امرأة فلسطينية تقيم في مخيم البريج في قطاع غزة منذ نكبة شعب فلسطين سنة 1948. أم جبر قاربت الثمانين من عمرها ويتمنى لها الجميع عمراً مديداً يعين الأسرى ويغيظ السجان. قضت تلك الأم الفلسطينية المثابرة والصابرة الكثير من تلك السنوات وهي تتنقل بين السجون والمعتقلات في زيارات لأبناءها الاسرى. في احدى زياراتها لسجن نفحة سنة 1985 حيث كان يعتقل هناك ابنها الاسير المحرر جبر وشاح،تعرفت أم الأسرى على عميد الأسرى العرب الذي كان مر على اعتقاله ستة اعوام. لم يتمكن خلالها من رؤية أو لقاء أي فرد من أفراد عائلته، بما فيهم والدته ووالده. وبقي الحال كذلك الى أن تمكن من رؤيتهم يوم نال حريته بعد ثلاثين سنة صمود وإباء. وبعد سنتين من حرب مدمرة شنها الصهاينة على لبنان ومقاومته التي اسرت جنديين صهاينة لمبادلتهم بسمير ورفاقه.
بعد اللقاء المذكور أصبح سمير الطفل المدلل للأم الفلسطينية القادمة من غزة تحمل آلامها وصبرها وثباتها وصمودها رغماً عن رحلة العذاب من السجن الكبير في قطاع العزة الى السجون الصهيونية حيث الأبناء بالولادة والأبناء بالتبني.
وكانت أم جبر منذ اللقاء المذكور ابلغت سمير بأنه اصبح ابنها الأول وجبر صار ابنها الثاني. وواظبت أم جبر وشاح على زيارة ابنها الفدائي العربي اللبناني سمير القنطار، ككل أم فلسطينية كان لها أسير أو اسيرة في السجون الصهيونية.بقيت تفعل ذلك مدة خمسة عشر عاماً. واستمرت عقب خروج ابنها جبر من السجن . مما أغاظ الاحتلال فحاول منعها من ذلك. ثم في سنة 1999 رفض الاحتلال طلبها لزيارة سمير. لكن أم جبر العظيمة، المجربة، المجاهدة على طريقتها وباسلوبها الأمومي، الفلسطيني الرائع، استمرت ولم تستلم ولم تسلم امرها للاحتلال، بل قامت برفع دعوى قضائية، وأوكلت أمرها للمحامين الذين انتزعوا لها سنة 2000 تصريحاً بزيارة سمير فكان اللقاء من جديد مع صقر بني معروف ، بطل جبل العرب.
تحدثت أم جبر عن سمير للصحافيين حيث قالت : "إني فخورة طيلة 15 عاماً بتعرفي إلى هذا الإنسان الرمز سمير القنطار، عرفته وتبنيته والله العليم الحكيم يعلم ما في القلوب". وأضافت أم جبر أن الاحتلال لم ينل من عزم وارادة وصمود وصبر وصلابة سمير.
أبدت أم جبر اعجابها الكبير بالارادة الصلبة للعميد سمير، وبعزيمته القوية وقناعاته الراسخة التي لم تتبدل ولم تغيرها الزنازين وغياهب السجون والمعتقلات بعد سنوات الاعتقال الطويلة. فقد دفع سمير أجمل سنوات عمره ثمناً لقناعاته النضالية.
جلست أم جبر في دارها ترقب بجلل عودة ابنها الى والدته في عبيه، والى أهله وناسه ووطنه. تجمهرت النسوة من حولها وكذلك فعل الصحافيون، والأسرى المحررين. لم يهدأ لها بال حتى رأت سمير في الجانب اللبناني من الحدود. عندها اطلقت ومعها النسوة المجتمعات صليات رشاشة من الزغاريد. واقيمت الاحتفالات في بيتها الذي سيبقى مفتوحاً لسمير. ووزعت الحلوى والمشروبات ابتهاجاً بعودة الصقر صقراً تهابه الطيور.
الحاجة أم جبر التي سبق لها أن زارت عائلة سمير القنطار في جبل لبنان لم تستطع أن تكون من بين مستقبلي سمير. فالمعابر مغلقة والحصار محكم وغزة ماتزال سجناً كبيراً للأحياء. ولن تكسر قيد السجن سوى المقاومة الحقيقية، الفاعلة والثابتة. ولن يفك أسر الأسرى ولا حصار القطاع سوى المزيد من العمليات النوعية التي تأتي بأسرى آخرين على شاكلة شاليط وغولدسفار والداد. ولن يقم بذلك إلا الرجال الكبار الذين سيأخذون من سمير مثالاً يحتذى به في الجهاد والاستمرارية والصمود والارادة والانتماء للمقاومة.
أم جبر تعيد على مسامع الحاضرين قصصاً من بطولات سمير خلف القضبان وفي الزنازين. وتقول لهم كنت أتمنى هذه اللحظة أن أكون هناك وأعانق سمير واشارك أهله الفرحة بعودته..و أم جبر ستواصل مشوارها المساند والداعم والمدافع عن الاسرى والاسيرات لأن لوعة هذه القضايا لا يعرفها إلا الذين جربوها. فهنيئاً لفلسطين ومقاومتها بهذه الأم العظيمة. ولا بد أن سمير سيجد الوسيلة الأنسب للتواصل مع أمه الفلسطينية، وللتمتع مع أمه اللبنانية في ظل أغلى حرية، طال انتظارها لكنها تحققت رغم انف الاحتلال.