المتحدث هذه المرة، ليس جنرالا مأفونا في "جيش الدفاع الإسرائيلي"، ولا مستشارا مغمورا لحملة جون ماكين الانتخابية، بل هو غيورا إيلاند الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي في إسرائيل، والمسؤول السابق لشعبة التخطيط في الجيش، والمستشار المقرب حاليا ومستقبلا، من دوائر صنع القرار في الدولة العبرية، وأحد كبار المعلقين السياسيين والمحللين الاستراتيجيين في إسرائيل. ماذا يقول إيلاند ؟ في مقاله الافتتاحي المنشورة في "يديعوت أحرونوت" بالأمس، وتحت عنوان "تسوية إسرائيلية فلسطينية...الخيار الأردني"، يدعو الرجل للعودة لا إلى حدود العام 1967 بل إلى الواقع الذي كان سائدا في ذلك العام، عندما كان الأردن يسيطر على الضفة الغربية. إيلاند لم يطلق دعوته جزافا، فهو أجرى مقارنة مكثفة للوضع القائم حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع الوضع الذي كان سائدا في العام 2000 زمن طابا وكامب ديفيد ووثيقة كلينتون، ليخلص إلى السؤال التالي: ما الذي تغير حتى يصبح ما كان مرفوضا بالأمس، مقبولا اليوم، أو بالأحرى حتى يصبح ما كان متعذرا بالأمس، أمرا ممكنا اليوم. إيلاند الخبير الاستراتيجي، وصاحب مشروع "توسعة قطاع غزة على حساب سيناء" مقابل تعويض لمصر من أراضي النقب، ضمن تبادل متعدد الأطراف للأراضي، إيلاند هذا يقول، أن الوضع اليوم بات أسواء مما كان عليه قبل ثماني سنوات لجهة فرص السلام ومستقبله، فوضع الزعماء عرفات كلينتون باراك كان أفضل من أوضاع عباس بوش وأولمرت، وأحداث السنوات الماضية عمقت الشرخ والفجوات وانعدام الثقة المتبادلة بين طرفي الصراع، وصعود حماس عقّد المشكلة ولن يجعل حلّها أسهل تناولا، فضلا عن تنامي خطر الصورايخ بمختلف أشكالها ووظائفها ومداياتها، مع كل ما تثير من مخاوف أمنية تجعل التسويات والحلول الوسط أكثر صعوبة. إيلاند في ختام مقالته يصل إلى استنتاجين، يبني أحدهما على الآخر: الأول، أن التسوية الدائمة التي يجري التفاوض عليها غير قابلة للتحقق في المدى المنظور، فالحد الأقصى الذي يمكن لحكومة إسرائيلية –أي حكومة- أن تقدمه للفلسطينيين من دون أن "تنتحر سياسيا"، سيظل دون الحد الأدنى الذي يمكن لقيادة فلسطينية – أي قيادة- أن تقبله، وأيضا من دون أن "تنتحر سياسيا". أما الاستنتاج الثاني المبني على هذه الخلاصة فيقول: أن الوقت قد حان للتفكير بحلول اخرى، احدها العودة الى الواقع الذي ساد في ال 1967، عندما كان الاردن يسيطر في الضفة. في ظني، أن ما ذهب إليه إيلاند، يعبر عن رأي شريحة متزايدة من الإسرائيليين، التي تعيد بعث خطاب "الخيار الأردني" القديم، برغم الرفض الأردني والفلسطيني المتكرر لهذا الخطاب، وبرغم اتجاه المجتمع الدولي بغالبيته، لتبني حل "دولتين لشعبين"، صحيح أن أصواتا فلسطينية تتعالى باطّراد مؤخرا، داعية لتجاوز "حل الدولتين"، لكن الصحيح كذلك أن معظم هذه الأصوات، لا يتجه إلى المطالبة ب"الخيار الأردني"، بل يذهب نحو المطالبة بالدولة الواحدة، الديمقراطية أو ثنائية القومية. وفي ظني أيضا، أن خطورة كلام إيلاند تنبع من تزامنه مع تزايد الحديث عن "قوات عربية في قطاع غزة"، الأمر الذي يمكن أن يؤسس ل"سابقة"، تدفع في حال نجاحها "أمنيا" إلى المطالبة بنشر "قوات عربية في الضفة الغربية"، فإذا كانت الفكرة جذّابة ومغرية وفقا لوزير الخارجية المصري، المنتظر أن تشكل بلاده العمود الفقري لهذه القوات إن قيّض لهذه الفكرة أن ترى النور، فإن "السابقة إياها" تفترض وتحتمل نشر قوات أردنية في الضفة الغربية، ما يجعل "الخيار الأردني" أمرا مرجحا وقابلا للتفكير وفقا لغيورا إيلاند. لهذا السبب، ولأسباب كثيرة غيره، دعونا للنظر إلى "مشروع إرسال قوات عربية إلى غزة" من منظار سياسي، وطني وقومي، أوسع من حسابات سلام فياض وبعض أوساط السلطة، وبما يتخطى المخاوف والهواجس التكتيكية للأمن المصري، إلى حسابات المصالح الوطنية العليا لشعب فلسطين وقضية العرب القومية الأولى. لهذا السبب وغيره من الأسباب، نتفهم القلق الأردني الرسمي والشعبي من مشروع إرسال قوات عربية إلى غزة، وننظر إليه كمشروع مفخخ بالكثير من الأسئلة والتساؤلات والألغام. 03/09/2008 المصدر بريد الفجرنيوز