برلين: فجر تقرير سري أفرجت عنه الحكومة الألمانية مؤخرا، مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف عن ضلوع إيران في تفجير طائرة ركاب أمريكية سنة 1988 فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية، وهي الحادثة التي اشتهرت فيما بعد ب "قضية لوكربي" واتهمت ليبيا بالتورط فيها. وتم تقديم هذه الوثيقة الألمانية أثناء جلسة استئناف الحكم بالسجن مدى الحياة الصادر بحق المواطن الليبي عبد الباسط على محمد المقرحي، بعد إدانته بالتخطيط لتفجير طائرة شركة (بان أميركان) رقم 103 فوق بلدة لوكربي باسكتلندا. ويفيد التقرير بأن جهاز توقيت الانفجار الذي استعمل في الهجوم تم تصدريه لبلدان أخرى غير ليبيا، لافتا النظر إلى أنه تم تفجير القنبلة بطريقة مماثلة لتلك التي تنتهجها القيادة العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يترأسها أحمد جبريل وتحظى بتمويل إيراني، وتتخذ من سوريا مقرا لها. وتعليقا على هذا الأمر قال أحد الدبلوماسيين المتابعين لمسار القضية لصحيفة "الشرق" القطرية إن هذه المستجدات قد تؤدي إلى محاكمة جديدة. كما يعتقد أن هذه الوثيقة التي تمت إماطة اللثام عنها مؤخرا، قد قوضت تصريحات شاهد رئيس النيابة الذي ساهم في إدانة المقرحي. حيث أفاد المواطن المالطي توني غوسي بأنه باع ملابس للمقرحي وضعت في الحقيبة التي انفجرت في طائرة لوكربي وخلفت وراءها 270 قتيلا من الركاب، إضافة إلى طاقم الطائرة. وكان دفاع المتهم الليبي قد أكد أن غوسي حصل على رشوة بقيمة مليوني دولار أمريكي نظير شهادته الزائفة. ويشار إلى أن هذا الإثبات الجديد قدم كجزء من عريضة استئنافية، بتوصية من لجنة مراجعة القضايا الجنائية الاسكتلندية، حيث استمعت محكمة -استئناف اسكتلندا إلى مرافعة محامي المتهم إليش أنجوليني، وهو يقول إن التقرير الألماني يفيد بأن قنبلة السيمتيكس (وهي قنبلة من صنع تشيكي) استعملت في تفجير طائرة البانام. ويقال إن المادة المتفجرة قد تم إخفاؤها داخل جهاز تسجيل، وهي طريقة كثير ما تستعملها القيادة العامة للقوات الشعبية لتحرير فلسطين المدعومة من قبل طهران. وفي سنة 1996، كان المنشق الإيراني الهارب أبو القاسم مصباحي قد أدعى بأن إيران هي من أمرت بتفجير طائرة البانام، إذ زود أجهزة الاستخبارات الألمانية بما أعتبرت معلومات ذات مصداقية عالية حول البرامج العسكرية في طهران. إضافة إلى معلومات مكنتهم من حسم العديد من الجرائم الإرهابية، ولكن الرجل لم يحظ بالثقة في المملكة المتحدة عندما أدرج اسمه كشاهد محتمل في محاكمة المقرحي وشريكه في التهمة الأمين خليفة افحيمة، الذي تمت تبرئته. وذكرت تقارير أن الباعث، في حالة صحة الفرضية، على ضلوع طهران بهذه الحادثة هو الانتقام والثأر من الولاياتالمتحدة لإسقاطها طائرة الركاب المدنية الإيرانية من قبل مدمرة أمريكية في منطقة الخليج، حيث يقال إن طهران كلفت مجموعة أحمد جبريل بتنفيذ العملية مقابل 11 مليون دولار. أضاف، أن الذي يعزز هذه الفرضية هو أن جهاز التفجير (إم.إس.تي. 13- إس) المستخدم في تفجير القنبلة صنع من قبل شركة (ميبو) السويسرية، وكان أحد ملاكها (إدوين بولييه) قد صرح بكل وضوح بأن أجهزة التفجير تم توريدها لدول أخرى غير ليبيا، بما فيها مؤسسة الاستخبارات الألمانية الشرقية (الشتازي). وفي شهر أكتوبر 1988، أي قبل شهرين من حادث لوكربي، قامت الشرطة السرية الألمانية بالإغارة على خلية سرية للقيادة العامة للجبهة الشعبية كانت تعمل في منطقة (توسّ) بألمانيا، حيث عثرت على أربعة من هذه الأجهزة. أما صانع المتفجرات الأردني مروان خريصات فقد أخبر ضباطا ألمانيا بأن هنالك جهازا خامسا أخذ من الشقة التي كان يعمل فيها، من قبل قائد الخلية المدعو حافظ دلقموني قبل حدوث الغارة على الخلية. ويشار إلى أن هذا الجهاز الخامس لم يعثر عليه أبدا، وهذا ما يجعل خريصات نفسه يعتقد بأن هذا الجهاز هو الذي أسقط الطائرة فوق لوكربي. وكانت تقارير صحافية كشفت فى الثلاثين من مايو/أيار الماضى أن كبير القضاة فى اسكتلندا طلب من الحكومة البريطانية تزويده بوثيقتين سريتين تتعلقان بتفجير "بان أمريكان" فوق بلدة لوكربى الاسكتلندية اعتُبرتا حاسمتين فى دعوى الإستئناف التى رفعها المقرحى ضد إدانته بالتورط فى تفجير الطائرة. لكن المحامى العام اللورد ديفدسون، الذى مثل الحكومة البريطانية فى جلسات الإستماع لقضية الإستئناف التى انتهت الخميس الماضي، أصر على أن الكشف عن الوثيقتين "سيُلحق ضرراً حقيقياً بالأمن القومى للمملكة المتحدة وعلاقتها الدولية". وخسر المقرحى من قبل إستئنافاً ضد إدانته، لكنه حصل على إستئناف آخر من لجنة مراجعة القضايا الجنائية الاسكتلندية على أرضية وقوعه ضحية إساءة تطبيق أحكام العدالة، واكتشفت اللجنة لاحقاً وثيقة يُعتقد بأنها تحتوى على معلومات عن جهاز توقيت قنبلة طائرة لوكربى والتى اعتُبرت لاحقاً عنصراً محورياً فى دعوى استئناف المقرحي. لكن الحكومة البريطانية رفضت تسليم الوثيقة ووثيقة أخرى لفريق الدفاع عن المقرحى لأسباب تتعلق بالأمن القومى للمملكة المتحدة والذى يسعى للحصول على مداخل إلى الوثيقتين لإستخدامهما كدليل أمام محكمة الإستئناف لتبرئته.