قراءة: أنور مالك - باريس/الفجرنيوز صدر في دمشق عن دار الأهالي والمؤسسة العربية الأوربية للنشر كتاب جديد للدكتور هيثم مناع تحت عنوان "المقاومة المدنية"، يتكون من 174 صفحة من الحجم المتوسط، وهو عبارة عن مجموعة دراسات ومحاضرات للمؤلف حول ثلاثية الديمقراطية والمجتمع المدني والفضاء غير الحكومي. يستهل الدكتور هيثم مناع تقديم كتابه الجديد بطرح سؤال مهم في إطار أطروحته: كيف يمكن الحديث عن مناعة إنسان وشعب ومواجهة مشروع إمبراطوري للهيمنة الواقعية الملموسة بثلاثي كلمات هي نفسها موضوع تساؤل ونقد بل ورفض: بين كلمة أصبحت شعارا مبتذلا غريب الأصول غريب الدوافع.. هش الطبيعة متأزم في هياكله ومضامينه المختلفة (الديمقراطية)..ومصطلح يفوق الخلاف على تعريفه ذلك الخلاف القائم في تحديد ماهية الإرهاب (المجتمع المدني) وعباءة فضفاضة الحدود واسعة الذمة هلامية الدوافع والأسباب والنتائج (العمل الخيري والإنساني). كيف يمكن أن نقرأ الحلم-المستقبل بعيون الشك السلبي والحذر المشروع وسوء المثل؟ الجواب سيذهب بنا أولا إلى التاريخ، لقراءة جذور الفضاء غير الحكومي في التاريخ العربي الإسلامي، وكيف حمت هذه الجذور الأمة في كل مرة جارت فيها الخلافة. وكيف بنت شبكة الوقف الخاص ونقابات الحرف وتجمعات التضامن الأهلي نسيجا للدفاع عن المحرومين والمظلومين. مشيرا إلى الفراغ الكبير الذي تركه منطق القطيعة مع أشكال التعاضد والتضامن التاريخية لحساب فكرة الجمعيات والنقابات الحديثة. وكيف أن فترة الانتقال بين القديم والجديد في منطق القطيعة هذه قد حرم المجتمعات العربية والإسلامية من عناصر أساسية للدفاع الذاتي كانت بأمس الحاجة لها. فقد كانت القطيعة مع تعبيرات بناء كالعمل الخيري والإنساني والاستمرارية مع تعبيرات هدم مثل اعتبار فكرة المستبد العادل من صلب الفكر الإسلامي السياسي. ثم كيف يمكن أن ننطلق من العام لتشخيص حالات الانسداد العيانية والخاصة ونحتفظ بحصتنا الضرورية في الأمل، دون الوقوع في الأحكام المسبقة ومنظومات التفكير الإيديولوجية المغلقة؟ هل هناك بالفعل قواعد عامة في الحياة البشرية تشبه القوانين الطبيعية ولو بشكل نسبي ليكون بوسعنا الحديث عن ضرورة السير نحو الديمقراطية باعتبارها النظام الأقل سوءا كما قال تشرشل يوما، وعن ضرورة تعبير الطريق لهذه الديمقراطية عبر وسائل المقاومة المدنية المختلفة التي تجعل من وسائل المشاركة المجتمعية الفاعلة وسائل لجم لتعسف السلطة والتوازن بين المجتمع والدولة. وهل هناك عنصر يجمع غنى العمل الخيري الذي يربط في وجوده الذاتي نفسه بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من جهة، والقدرة على الفعل المدني المستقل من جهة ثانية وأخيرا التدريب اليومي على أهم الحقوق المدنية ؟ يتناول الكتاب بتوضيح وشائج الصلة بين العمل الأهلي والخيري والمجتمع المدني والديمقراطية، وكيف أن ضرب هذا التعبير المدني الرئيس، هو أحد وسائل ضرب دولة القانون والعقد والعهد، هو مواجهة مفتوحة مع البناء المدني ووسيلة مباشرة لتعزيز العنف على الصعيد العالمي. هل يمكن الحديث في الديمقراطية دون الانتقال من كائن لم يتفرد بعد ولم يحصل على حقوق جماعية إلا في نطاق عشيرته أو ملته؟ إلى شخص له حقوق وعليه واجبات يسمى في الأدبيات السياسية الاجتماعية بالمواطن؟ ما هي التعبيرات الاجتماعية والمدنية التي نجحت في تجاوز صيغة العائلة والطائفة والمنطقة الجغرافية في العالم العربي؟ عندما تقوم مؤسسة وقفية أو جمعية خيرية على مبدأ بسيط يكثفه الحديث الشريف بالقول: "إصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله فهو أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله". ألسنا في صلب الانتقال من العلاقات العضوية قبلية أو عشائرية أو طائفية كانت إلى علاقات مدنية لا تميز بين العاملين في الجمعية الخيرية أولا ولا تميز بين المستفيدين من نشاطاتها ثانيا ؟ وعندما تحاصر هذه "الجمعية"، التي هي في واقع الأمر وسيلة اجتماع بشري وسبيل عمران مجتمعي ونجدة للمستضعفين وصمام أمان في وجه العنف. ماذا بقي للمجتمع من وسائل مناعة ذاتية ضد الهيمنة الخارجية وكمونات العنف الداخلية؟ هنا يتناول الكتاب قضية ما يعرف بتجفيف منابع الإرهاب متسائلا أليست هي من تعبيرات اغتيال المجتمعات المدنية في العالم الإسلامي: "اعتمدت سياسة مناهضة الإرهاب بتجفيف المصادر: تجفيف موارد الجمعيات الإنسانية لا المنظمات المسلحة، فأزيلت صناديق وأكشاك جمع التبرعات لخمس جمعيات كبيرة مرخصة في الكويت. وقررت الحكومة المصرية رفع مشروع قانون لتوسيع الرقابة الحكومية على نشاطات المنظمات غير الحكومية والخيرية. وقد طالب الرئيس الأميركي شخصيا بتجميد أصول وأرصدة جمعية "سنابل للإغاثة والتنمية" في لبنان، واللجنة الخيرية لمناصرة فلسطين، ولجنة الإحسان والإغاثة في فرنسا، والجمعية الفلسطينية في النمسا، بحجة دعمها لحماس. وقد أحصينا مصادرات وتجميدا للجمعيات الإنسانية والخيرية في ألمانيا وهولندا والدانمارك وإيطاليا وأستراليا والولاياتالمتحدة، ناهيكم عن البلدان الإسلامية. ولكي تصور الإدارة الأمريكية الأمر كأنه قناعة إسلامية وليس فقط أميركية، فتغطي على بشاعة أوسع حرب على الجمعيات الإنسانية والخيرية في الأزمنة الحديثة، حيث يعتمد وزير الخزانة جون سنو على وجود المستشار عادل الجبير معه عندما يصنف عشر مؤسسات خيرية في قائمة الإرهاب: مؤسسة الأرض المقدسة (الولاياتالمتحدة)، فرعان لمؤسسة الحرمين (البوسنة والصومال)، مؤسسة الإغاثة العالمية (الولاياتالمتحدة)، مؤسسة الرحمة العالمية (الولاياتالمتحدة)، مؤسسة الأقصى (ألمانيا وأوروبا)، مؤسسة الإغاثة الفلسطينية (فرنسا)، إنتربال (بريطانيا)، الجمعية الفلسطينية (النمسا)، جمعية سنابل للإغاثة والتنمية (لبنان)، وصندوق الأخطر (باكستان)". لا يعتبر الكاتب هيثم مناع المنظمات غير الحكومية فوق النقد وفوق الشبهات، على العكس من ذلك يطالب هذه المنظمات بأن تكون قاسية في تعاملها مع من يفتقد الضابط الأخلاقي للحقوق والواجبات والمسئوليات. وهو في هذا يستشهد بقولة الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس، مدير معهد الأبحاث الدولية والاستراتيجية IRIS : "كما أنه لا يمكن لشخص أخذ مواد منشطة أن يشكل لجنة أخلاقية للرياضيين، لا يمكن لأسماء محروقة إعطاء دروس في الممارسات الأخلاقية الضرورية في الحياة العامة". فكيف يمكن لمركز حقوق إنسان ممول من أربع سفارات لدول عظمى أن يعطي موقفا نزيها من تواجد قوات هذه الدول في بلدان إسلامية سواء كقوات احتلال أو قوات بمهمة من حلف شمال الأطلسي، وكيف يمكن لمنظمة موردها الأساسي من وزارة التعاون الفرنسية أن تعلن موقفا نقديا من السياسة الفرنسية النيوكولونيالية في الفضاء الإفريقي الفرانكوفوني، وكيف يمكن لمنظمة ممولة من مؤسسة تابعة للكونغرس الأمريكي التواصل مع ضحايا "الحرب على الإرهاب" وقد وقعت وثيقة تمنعها من أي اتصال مهما كان شكله بمن وضعته الإدارة الأمريكية على لوائحها السوداء؟
يحاول الكتاب، عبر أمثلة عالمية وأمثلة تاريخية، أن يبين أهمية التاريخ والجغرافيا في استقراء أشكال مختلفة للبناء المدني لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون على نسق واحد، مبينا معالم الاختلاف في سيرورة بناء مجتمع مدني، حتى في بلدان متجاورة الثقافة ومتشابهة في نمط الانتاج المادي ونظام الحكم السياسي. وهو يتابع عدة أمثلة حية لما سببته "الحرب على الإرهاب" من تراجع في الحقوق والحريات وسيادة للتعسف وعودة للأحكام المسبقة الممهدة عادة للتعبيرات العنصرية ويحذر من انتشار فكرة التفوق للأنموذج الغربي شمالا والإيديولوجية الديمقراطية جنوبا، وكلاهما للأسف ينتشر حاملا كل جراثيم قتل الفكر الديمقراطي الحر والمتنور والخلاق والحق الأبرز من حقوق الإنسان، المساواة بين الأشخاص وبين الشعوب...
هيثم مناع المقاومة المدنية في عناصر المناعة الذاتية للمجتمعات
الطبعة الأولى 2008 جميع الحقوق محفوظة 174 صفحة من الحجم المتوسط الناشر الأهالي للنشر والتوزيع المؤسسة العربية الأوربية للنشر المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية اللجنة العربية لحقوق الإنسان سورية- دمشق ص.ب 9503 هاتف 00963113320299 فاكس 00963113335427 بريد إلكتروني [email protected]
Editions Eurabe & IBH 2bis Chemin des Vignes Petit-Saconnex 1209- GENEVE-SUISSE & Commission Arabe des Droits Humains 5, rue Gambetta- 92240 Malakoff Tél & Fax 0033140921588 0033146541913 E. mail: [email protected] الترقيم الدولي ISBN : 2-914595-25-5 EAN : 9782914595254 Haytham Manna Civilian Resistance Buds : Studies of the Arab Commission for Human Rights