مشروع المالية 2026: اقتطاعات جديدة لدعم الضمان الاجتماعي    عاجل: 31 أكتوبر 2025 آخر أجل للانتفاع بتخفيض 30٪ بالسلسلة ''ن ت''    قريبا انطلاق دراسة مشروع حماية مدينة نصر الله من الفيضانات    تونس تترشح للدور النهائي لكأس العالم للروبوتات القتالية في شهر ديسمبر المقبل    سرقة غير مسبوقة في اللوفر... لصوص يهربوا بمجوهرات تاريخية    لحماية مليشيا أبو شباب الاحتلال يقصف رفح ودعوات لاستئناف القتال    ضربة موجعة للمنتخب الجزائري: أمين غويري يضيع فرصة المشاركة في كأس أفريقيا 2025    يتقدمهم البطل العالمي أحمد الجوادي: تونس تشارك ب51 رياضيا في دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض من 7 إلى 21 نوفمبر    نقابتا أطباء القطاع الخاص وأطباء الأسنان تؤكدان أن الوضع البيئي في قابس خطير ويستدعى تدخلا عاجلا..    عاجل/ نتنياهو يصدر هذه التعليمات..    المستشفيات عاجزة والمعامل مهترية من السبعينات: الوضع كارثي    البرلمان يَعقدُ جلسة عامّة حول قابس بحضور وزيرَيْن..    رسميا..مدرب جديد لهذا لفريق..#خبر_عاجل    اليوم يا توانسة: الجولة العاشرة من الرابطة المحترفة الأولى ..شوف الوقت والقنوات    يوم مفتوح للتقصّي المُبكّر لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري بمعهد الأعصاب..    عقود التحذيرات انتهت.. رقائق البطاطس تولي آمنة!    تحذير: أمطار رعدية غزيرة وجريان أودية في جنوب تونس وغرب ليبيا    جمعية "تراثنا" تنظم اليوم تظاهرة "خرجة العلم" في نسختها العاشرة بتونس العاصمة    مرسيليا يقتنص صدارة البطولة الفرنسية بفوز كبير على لوهافر    تنبيه صحي: تناول دواء Gripex وFervex مع الدويات هذه...خطر قاتل    4 اختبارات دم ضرورية بعد سن ال 40    إنتر يهزم روما ويشعل سباق قمة البطولة الإيطالية    باكستان وأفغانستان تتفقان على وقف فوري لإطلاق النار    طقس اليوم: سحب أحيانا كثيفة مع أمطار مؤقتا رعدية    الطقس يتبدّل نهار الأحد: شتاء ورعد جايين للشمال والوسط!    عرض موسيقي تكريما للمطربة سلاف يوم 23 اكتوبر الحالي    أريانة : افتتاح الموسم الثقافي 2026/2025    رئيس كولومبيا يتهم واشنطن بانتهاك مجال بلاده البحري وقتل مواطن    "وول ستريت جورنال": سوروس يزيد من توزيع المنح بعد بدء التوترات مع ترامب    "ترامب الملك" يلقي القاذورات على المتظاهرين!    الولايات المتحدة.. موجة احتجاجات جديدة مناهضة لإدارة ترامب    بيع دراجة بابا الفاتيكان في مزاد علني    المحرس.. تلاميذ البكالوريا بمعهد علي بورقيبة دون أستاذ في مادة رئيسية    نفس الوجوه تجتر نفسها .. هل عقرت القنوات التلفزية عن إنجاب المنشطين؟    رابطة الأبطال الإفريقية – الدور التمهيدي الثاني (ذهاب): الترجي الرياضي يقترب من دور المجموعات بانتصار ثمين خارج الديار    صفاقس تستقبل موسم الزيتون ب515 ألف طن .. صابة قياسية.. وتأمين المحصول ب «الدرون»    نابل تختتم الدورة 11 لمهرجان الهريسة .. نكهة وتراث    بعد العثور على جثة خلف مستشفى المنجي سليم ..أسرار جريمة مقتل شاب في المرسى    الرابطة المحترفة الثانية: نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة الخامسة..    ارتفاع مرتقب للاستثمار في الصناعات الكيميائية والغذائية في السداسي الثاني من 2025    مسرحية "جرس" لعاصم بالتوهامي تقرع نواقيس خطر انهيار الإنسانية    زغوان: إحداث 5 مناطق بيولوجية في زراعات ضمن مشروع التنمية والنهوض بالمنظومات الفلاحية    بعد أن شاهد فيلم رُعب: طفل يقتل صديقه بطريقة صادمة!!    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    معهد الرصد الجوي للتوانسة : برشا مطر اليوم و غدوة..!    إمرأة من بين 5 نساء في تونس تُعاني من هذا المرض.. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير الإقتصاد يُشارك في اجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد.. ويجري هذه اللقاءات    عاجل/ فلّاحو هذه الجهة يطالبون بتعويضات..    مشروع قانون المالية 2026: رضا الشكندالي يحذّر من "شرخ خطير" بين الأهداف والسياسات ويعتبر لجوء الدولة للبنك المركزي "مغامرة مالية"    انتاج الكهرباء يرتفع الى موفى اوت المنقضي بنسبة 4 بالمائة    إصدارات: كتاب في تاريخ جهة تطاوين    اليوم: الامطار متواصلة مع انخفاض درجات الحرارة    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    5 عادات تجعل العزل الذاتي مفيدًا لصحتك    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الدين والسياسة تطرف يغير مجرى حياة..:بقلم: ليلاس حتاحت
نشر في الفجر نيوز يوم 01 - 01 - 2008

بين الدين والسياسة تطرف يغير مجرى حياة.. ازدياد الشهية لقصص حول الشرق الأوسط
بقلم: ليلاس حتاحت
استطاع مهرجان القاهرة السينمائي، مع تراكم الوقت والخبرة، خلق هوية تميزه كل عام، دون أن يغفل التوجهات المطروحة سواء في السينما العربية أو الغربية.
فهو يلتفت إلى طرح مجموعة تيمات تندرج الأفلام ضمن إطارها، مما يتيح للمتلقي فرصة المقارنة ورؤية اختلاف الطروح وكيفية معالجتها.
عرض المهرجان في دورته الحادية والثلاثين أفلاماً ذات بعد إنساني حول الحب، والموسيقا، والرقص والحلم... وأخرى عالجت انتهاك الحقوق الإنسانية الذي تمارسه حركات التطرف الدينية والسياسية، باعتبار أن هناك توجه عام حول الأفلام التي تتحدث عن الإرهاب والتطرف الديني والشخصية العربية، خصوصاً أن الشهية لقصص حول الشرق الأوسط ازدادت بعد هجمات 11 أيلول.
لكن إلى أي حد تختلف زاوية الرؤية وتفاصيل هذه القضايا بين من يراها من الخارج، ومن يعايش تفاصيلها في الداخل؟ وأيهما أقدر على معرفة الأثر الحقيقي وانعكاسه على الحياة اليومية؟
يبرز هذا الاختلاف في فيلمين: الأول أمريكي (التملص) للمخرج جافين هود، والثاني باكستاني (بسم الله) من إخراج شعيب منصور.
يحكي الأول قصة رجل (أنور الإبراهيمي) مقيم في أمريكا، مسلم من أصول مصرية، ويعمل مهندساً كيميائياً، يُقبض عليه في مطار واشنطن أثناء عودته من رحلة عمل في جنوب إفريقيا، قبل أن يصل إلى زوجته الأمريكية وطفله، أو بالأحرى يُخطف وتُحذف جميع البيانات التي تثبت دخوله أمريكا، لمجرد اشتباههم أن له علاقة بتنظيم متطرف يقوده (رشيد سليمي) قام بعملية في شمال إفريقيا.
وأكدت الصحف الأمريكية أن أحداث الفيلم مأخوذة عن قصة حقيقية لشاب يدعى ماهر عرار، كندي الجنسية من أصل سوري، توقف في مطار نيويورك عام 2002، فاعتقلته السلطات الأمريكية ونُقل إلى سورية وعُذّب هناك، بعد أن اتهم بعلاقته مع الإرهابيين، لكن لجنة تحقيق كندية برأته وعوضته بما يعادل عشرة ملايين دولار.
وبما أن الفيلم يطرح إشكاليات العربي والمسلم تحديداً في المجتمع الأمريكي وما يمكن أن يتعرض له من اتهامات، وإن كانت السلطة على علم بحسن سلوكه، كما بطل الفيلم الذي أدى دوره الممثل عمر متولي، الهولندي الجنسية من أصل مصري.
تعذيب بالإنابة
بالتالي كانت المساحة الأكبر في الفيلم للجانب الأمريكي، سياسته و وجهات نظره، وآلية عمله، خصوصاً بعد أحداث، والخوف المسيطر وتبرير أي سلوك يعارض الحرية بحجة مكافحة الإرهاب وحماية أمن المواطنين ليس في أمريكا فقط بل في العالم بأسره، وللتملص من ممارساتها، تحمّل العبء لغيرها كما قالت مسؤولة الاستخبارات الأمريكية (ميريل ستريب): (لا تعذب أحداً بل تترك المهمة لمن يجيدها) أي (التعذيب بالإنابة)، وهي سياسة أمريكية أكدها الفيلم، حيث تقوم دولة عربية بتعذيب المشتبه فيهم لحساب الولايات المتحدة الأمريكية.
بالتالي يجري التعذيب في دولة شمال إفريقية، وعلى أيدٍ عربية وبطرق وحشية، إذ استعرض الفيلم مجموعة من أساليب التعذيب، ورغم عدم وجود دليل ضد المعتقل لم ييأس مسؤول الاستخبارات (عباسي الفوالي)، في حين يتعاطف الأمريكي المشرف على التحقيق ويقوم بتهريبه في النهاية ليعود إلى عائلته.
رغم محاولة الفيلم السخرية من السلطات الأمريكية وانتقادها، إلا أن المنقذ كان أمريكياً. وصحيح أنه ركز على السياسة الأمريكية ودوافعها ومبرراتها وآلية الاستجواب والاختطاف، لكنه أظهر وجهة النظر الأخرى من خلال الزوجة الأمريكية التي تسعى جاهدة لإنقاذ زوجها، ومناصري فكرة الحرية والعدالة والمدافعين عنها، أي فصل الفيلم بين سياسة السلطة والشعب.
وأكد الفكرة المطروحة في أغلب الأفلام الأمريكية، وهي استهداف أمريكا الدائم من الخارج (حتى ولو من الفضاء الخارجي)، فكيف إن كانت مستهدفة من الجماعات الدينية؟
جانب آخر طرحه الفيلم، مستعرضاً أسباب التطرف في الدول العربية، سواء من ضغط السلطة وممارساتها، أم بدافع الجهاد ضد العدو الأجنبي... إلا أن صورة المتطرفين ودوافعهم كانت سطحية، تشبه الصورة المعممة المتداولة والمباشرة... نراهم في خُطَب واجتماعات سريعة تؤكد عدم دراية المخرج وكاتب السيناريو بطبيعة هذا المجتمع وحياته والبيئة المحيطة، والدليل على ذلك أنه لا يمكن للمتلقي في بداية الفيلم التكهن بالبلد العربي الذي يجري التصوير فيه، لا من اللهجة ولا المكان أو اللباس، لنكتشف فيما بعد وعلى لسان أحدهم أنها تونس. على عكس تصويره للتفاصيل الأمريكية ينطلق من داخلها بينما ينظر من الخارج إلى البلدان العربية وإشكالياتها، غير قادر على الولوج فيها.
في حين استطاع الفيلم الباكستاني (بسم الله) الانطلاق من واقعه ومعالجة مسألة التطرف في العمق، فقد استعرضها بشكل مقنع وأكثر واقعية، ولم يدخل في المقابل إلى المجتمع الأمريكي إلا من خلال منصور الذي أتى من باكستان إلى شيكاغو ليكمل دراسة الموسيقا، تزوج من زميلة له أمريكية استطاع معها مزج الموسيقا الغربية بالشرقية وأبدعا لحناً ساحراً، لكن الواقع أقسى على ضحايا التطرف السياسي وليس فقط الديني، إذ نرى بعض مشاهد الاستجواب والتعذيب الذي تعرض له، بمجرد أن اشتبهوا فيه كإرهابي بعد أحداث 11 أيلول، ومن شدة الضغط تحول من محب لأمريكا إلى محب لأسامة بن لادن... وانتهى به الأمر في مصح عقلي.
تدور أحداث الفيلم في ثلاثة أماكن (الباكستان، شيكاغو، لندن) حول شقيقين (منصور وسرمد) يعشقان الموسيقا ويشكلان معاً فرقة صغيرة نالت عدة جوائز، إلى أن يتورط سرمد مع مولانا (الطاهري) الذي حوّله إلى متطرف، وعبأه للجهاد، فاضطر دفاعاً عن حياته في المعركة أن يقتل رجلاً نطق بالشهادتين، فأي إسلام يدعون إليه؟
أما العم الذي عاش في لندن، فقد قرر فجأة نتيجة تهديد الجالية الباكستانية له، حول طريقة تربيته لابنته واعتباره عاراً على المسلمين، أن يعود بها إلى باكستان خوفاً من زواجها بمسيحي، لذا يخدعها ويزوجها قسراً من ابن عمها سرمد الذي يحتجزها سنتين في قرية معزولة على الحدود الباكستانية- الأفغانية، ويغتصبها لإرضاخها وإنجاب الأولاد منها.
وكل ذلك بتوجيه ومباركة الشيخ الطاهري الذي يؤكد ضرورة التسليم بفتاويه، ابتداءً من تحريم الموسيقا إلى الزواج واللباس...وصولاً إلى مفهوم الجهاد. وعدم التفكير بالعقل كثيراً فهو يضعف الجانب الروحي، فماذا لو كانت حجة البوذي أو المسيحي أكثر منطقية هل ينجرف المسلم باتجاههم ويعتنق دينهم؟ تلك كانت حجة الشيخ في وجوب التسليم دون نقاش.
بين الاعتدال والتطرف
استطاع الفيلم تصوير أثر التطرف الديني والسياسي على الأفراد وحياتهم بأبسط أشكالها وأعقدها، كما صوّر الصراع بين المعتدلين والمتطرفين دينياً، أملاً في إيصال صوت المعتدلين الذي لا يسمع عادة مع أنهم يشكلون غالبية مجتمعاتنا، ربما لعدم جرأتهم على انتقاد المتطرفين وتسمية ممارساتهم إرهاباً، باعتبارهم يعملون بإسم الله، ولأن المعتدلين غير مؤطرين سياسياً كما الجماعات الدينية، التي تجد في سرمد وأمثاله أرضية خصبة لنمو فكرهم الديني في ظل غياب الفكر التقدمي التنويري، كبديل عمّا تطرحه مثل هذه الحركات السياسية التي تتخذ الدين ظاهراً لها.
ورغم طروح الفيلم إلا أنه لم يثر حفيظة المسلمين، إذ انطلق من الإسلام في حججه، من خلال شيخ متنور صحح مجموعة من المفاهيم الخاطئة والشائعة، فكيف تحرّم الموسيقا مثلاً في حين جعلها الله معجزة أحد أنبيائه (داود)؟ ومن أمر بقتل معتنقي الأديان الأخرى في حين حلّل الله الزواج بنسائهن؟ ومن يفتي بطرد المسلمة من الإسلام إن تزوجت بمسيحي فهل يطرد السارق مثلاً من الإسلام إن ارتكب أمراُ لايشجع الله عليه؟ خصوصاً أن الدين خيار وليس بالوراثة. أما مايتعلق بشكل المسلم (لحيته ولباسه..) فهو مرتبط بثقافة البلد والبيئة وليس الدين، وإن كان تشبهاً بصورة المحبوب (الرسول) فهو آخر مراحل العشق وليس أولها، وإلا فهم أشباه لأبي لهب، إذ كان ملتحياً أيضاً. فأي صورة يصنع المتطرفون اليوم؟
لم تستطع شخصيات الفيلم الاندماج مع مافرض عليها، فتغيرت من الداخل ودفعت الثمن غالياً، إلا أن الأمل موجود في نهاية الفيلم والدعوة إلى سماع صوت المعتدلين من خلال المشهد الأخير حين وقف سرمد بعد أن تحرر من حالة الاستلاب وعاد إلى الموسيقا، بمحاذاة أحد أفراد حركة طالبان، يؤذنان معاً في الجامع كلُّ على طريقته وبلباسه.
في حين عادت الأمور إلى مجاريها في فيلم (التملص) وكانت النهاية سعيدة، باعتبار أن المنقذ أمريكي، ومهما جرى فبالإمكان استعادة الحياة والحرية.
تكمن أهمية مثل هذه الأفلام على اختلاف سويتها، أنها تثير جدلاً دينياً وسياسياً وفكرياً.. وتطرح إشكاليات اندماج الشخصية العربية والمسلمة في المجتمع الأمريكي، وانعكاس التطرف بجميع أشكاله على حياة الأفراد وتحويلهم إلى ضحايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.