الرباط- "الفتان"، "الضال"، "المضل".. بهذه الأوصاف اختار المجلس العلمي الأعلى (رسمي) الرد على فتوى شيخ التيار السلفي في المغرب محمد المغراوي التي أجاز فيها -في وقت سابق- الزواج من ذات السنوات التسع إذا ما كانت ذات بنية نفسية وجسدية تسمح بذلك. واعتبر المجلس في بيان شديد اللهجة أصدره مساء أمس الأحد ونشره على موقعه على الإنترنت أن صاحب الفتوى "شخص معروف بالشغب والتشويش على ثوابت الأمة ومذهبها"، منددا "باستعمال الدين في هذه الآراء الشاذة". وأكد بيان المجلس أن محاولة الشيخ المغراوي إعطاء الشرعية لفتواه من خلال إصراره على أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بالسيدة عائشة رضي الله عنها وهي ذات تسع سنوات هي محاولة فاشلة، على اعتبار أن أحدا من علماء السلف "لم يجز القياس عليها واعتبروها مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم". "كما أن الأحاديث المستند إليها في حالة زواج النبي صلى الله عليه وسلم يضيف البيان تتحدث عن سن العقد وتتحدث عن سن الزواج بعد العقد بعدة سنين". وفي الوقت الذي شدد فيه البيان على أن الفتاوى الخاصة بالمملكة المغربية تصدر فقط عن المجلس العلمي الأعلى، أوضح من جانب آخر أن كل ما يتعلق بقوانين الأسرة والزواج يستند إلى مدونة الأسرة الذي صادق عليه البرلمان المغربي عام 2004 "وأنه لا يصدر التشويش عليه إلا من فتان ضال ومضل ومن ثم لا يلتفت إليه ولا ينتبه إلى رأيه". مستقبل العلاقة رد المجلس العلمي الأعلى يعتبر الأعنف من نوعه بعد البيان الشهير الذي أصدره عام 2006 في حق العلامة الشيخ يوسف القرضاوي على إثر إباحته للمغاربة الاقتراض الربوي لأجل السكن في حالة الضرورة بالنظر إلى أن المملكة المغربية لا تتوفر على بنك إسلامي. وطرحت صيغة البيان المتشددة أكثر من سؤال حول مستقبل العلاقة بين التيار السلفي المغربي الذي يتزعم اتجاها عريضا منه الشيخ محمد المغراوي، وبين السلطة. وما زاد من غموض الموقف هو التوقف المفاجئ لبث موقع الجمعية المغربية للدعوة إلى القرآن والسنة -التي يرأسها المغراوي- عبر الإنترنت صباح اليوم الإثنين 22 سبتمبر 2008. ولم يتضح بعد ما إذا كان توقف الموقع راجعا إلى أسباب تقنية أم إلى "عقاب مؤقت" من السلطة كما حدث مع مواقع جماعة "العدل والإحسان" المغربية قبل سنتين. استبعاد الصدام وأوضح الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز الذي أعد أطروحة الدكتوراه حول التيار السلفي المغربي وله معرفة وثيقة بالشيخ المغراوي أن السلطات اعتبرت دائما من جانبها أن تحرك المغراوي عبر جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة "وسيلة لضبط أعضاء هذا التيار والإمساك بزمام التحكم في علاقاته وأدوات اشتغاله". واستبعد أبو اللوز في تصريح لإسلام أون لاين أن تلجأ الدولة إلى إغلاق الجمعية الوحيدة التي ينشط عبرها التيار السلفي والتي يوجد مقرها الرئيسي في مدينة مراكش، مشددا على أنه إذا وصلت درجة التوتر إلى الإغلاق فإن المجتمع لن يأمن ظهور حركة سلفية سرية جديدة تكون بديلا للجمعية التي تم إغلاقها. مواقف المجلس العلمي الأعلى على قلتها أثارت ردود فعل متباينة لدى المتتبعين. ففي حين اعتبرها البعض "وسيلة لإرجاع الأمور إلى نصابها" كما صرح المحامي مراد الباكوري الذي رفع دعوى قضائية ضد المغراوي بسبب الفتوى، أكد أبو اللوز وخبراء آخرون أن المجلس يبقى رهين "ردود الفعل التي تخضع لضغط الصحافة والمجتمع المدني". المغراوي يدافع وسبق للشيخ المغراوي أن أصدر بيانا نشره موقعه على الإنترنت، دافع فيه عن فتواه ورد على منتقديه بقوله: "وهذا الأمر الذي استقبحته بعض وسائل الإعلام وتناقلته بعض الصحف العلمانية وارد في حديث نبوي شريف في أوثق مصادر الإسلام وأصحها وهو صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم، فعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين) البخاري رقم 5134 ومسلم رقم 1422". واعتبر المغراوي رفع دعوى ضده بسبب فتواه بمثابة رفع دعوى وطعن في الرسول وفي فقهاء الإسلام قاطبة، مؤكدا أن الرسول والفقهاء من بعده "أجازوا الزواج بالصغيرة القادرة على متطلباته وعلى رأسهم فقهاء المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة". وشدد المغراوي على أنه لم يأت بشيء من عنده وأنه لم يزد على ما في الحديث النبوي الصحيح. بينما أكد المحامي مراد الباكوري في تصريح صحفي أن بيان المجلس العلمي الأعلى "أعاد الأمور إلى نصابها، وأوضح أن الفتاوى التي تهم المواطنين المغاربة هي من اختصاص الهيئات التي خولها القانون ذلك".