التقرير الذى أصدره الإتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب فى مؤتمره الذى أقيم مؤخرا فى تونس ووصف حالة الحريات والتعبير عن الرأى بالوضع "المأساوي" لم يكن الأول ولن يكون بالطبع الأخير. فالجدل حول حرية الرأي والتعبير لاسيما فى النشر ، أصبح من أهم سمات العصر الحالى على الرغم من التقدم التكنولوجى والثورة المعلوماتية التى إجتاحت العالم فى الآونة الأخيرة كما لم تعد اجراءات القمع عربية فقط. وتشير تقارير الإدانة لقمع حرية الرأى و التعبير سواء فى الصحافة أو النشر الأدبي ، ان قمع الحقائق ووجهات النظر الاخرى اصبحت احد علامات العصر الحالى ، وإذا كان الإتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب وصف حرية التعبير فى العالم العربى ب"المأساوية" ، فإن هناك تقارير أخرى إتهمت دول ينظر اليها معظم مثقفى العالم على انها قلعة للحرية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا والمانيا وحتى الدنمارك تسببت احدى صحفها فى حالة غضب اسلامية بعد نشرها رسوما مسيئة للرسول لديها قوانيين تحافظ تمنع من ابداء الرأى فى عدد من القضايا. اطلالة حول حريات التعبير العالمية: فهناك في ألمانيا كتاب "كفاحي" لهتلر يحظر بيعه أو شراؤه أو طباعته داخل الحدود الألمانية، كما تحظر طباعته أو توزيع أي مقالات أو كتب مؤيدة للنازية بأي شكل من الأشكال، بل وتحظر حتى الهتافات النازية ولو على سبيل المزاح، وهذا الحظر هو سبب المشكلة التي تعرض لها لاعب الكرة المصرى (هانى رمزى) في ألمانيا حين قام بإلقاء التحية النازية المشهورة على سبيل المزاح في إحدى الحفلات. وعلى سبيل المثال ايضا ، الناشر الألماني الذي نشر الترجمة الألمانية للكتاب الأمريكي "العين بالعين " المنشورة عام 1993، قام بسحب وتدمير كل نسخ الطبعة الألمانية من الأسواق تجنباً للوقوع تحت طائلة القانون أو إثارة غضب الرأي العام، وذلك لأن الكتاب يزعم قصّد اختيار اليهود للقيام بالأعمال البوليسية السرية في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية. ويشرع القانون النمساوى حبس كل من ينكر وجود غرف الغاز التي أقامها النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية، عام 1992. ويحظر القانون الدانمركي أي تهديد أو إهانة من شأن أي إنسان بصورة علنية ولو كان شاذاً جنسياً، وبسبب ذلك القانون تعرضت إمرأة ومحرر صحيفة لمحاولات تقديمهما للمحاكمة، لأن المرأة كتبت خطابا للجريدة تصف فيها الشذوذ الجنسي بأنة "أسوأ أنواع الزنا". وفى اليابان نشرت مجلة "ماركوبولو" في عددها الصادر فبراير 1995 مقالاً يدّعي عرض الحقيقة التاريخية الجديدة، ويوضح أن غرف الغاز التي أقيمت في الحرب العالمية الثانية ليس لها أساس تاريخيّ موثق ، وقد أدّى المقال إلى ردود فعل عنيفة وسريعة، حيث قامت المؤسسات الصناعية الكبرى بإلغاء عقود الدعاية مع المجلة احتجاجاً على المقال، مما أدى بناشر المجلة إلى سحب كل أعداد المجلة من الأسواق وفصل كل أعضاء تحرير المجلة، بل وأغلق المجلة نفسها نهائيا. لكن فى بريطانيا لا يزال العمل بالقانون الذي يمنع سب المقدسات "BIASPHEMY LAW" في إنجلترا ساري ، فحينما أعلن مخرج دنمركي إعتزامه إخراج فيلم في إنجلترا عن "الحياة الجنسية" للمسيح، أدى ذلك إلى موجة غضب عارمة في المؤسسات الدينية الأوربية وعلى رأسها الفاتيكان وأسقفية كانتربرى، وقام رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت (جيمس كالاهان) بالتحذير من أن أي محاولة لإخراج مثل ذلك الفيلم في إنجلترا سوف تكون عرضة للمحاكمة تحت طائلة قانون سب المقدسات، مما أثنى المخرج ولم يتم إنتاج الفيلم. وفي عام 1988 بعد نشر كتاب "آيات شيطانية"، حاول المسلمون في بريطانيا إستخدام قانون حظر سب المقدسات ضد المؤلف (سلمان رشدي) لكنهم فشلوا في ذلك، لأن القانون الذى يعاقب على سب المقدسات يعاقب على سب المقدسات "المسيحية فقط" ، وبالتالي فإن (سلمان رشدي) لم يكن خارجا عن أية قوانين بريطانية حين أهان المقدسات الإسلامية. وأقر مجلس الشعب الفرنسي عام 1990 قانون "فابيوس جيسو" الذي يحظر مجرد مناقشة حقيقة وقوع الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية. تم تغريم "برنارد لويس" الأستاذ بجامعة برنستون الأمريكية عام 1995 مبلغا قدرة 10 آاف فرنك فرنسي (أي ما يقارب 2062 دولارا أمريكيا)، لأنة أنكر أن ألأرمن تعرضوا لإبادة جماعيّة على يد الدولة العثمانية في بداية هذا القرن، فهو يؤكد أن كثيرا من الأرمن قد لقوا حتفهم بسبب "المرض أو الجوع أو الإرهاق أو البرد". وقد أدت تصريحات لويس هذه إلى عاصفة احتجاج من قبل الجالية الأرمنية في باريس، فقد قام 30 أستاذ جامعيا بكتابة خطاب مفتوح يتهمون فية لويس "بخيانة الحقيقة وإهانة ضحايا الوحشية التركية".. وقد حاولت الجالية الأرمينية في البداية تقديم لويس لمحكمة الجنايات طبقا لقانون جيسو الصادر 1990، ولكنها علمت فيما بعد أن هذا القانون خاص فقط بإنكار الهولوكوست الذي حدث لليهود، ولا يمكن تطبيقه بخصوص أي جماعية أخرى. وفي أغسطس 1995 قال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية الفرنسية ان السلطات الفرنسية منعت دخول كتاب أصدرته "لجنة الجزائريين الأحرار" بسويسرا إلى الأرضي الفرنسية، بحجة أن توزيعه سوف يسبب مشاكل للنظام العام في فرنسا، ولأن "لهجة الكتاب معادية لفرنسا" وحتى سويسرا منعت كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" من التداول فى مقاطعة دي تور , وحكمت المحكمة على ناشره بالسجن 4 أشهر. وكان للولايات المتحدة النصيب الاكبر فى مجموعة الأفلام الوثائقية الممنوعة من العرض ، والتي قام بإعدادها الصحفي البريطاني البارز د. (روبرت فيسك)، لأنها أثارت غضب يهود الولاياتالمتحدة، والذي هدد شبكة التليفزيون بسحب الإعلانات منها. وإتُهمت إسرائيل بأنها السبب الرئيسيّ وراء نقمة المسلمين على الغرب ، والجدير بالذكر هنا أن ننوّه إلى أن روبرت فيسك قد حصل على جائزة الصحافة البريطانية لعام 1995 كأحسن صحفي بريطانيّ قادر على عرض وتحليل الأخبار السياسية الدولية. وفى عام 1972 بعد طبع أحد كتب العالم الأمريكي الشهير (نوم تشومسكي) الذي تصفه بعض الصحف كصحيفة "النيويورك تايمز" بأنه أهم مفكر في العالم حاليا ، علمت الشركة المالكة لدار النشر التي قامت بنشر الكتاب بما فى محتواه، والذي لم يرق لأعضاء مجلس إدارة الشركة، فقاموا بإيقاف توزيع الكتاب وسحبه من الأسواق وتدميره. ومن المعلوم أن شبكات التليفزيون الأمريكية قلما تتجرأ على استضافة (نوم تشومسكي)، وذلك بسبب آرائه التي دائما ما تزعج القادة والساسة الأمريكيين والإسرائيليين. وقام رئيس مجلس النواب الأمريكي (نيوت جنجرييتش) بفصل مؤرخة تعمل بالمجلس، حين علم أنها سبق أن قالت "وجهة نظر النازيين بصرف النظر عن عدم شعبيتها لا تزال وجهة نظر، ولا تأخذ حقها في التعبير". ولم يستطع المؤلف (جورج جيلبرت) عام 1986 أن يجد ناشرا ليعيد طباعة كتابه "الانتحار الجنسي"، على الرغم من أن كتب جيلبرت المنشورة في أوائل الثمانينيات قد تصدّرت قوائم المبيعات العالية. والسبب في إعراض الناشرين هو الاحتجاج الصاخب الذي قامت به رائدات حركة تحرير المرأة ضده، لأن "اختلافات الرجل عن المرأة لا ينبغي حتى أن تدرس" كما قالت إحداهن في مقابلة عرضت مؤخرا على شبكة ABC الأمريكية. وعلى سبيل المثال ايضا فيلم مايكل مور "فهرنهايت 11/9" الذى ينتقد سياسة أمريكا في غزو العراق، والذي يعد نقدا من الممكن أن يثير غضب الجماهير وقد تم رفض عرضه فى عدد من دول العالم. وكانت الشركة الوطنية للسينما بالكويت التي تملك جميع دور العرض قد تم رفض طلبها في الحصول على ترخيص لعرض فيلم "فهرنهايت 11/9" من وزارة المعلومات الكويتية بالرغم من أن نفس الفيلم قد عُرض لعدة أسابيع وحقق نجاحا جماهيريا بدولتي الإمارات ولبنان. كما عرضته كل من قطر والبحرين وعمان وتتداول الجماهير نسخ غير قانونية منه في العديد من دول المنطقة. وكان الفيلم الذي فاز بجائزة مهرجان كان السينمائي يعد أول فيلم تسجيلي يحقق إيرادات تبلغ 100 مليون دولار في أمريكا الشمالية، كما تم عرضه في دول أخرى بالشرق الأوسط. اما فرنسا ، فقد حثتها منظمة العفو الدولية على حماية حرية التعبير وسيطر القلق العميق على منظمة العفو لأن الجمعية الوطنية الفرنسية أقرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2006، مشروع قانون يجرِّم التشكيك في أن مجازر الأرمن التي وقعت في عهد الامبراطورية العثمانية في العام 1915 تشكل جريمة إبادة جماعية. وتعتقد منظمة العفو الدولية أن مشروع القانون هذا يشكل تهديداً خطيراً للحق في حرية التعبير، إذ أصبح المشروع قانوناً، إن الذين يعارضونه يمكن أن يواجهوا حكماً بالسجن يصل إلى 5 سنوات وغرامة تصل الى 45000 يورو (56,400 دولار). نشأة حرية الرأى والتعبير: ترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي و التعبير إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة ، بعد الثورة أصدر البرلمان البريطاني قانون "حرية الكلام في البرلمان" ، و بعد عقود من الصراع تم إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789 عقب الثورة الفرنسية . وكانت هناك محاولات في الولاياتالمتحدة في نفس الفترة الزمنية لجعل حرية الرأي و التعبير حقا أساسيا لكنها لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها لعامي 1776 و 1778 من حق حرية الرأي و التعبير . حرية الرأى فى القرن ال21: اعتبرها الكثيرون "البلاغ الرقم واحد" لحماية حرية الإعلام والتعبير، يؤكد الأمريكي روبرت ماكنزي وجود ممارسات عشوائية مقلقة هدفها استغلال الحريات الإعلامية واستخدامها لخدمة أفكار ومصالح الشركات الضخمة، والمصالح المالية الكبيرة، والمتنفذين السياسيين في السلطة. فهؤلاء الذين يتمسكون بالقرار السياسي والاقتصادي ممن يمتلكون هذه المصالح، جاهزون ليل نهار للتصدي، ولديهم آلاف المنابر الصحافية والإعلامية والسياسية والإذاعية والتليفزيونية التي يستخدمونها تحت شعار الإعلاء من شأن الحريات الإعلامية والديمقراطية. حرية التعبير ام الاساءة للمعتقدات الدينية: حدثت في العصر الحديث سلسلة من الأحداث التي خلقت جدلا فلسفيا بين حق حرية الرأي و التعبير وواجب احترام المعتقدات الدينية. فبسبب الهجرة من الشرق إلى الدول الغربية واختلاط الثقافات والأديان ووسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت شهد العالم موجة جديدة من الجدل حول تعريف الإساءة أو الضرر لاسيما على الرموز الدينية حيث شهد العالم في أواخر 2005 وبدايات 2006 ضجة سياسية وإعلامية ودينية واقتصادية حول ما اعتبره المسلمون الإساءة للنبي محمد واعتبره العالم الغربي وسيلة في حرية الرأي والتعبير. بدأت مؤخرا حركات في أوروبا تطالب بتعديلات في القوانين القديمة المتعلقة بالإساءة إلى الرموز الدينية التي وان وجدت في القوانين الأوروبية ولكنها نادرا ما تطبق في الوقت الحالي ولكن مع انتشار الهجرة إلى أوروبا من الدول الغير أوروبية وجدت الكثير من الدول في أوروبا نفسها في مواقف قانونية حرجة لوجود بنود في قوانينها الجنائية تجرم المسيئين إلى الرموز الدينية ووجود بنود أخرى تسمح بحرية الرأي والتعبير وهذه القوانين التي تعتبر الإساءة للدين عملا مخالفا للقوانين لا تزال موجودة على سبيل المثال في البندين 188 و 189 من القانون الجنائي في النمسا ووالبند 10 من القانون الجنائي في فنلندا والبند 166 من القانون الجنائي في ألمانيا والبند 147 من القانون الجنائي في هولندا والبند 525 في القانون الجنائي في اسبانيا وبنود مشابهة في قوانين إيطاليا والمملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة.