من الواضح أن الوضع الفلسطيني قد دخل مرحلة صعبة من التأزم في ظل المناوشات التي جرت وتجري بين فتح وحماس منذ تفجيرات غزة، وفي حين كانت الاعتقالات الواسعة في صفوف حماس في الضفة الغربية بدعوى الرد على اعتقالات غزة ذات البعد الأمني نوعاً من البلطجة، فإن رد حماس باعتقالات ذات بعد سياسي، إضافة إلى الأمني، كان مرفوضاً كذلك، وإذا اعتقد قادة حماس في القطاع أنهم بذلك ينتصرون لإخوتهم المضطَّهدين في الضفة، فإن الصحيح أنهم يضيفون عليهم المزيد من الأعباء، لاسيَّما حين يأتي ذلك معطوفاً على تهديدات عبثية بحسم عسكري في الضفة يعلم مطلقوها أنها بائسة، أكان من الناحية العملية في ظل الاستباحة الإسرائيلية الكاملة لمناطق الضفة، أم من زاوية المصلحة العامة للقضية الفلسطينية التي لا تزال على حالها قضية بلد وشعب واقع تحت الاحتلال. لقد تمثل منطلق الأزمة في مشاركة حماس في انتخابات سلطة أوسلو المصمَّمة لخدمة الاحتلال، وبدت أكثر وضوحاً في ظل تحول الفعل الفتحاوي بالكامل نحو إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل فوز حماس، مع استغلال خطأ الحسم العسكري في العودة إلى برنامج المفاوضات العبثية، المصرّ بدوره على رفض برنامج المقاومة والمضي قدماً في تنفيذ بنود خريطة الطريق التي تكرس الوضع القائم في الضفة رغم التوسع الاستيطاني واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية. في هذا السياق يحضر الدور، بل التورط المصري، وهو هذه المرة أكثر وضوحاً، وبالطبع في سياق التلكؤ في ترتيب مصالحة تأخذ في الاعتبار مصلحة القضية الفلسطينية. وإذا حاولنا قراءة أسباب الموقف المصري السلبي من حماس، فسنعثر على سببين مهمين: يتمثل الأول في إصرار القاهرة على التعامل مع حماس بوصفها فرعاً للإخوان المسلمين المطاردين في الداخل، أما الثاني فيتمثل في الاستجابة للضغوط الأميركية المصرة بدورها على حصار حماس وعزلها وشطب سائر مستحقات فوزها الانتخابي، في تناغم كامل مع مطالب الفريق المتشدد في سلطة رام الله. تفجيرات غزة كانت جزءا من لعبة إعادة الانفلات الأمني والضغط على حماس لتهبيط سقف مطالبها، ليس فيما خص الحوار مع السلطة فحسب، وإنما أيضاً في سياق التهدئة وملف الجندي الأسير، وقد زودت حماس مصر بأسماء عدد من المتورطين في تلك التفجيرات وأخرى قبلها تم إحباطها، وكثير منهم يتحرك بحرية داخل مصر، لكنها لم تتلقَّ رداً، ولا حاجة للقول إن ذلك شكل من أشكال التواطؤ مع من يقفون خلفه، وهم جماعة دحلان الذين لا يفعلون ذلك في سياق ثأري فقط، وإنما لتحسب وضعهم داخل حركة فتح في سياق إعادة ترتيب بيتها الداخلي. وإذا كان البعض يتحدث عن «اتفاق دوحة» بين حماس وفتح مثل الاتفاق اللبناني، فإن ذلك لا يبدو ممكناً مادام الفتيو المصري حاضراً، ما يعني أن ملف الصراع الداخلي بين الحركتين هو ملف مصري من الناحية العملية، وإذا كانت الضغوط الأميركية عقبة في الطريق، فإنها اليوم أقل وطأة في ظل تخبط إدارة المحافظين الجدد في مستنقعات فشلها من العراق إلى أفغانستان إلى لبنان، فضلاً عن الملف الفلسطيني نفسه إثر شعور الإسرائيليين بالعجز عن اجتياح غزة واضطرارهم إلى تهدئة مذلة بحسب تقديرهم الذي تعكسه صحافتهم ومواقفهم. كل ذلك لا يغير في حقيقة أن حماس تمارس بعض الأخطاء في القطاع، وباتت وطأتها ثقيلة في التعامل مع الوضع الداخلي، الأمر الذي يمكن تفهمه في ظل موقف الطرف الآخر ومحاولات استعادة مسلسل الانفلات الأمني، لكنه يبقى غير مقبول من حركة مجاهدة، الأصل أنها تدرك حقيقة أن التناقض الأساس ينبغي أن يبقى مع الاحتلال، حتى لو ذهب الطرف الآخر بعيداً في استفزازاته وقمعه، مع العلم أن مسلسل القمع والاستفزاز في الضفة لم يتوقف منذ الحسم العسكري. خلاصة القول: إن مسؤولية ما يجري تقع على عاتق مصر، أما حماس فينبغي أن تتذكر أن قطاع غزة لم يكن هو قضيتها، وإنما فلسطين كلها، وتبقى فتح التي ينبغي أن تعود إلى ذاتها كحركة تحرر، لا حزب سلطة بائسة سُرقت منه أغلبيته وتتلخص معركته في السعي لاستعادتها.