استقالة محمد الساسي ومشروع دمقرطة المغرب لماذا يجلد اليساريون أنفسهم؟ محمد بنعزيزہ بعد شهر من خسارته في الوصول إلي عضوية مجلس النواب، وصل محمد الساسي إلي سقف تحليلاته واكتشف أن المسلك الوحيد المتبقي أمامه هو الاستقالة من منصب نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد ومن المسؤولية في المكتب السياسي، وقد برر رائد الشبيبة الاتحادية هذا القرار بهزالة الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 7 9 2007. حصل هذا رغم أن الحزب الاشتراكي الموحد أنبل ظاهرة سياسية لأنه يمثل معقد الأمل لفئات واسعة من الشباب، حصل هذا رغم أن الساسي يُدرس السياسة ويعرف من استطلاعات الرأي أن أغلبية الشباب يرون ان السياسة لا جدوي منها. رغم كل هذه المعارف يتحدث الساسي وكأنه فوجئ بالنتائج، وهذا حال كل اليساريين الذين يتوقعون أن يخلق الشعب معجزة، أي أن يبرهن أن تحليلات اليسار صحيحة، أن معارف الساسي عميقة، لكن كل تلك المعارف لم تحصنه من الفشل السياسي، لأنه كان متفائلا جدا فوقع في سوء تقدير جسيم لنتائج التصويت المرتقبة فنبه إلي نقاط الضعف في أداء القيادة والقواعد، لذا يقترح علي نفسه أن يهجر برجه العاجي وينزل إلي الميدان ليبني علاقاته مع أفراد الشعب في قاعدة المجتمع وستكون البداية بجولة تأطيرية في مختلف مناطق المغرب (المساء 10 11 2007) سيقول مراقب يميني: أليس هذا ما فعه الساسي طيلة حياته؟ ولماذا لا يقوم بجولة في دائرته الانتخابية أولا؟ أو لماذا سيقوم بهذه الجولة أصلا؟ لأنه في خمسين سنة من الإقامة والنضال في دائرة المحيط بالرباط لم يحصل إلا علي 2352 صوتا، وسيحتاج إلي خمسين سنة أخري ليضاعف هذا الرقم، أهلا به في انتخابات 2057. سيضيف ذلك المراقب بفرح: هذا هو مصير كل المزايدين علي شرعية المخزن والمطالبين بتغيير دستوري عميق وبملكية برلمانية وبملك يسود ولا يحكم... فشل الساسي العميق عبرة لكل هؤلاء. سيستغرب ذلك المراقب من دهشة علي أنوزلا لأن رسالة استقالة الساسي لم تخلف أية رجة وكأنها صيحة في واد (المساء 14112007)، من سيرتج؟ هل استقالة الساسي من قيادة حزب ميكروسكوبي مثل استقالة فؤاد عالي الهمة من وزارة الداخلية من أجل إعادة الانتشار؟ من سيهتم بالمناضل اليساري المنفصل عن واقعه؟ هل حزب الاستقلال الذي يقول عنه الساسي أنه حزب يتعامل مع الانتخابات كمقاولة تقدم خدمات نفعية؟ هل الأعيان الذين التحقوا بحزب الاتحاد الاشتراكي عندما أصبح مقربا من المخزن؟ هل أغلبية الناخبين المغاربة الذين يصوتون لاعتبارات نفعية؟ هل حزب العدالة والتنمية الذي يستفيد من مقاطعة العدل والإحسان كما يزعم الساسي؟ هذه استقالة اقل من صيحة في واد وهي مبعث بهجة للماسكين بزمام الأمور. علي نقيض ذلك المراقب اليميني الشامت، سيشعر مراقب يساري بالمرارة لأن مناضلا نزيها شجاعا من طينة الساسي تعرض لمحنة في صناديق الاقتراع، مناضل ذو تحليل سليم ومعرفة راقية لكنه فشل، فقرر أن يجعل من الفشل درسا كما في الدول الديمقراطية، أراد الساسي أن تكون رسالته دربا مضيئا لديناصورات الأحزاب المغربية، رسالة تقدم نموذجا لكل من يفشل ليستقيل، ممتاز، غير أن المعنيين لن يستقيلوا، سيبقي إسماعيل العلوي في موقعه، لن يتوقف محمد زيان عن تطوير تخيلاته الليبرالية... في نهاية المطاف سيكون محمد الساسي هو المستقيل الوحيد، فلا يبقي للهدف الديمقراطي من رسالة الاستقالة أي أثر علي القادة الحزبيين الخالدين في مواقعهم. لكن لهذه الرسالة وجها آخر، وجها قاتما، لأن الساسي أراد أن يلقن خصومه درسا فلم يفعل شيئا غير إيلام أنصاره، وجه قاتم يعلن عن فشل نموذج اليساري المؤمن بمبادئه في تحقيق أهدافه، وهذا الفشل موجع للمتعاطفين مع مشروع دمقرطة المغرب، لكن أين هم الديمقراطيون أولا؟ هل جلد الذات الذي قام به الساسي سيغير شيئا؟ ما هو خطؤه هو وأمثاله؟ هل فشلوا لأنهم بلا كفاءة سياسية أم لأنهم رفضوا تنظيم حملات انتخابية تستثمر العلاقات الدموية والقبلية وتقديم الشواء والدجاج المحمر للناخبين؟ هل الخلل في عمل اليسار أم في الذين يصوتون تبعا للمنافع؟ أيهما أسهل جمع الناخبين للأكل أم للحديث في السياسة؟ الجواب واضح، لكن لا أحد يجرؤ علي ذكره، وخاصة المناضل اليساري الذي يعتبر الشعب نبيلا ومقدسا ومنزها عن الخطأ، لكن من يلاحظ الناخب المغربي أثناء الحملة الانتخابية لن يجد هذا النبل، سيجد بيعا للذمم وتسابقا علي المنافع، من يلاحظ المواطن المغربي يرمي النفايات في حديقة او يتزاحم في صف سيشعر بالمرارة، من يعرف كم وزعت من الأموال في آيت واحي، حيث دفن ادريس بنزكري سيدرك أن الذين بكوا في الجنازة كانوا يعانون من انفصام الشخصية، يبكون علي إدريس في أيار (مايو) ويتعشون عند عرشان في أيلول (سبتمبر) 2007. لو توقع إدريس هذا هل كان سيستقيل من النضال في 1973؟ طبعا لم يتوقع، لأن صورة الشعب المقدس تستحق كل التضحيات، وهي ترفع المعنويات، بينما تسبب ملاحظة سلوك الأفراد تقززا لا يطاق، عندما يكسر أحدهم مصباح الضوء الأحمر أو يمزق كرسيا في قاعة الفن السابع. هذه حقائق محزنة، لكن الوضع المغربي سيستمر علي ما هو عليه، سيتساقط المناضلون وهم في طريقهم إلي الانقراض، ستظل صورة الشعب النبيل ثابتة لكن منخورة، بينما سيفوز في كل انتخابات أولئك الذين يعرفون أن الناس يصوتون ببطونهم. وفي هذه الأثناء سيستمر اليساريون المغاربة الصادقون مع أنفسهم في جلد أنفسهم، وفي مراكمة يأس عميق لأن الانتقال الديمقراطي ليس غدا ولا بعد غد. من يتوقع أفضل من هذا؟ كاتب من المغرب