآن فك رموزها". بدوره، أكد النائب البرلماني أبو بكر صالح من حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية، والذي ينحدر من ولاية غرداية، أن "ما يحدث في الولاية ليس صراعا بين إباضيين ومالكيين، بل صراع مصالح، و أئمة المذهبين أبرياء من هذه الفتنة". ودعت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في بيان لها وقعه رئيسها الشيخ عبد الرحمن شيبان "عقلاء وأعيان مدينة بريان من الإخوة الإباضيين والمالكيين إلى تنقية الأجواء وإصلاح ذات البين". كم دعت "الشباب خاصة إلى الابتعاد عن الدعوات الضالة والأعمال الطائشة والتصرفات الاستفزازية التي تجلب سخط الله، وتؤجج الفتنة بين المسلمين وتثلج صدور الأعداء والحاقدين والمتآمرين على استقرار الوطن". ويبلغ تعداد مدينة بريان، وهي من كبريات مدن ولاية غرداية، حوالي 40 ألف نسمة، منقسمين بين مالكية وإباضية، وتربط بينهم علاقات تجارية وعائلية منذ زمن بعيد . وينتشر الإباضيون منذ عدة قرون في غرداية على عكس بقية ولايات الجزائر، حيث يبقى تواجدهم فيها محدودا جدا، وينحصر في بعض العائلات المعروفة بممارسة التجارة، وعادة ما يلجأ بعض المنتسبين للمذهب الإباضي للصلاة بمفردهم في مساجد خاصة بهم. .وحتى الآن لا تزال شبهة "الخوارج" تلاحق الإباضيين في الجزائر؛ وهو ما يثير لديهم حساسية كبيرة تجعلهم يردون بشكل عنيف على من يرميهم بهذا الأمر