في شريط مصور معدّ بعناية ، أصدرته مؤسسة السحاب ، الذراع الإعلامي للقاعدة ، قدم قادة التنظيم باستثناء أسامة بن لادن جردة حساب لحصيلة الحرب المفتوحة بينهم وبين الولاياتالمتحدة ، إضافة إلى تحديد الموقف من عدد من القضايا التي ليس للتنظيم أو مريديه دور مباشر فيها ، أقله إلى الآن. قبل الحديث عن جردة الحساب المشار إليها ، يمكن القول إن الهجوم الواضح على إيران كان من أهم ما حمله الشريط. وفي حين سبق للظواهري أن هاجمها ، إلا أن تكرار الهجوم مرة أخرى وتجاهل وجود عناصر للتنظيم في حوزة الإيرانيين ، من بينهم نجل بن لادن ، يؤكد أن التنظيم يشعر بأهمية مجاملة المشاعر الشعبية ، وبالذات السلفية منها في السعودية والخليج ، من تلك التي ترى في إيران عدواً يتقدم في بعض الأحيان على الولاياتالمتحدة. وقد ذهب الظواهري إلى وجود "حلف إيراني صليبي" ، مستدلاً بالتواطؤ الإيراني مع غزو أفغانستان والعراق. والحال أن العلاقة الأمريكيةالإيرانية هي من النوع المركب الذي يستحيل وضعه في إطار التحالف ، في وقت يتابع الجميع معاركهما المفتوحة ، من لبنان وفلسطين (دعم قوى المقاومة) ، إلى الملف النووي ، إضافة إلى صراع المواقع والنفوذ المحتدم في العراق. والنتيجة أن تسهيل إيران لغزو العراق وأفغانستان كان نتاج قراءة ذكية لمصالحها ، وليس خدمة للأجندة الأمريكية ، بدليل أن نتيجة المعركتين لم تكن في صالح واشنطن. لا ينفي ذلك أن لإيران أطماعا في المنطقة تتناقض في بعض الأحيان مع عروبتها ، بينما تفوح منها رائحة الحشد المذهبي ، لكن ذلك لا ينطلق سوى من مصالح إيران القومية ، وليس في سياق التآمر مع الأمريكان. فيما يتعلق بالعناوين التي ليس للتنظيم صلة مباشرة بها ، كان الموقف هو ذاته ، أكان في فلسطين (رفع شعار الجهاد وانتقاد حماس ورفض الحصار) ، أم في لبنان (تكرار السخرية من انتصار حزب الله ، تموز 2006 بدعوى إبعاد اتفاق وقف الحرب للمقاومة عن الحدود الإسرائيلية وتمركز قوات اليونيفيل هناك) ، من دون أن يوفر القيادات السنية اللبنانية التابعة للأمريكان ، وهنا في حالة حزب الله يتحدد الموقف من ذات منطلقات الهجمة على إيران. في السياقات ذات الصلة المباشرة بنشاط التنظيم وحضوره ، وعبر كلمات لقادة بارزين ، ثمة محاولة للإيحاء بالانتصار ، الأمر الذي كان سهلاً في بعض المحاور وصعباً في أخرى. ففي حين كان من السهل الإشارة إلى أفغانستان بوصفها ساحة للانتصار ، رغم أن طالبان هي سيدة الحرب ، مع حضور محدود للقاعدة (هنا ظهر مصطفى أبو اليزيد الذي قيل إنه قتل في إحدى الغارات الأمريكية) ، إلا أن الأمر بدا غير ذلك في الحالة العراقية ، رغم قول أحد منظري التنظيم ، وهو عطية الله ، إن مشروع الجهاد هناك لم ينته ، وأن مشروع الصحوات في طريقها إلى التلاشي. الصومال كانت حاضرة ، وفيها تتقدم حركة شباب المجاهدين القريبة من فكر القاعدة ، بينما يبدو مشروع الاحتلال الإثيوبي إلى فشل ، ومعه الحكومة التي صنعها ، لكن الموقف بدا أكثر صعوبة في الحالة الشيشانية التي انطوت على مفارقة غريبة: تمثلت في التقاء الإصرار على الجهاد فيها مع أمريكا المعنية بتفجير ملفات هنا وهناك تربك الروس الصاعدين بقوة في المشهد الدولي. في المغرب الإسلامي ، وحيث يسجل التنظيم نشاطاً لافتاً يسيء إليه أكثر مما يحسّن صورته ، حاول قائد التنظيم هناك (مصعب عبد الودود) تبرير ما يجري بصورة غير مباشرة بالقول إن أمريكا تبني قواعد عسكرية في جنوبالجزائر ، وتسرق ثروات البلاد ، الأمر الذي لا يتوفر دليل عملي عليه. خلاصة القول هي أن حرب أمريكا على القاعدة قد انتهت إلى فشل ، لكن الأكيد أن ذلك لم ينسحب على جماهيرية التنظيم الذي فقد الكثير من شعبيته بسبب أخطاء عديدة ارتكبها هنا وهناك ، لاسيما في العراق والمغرب والجزائر والأردن ودول أخرى. بقي القول إن فشل الحرب الأمريكية على ما تسميه الإرهاب لم يكن بسبب قوة القاعدة ، رغم مساهمتها في عملية الإفشال كما وقع في العراق ، وإن حضرت بدور سلبي بعد ذلك عبر معاركها الكثيرة مع المحيط العربي السني ، بل جاء (أعني الفشل الأمريكي) بسبب خلل بوصلة المعركة من الأساس ، هي التي صيغت على مقاس المصالح الإسرائيلية أكثر من المصالح الأمريكية التي كانت تتمثل في مواجهة القوى الصاعدة التي تهدد نفوذ الولاياتالمتحدة ، كما هو حال الصين وروسيا. Date : 19-09-2008