وصف مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلجنة حماية الصحفيين جوال كامبانيا أوضاع الصحافة والصحفيين في العالم العربي بالمتردية وانتقد الأنظمة العربية على فرض قيود ضد حرية الرأي واعتقال الصحفيين والمدونين المستقلين. كما أبدى أسفه على معاناة الصحفيين في تونس مشيرا إلى تعرضهم لمضايقات بصورة يومية. وهاجم كامبانيا في حوار مع موقع "آفاق" السلطات السعودية على اعتقالها المدون فؤاد الفرحان بسبب كتابته مقالات نقدية ودفاعه عن آرائه السياسية الممنوع التطرق إليها في السعودية وقال "نعتبر حبسه انتهاك صارخ لحرية التعبير". وتنشط "لجنة حماية الصحفيين" الدولية التي تتخذ من مدينة نيويورك الأميركية مقرا لها في الدفاع عن الصحفيين الذين يتعرضون لمضايقات من قبل سلطات بلدانهم. وتتحرك اللجنة من أجل توسيع هامش الحريات في البلدان المغلقة إعلاميا مؤمنة بأنه لا يمكن الحديث عن ضمان لحقوق الإنسان من دون توفر حرية التعبير. ويمتد نشاط اللجنة على 120 دولة، من بينها عدد كبير من دول المنطقة العربية. ولمعرفة أهم أنشطة وأهداف "لجنة حماية الصحفيين"، حاورت "آفاق"، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جوال كامبانيا. وفي ما يلي نص الحوار: آفاق: يتميز وضع الإعلام في العالم العربي إجمالا بحالة تردي كبيرة. ما هي أهم المشاكل التي يعاني منها الميدان؟ كامبانيا: صحيح. يعاني المشهد الإعلامي العربي من تدهور وتراجع كبير، ويتعرض الصحفيين العرب إلى الكثير من المضايقات التي تستهدفهم. هناك عمليات عنف موجهة للصحفيين المستقلين. إضافة إلى حبس عدد كبير منهم بسبب انتقادهم لأنظمتهم. أذكر هنا عملية اعتقال عدد من رؤساء تحرير صحف مصرية بسبب تعرضهم لصحة رئيس البلد حسني مبارك. بل وتدخلت الصحف الرسمية، والمفتي، وحتى زوجة الرئيس لتهاجم الصحفيين. وكأن حياة الرئيس ليست محط اهتمام المواطنين! كما تعرض المدوّن السعودي فؤاد الفرحان إلى الاعتقال مؤخرا لأنه تطرق إلى موضوعات تبدو وكأنها محرمة في بلده. ضغوطات كبيرة تُسلط على الصحفيين بأشكال عديدة لمنعهم من تأدية عملهم بكل حرية. ونحن في لجنة حماية الصحفيين نرفض أي شكل من أشكال العنف الذي يمارس ضد الصحفيين من قبل الأجهزة الرسمية، ونطالب بفسح المجال أمام تأديتهم لمهامهم بكل حرية. آفاق: حول المدوّنين، هل من الممكن أن نصنفهم في نفس الخانة مع الصحفيين؟ كامبانيا: أعتقد أن المدونات الالكترونية استطاعت أن تكسر حاجز الصمت المطبق على الإعلام العربي، وأن تتعرض إلى موضوعات محظورة. وهو أمر جيد. كما أن الصحافة الالكترونية تمكنت من تقديم منتجا إعلامي راق ومتقدم. بعض المدونين يشتغلون كصحفيين. والمتغيرات التكنولوجية أصبحت لها دورا رئيسيا في نشر الأخبار وفي تداول المعلومات، وخاصة في البلدان التي تفتقد لجرائد حرة. فؤاد فرحان كتب مقالات نقدية، ودافع عن آرائه السياسية الممنوع التطرق إليها في السعودية. وحبسه نعتبره انتهاك صارخ لحرية التعبير. آفاق: نشرت إحدى الجمعيات العراقية مؤخرا تقريرا خطيرا جاء فيه أن العمل الصحفي في العراق ما يزال أخطر الأعمال، وأنه قُتل 54 صحفيا سنة 2007، ما مرد هذا الوضع المثير للقلق؟ كامبانيا: الصعوبات والمعوقات التي يتعرض إليها الصحفيين العراقيين كثيرة ولا وتحصى، وصنفت لجنة حماية الصحفيين العراق المكان الأخطر في العالم للسنة الرابعة على التوالي. هناك فقدان للأمن الذي يسمح للصحفيين للعمل بكل أريحية وحرية. وأكثر من 80 % من الصحفيين الذين قتلوا (124 صحفي اغتيل منذ سنة 2003) هم عراقيون قتلتهم الجماعات المسلحة. وطبيعي في ظل وضع مثل هذا، أن يتوتر المناخ الإعلامي في العراق. آفاق: ولكن ألا تعتقدون أن هامش حرية الإعلام في العراق اتسع على ما كان عليه في ظل حكم الرئيس السابق صدام حسين؟ كامبانيا: طبعا. منذ سقوط صدام حسين، حدث انفجار إعلامي وتأسست وكالات أنباء وقنوات تلفزيونية وإذاعات مختلفة. ويمكن الحديث عن مشهد إعلامي عراقي متعدد، وهو شيء ايجابي. ولكن في نفس الوقت، يمارس العنف تجاه الصحفيين، وتحدث انتهاكات كثيرة من قبل الحكومة العراقية والجماعات المسلحة. أذكر هنا قيام السلطات العراقية بمنع فتح مكتب لقناة الجزيرة وآخر لقناة العربية الفضائيتين في بغداد. كما يقوم الجهاز الأمني العراقي بالاعتداء المادي على الصحفيين وتهديدهم بالقتل. وحظرت تلك الأجهزة على الصحفيين من تغطية عمليات التفجير أو المشادات المسلحة. آفاق: ما هو تقييمكم لوضع الإعلام في تونس؟ كامبانيا: من المؤسف أن أعترف بأن حرية الصحافة في تونس متعبة جدا. فالوضع سيء للغاية. فإلى هذه اللحظة لم تقم الحكومة التونسية بما يجب لتحرير القطاع. والصحف ما تزال تخضع لسيطرتها، والصحفيين المستقلين يتعرضون لضغوطات لا حصر لها. لقد تمّ في العام الماضي اعتقال الزميل سليم بوخذير بتهم مزورة، نظرا لأنه كتب مقالات ينتقد الرئيس التونسي وعائلته. ونتذكر أيضا سجين الرأي محمد عبّو الذي تعرض لنفس المظلمة وسُجن بسبب كتاباته، ونفس الشيء حدث للراحل زهير اليحياوي. تونس تشهد مضايقات يومية على الصحفيين لحد مقرف. ويقوم البوليس السياسي بالاعتداء بالضرب عليهم بشكل دائم ومن دون محاسبة. هناك أيضا الرقابة المفرطة على الكتابات والإنتاج الإعلامي. كما ترفض الحكومة التونسية بدون سبب مقنع السماح لقناة الجزيرة بفتح مكتب لها في تونس. وأنا أتألم من مثل هذا الوضع خصوصا وأن تونس تزخر بكفاءات شبابية رائعة ومتميزة. ولا أفهم كيف أن الحكومة التونسية تقدم بشكل مستمر وعودا للإصلاح، وتعرب عن تأييدها للصحافة الحرة، ولكن من يشاهد ما تقوم به تجاه الصحفيين سليم بوخذيروكمال العبيدي والاعتداء بالعنف على الصحفيين يدفعنا للشك في هذا الخطاب. آفاق: على ذكر قضية الزميل كمال العبيدي، هو محروم من جواز سفره. لماذا؟ كامبانيا: كمال العبيدي، وهو صحفي مستقل وممثل لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط. في 17 تموز (يوليو)، قدم كمال العبيدي الذي يحمل الجنسية التونسية طلبا للسفارة التونسية في واشنطن للحصول على جواز سفر جديد بعد أن ضاع جوازه القديم. ولكن بعد مرور ما يزيد عن خمسة أشهر، وبعد اتصالات متكررة مع السفارة من قبل كمال العبيدي ولجنة حماية الصحفيين، لم يصدر جواز السفر حتى الآن. مثل هذه التصرفات ليست بجديدة على الحكومة التونسية. فهي تمتنع عن تسليم الصحفيين المستقلين ونشطاء حقوق الإنسان عن تسليمهم جوازات السفر. وهو ما تعرض إليه العبيدي سنة 1996 أيضا. وإننا في لجنة حماية الصحفيين نطالب السلطات التونسية بتسليمه فوار جواز سفره. ولغيره ممن حرموا من الحصول على جواز سفر. آفاق: ما هي أهم التحركات التي ستخوضها اللجنة من أجل حماية الصحفيين في تونس؟ كامبانيا: تقوم اللجنة بشكل عام برصد أهم الانتهاكات لحرية الصحافة وتسليط الضوء عليها. ونحن نسعى دائما لمساعدة الصحفيين على تأدية عملهم بشكل محترم ومقبول. ونساهم من موقعنا في نشر أهم الخروقات التي تمس الصحفيين للرأي العام الغربي والأمريكي تحديدا. نعلم بأن وضعية الصحفيين في تونس متدهورة للغاية. ونقوم بصورة دورية بنقل ما يتعرضون إليه الصحفيون إلى وسائل الإعلام الأمريكية. فالشعب الأمريكي هنا يجهل ما يحدث للصحفيين التونسيين، ويصدقون ما تقوله الإدارة الأمريكية عن كون تونس تمثل بلدا مميزا في منطقة الشرق الأوسط. سنواصل عملنا ولن ندخر جهدا للدفاع عن الصحفيين التونسيين.