فيما يجازف العديد من الشباب الجزائريين بأرواحهم عابرين البحر المتوسط في قوارب صيد ومخازن محركات السفن لإيجاد فرص عمل وحياة افضل في أوروبا، يغامر الأفارقة من قاع القارة السوداء بأنفسهم عبر صحاري الجزائر ذات الظروف المناخية القاسية للوصول والعيش في الجزائر. فمارسيل القادم من ساحل العاج، والبالغ من العمر 31 سنة، واحد من المهاجرون الافارقة غير الشرعيين الذين حالفهم الحظ في الوصول إلى الجزائر العاصمة، والذين تقدر أعدادهم ب 30 الف مهاجر حسب الاحصاءات الجزائرية الأخيرة. ويسكن مارسيل في حي شرق العاصمة، ويدفع إيجارا يقدر بحوالي دولارين لليلة للنوم في غرفة يقتسمها سبعة أشخاص آخرين في شقة بمبنى نصف مكتمل، يصفها مارسيل ب "المعسكر الافريقي". وكان الشاب الأيفوري قد تخلى عن دراسته المتوسطة ليعمل من أجل دعم اسرته لكن لم يجد عملا في بلاده. ضائع في الصحراء ويمثل المهاجرون غير الشرعيين في الجزائر نحو 50 جنسية افريقية مختلفة، تتصدرها مالي والنيجر وغامبيا، كما هناك أعداد قليلة من السودانيين والليبيين. إن عملية ترحيل كل مهاجر لبلده تكلف الجزائر حوالي 200 دولار سامي رياض- صحفي جزائري ولعل وضع الجزائر الاقتصادي المنتعش يفسر سر ذلك التدفق الأفريقي. فقد سددت الجزائر أغلبية ديونها الخارجية، ولم يتبق منها سوى 5 مليارات بعد أن دفعت 28 مليارا في الأعوام الأخيرة بفضل ارتفاع سعر النفط. ويأمل هؤلاء المهاجرين الافارقة في الانتفاع من الاقتصاد الجزائري المزدهر ومن ثم- إن أمكن- العبور إلى أوروبا عبر الحوض المتوسط. وقد كلف السفر من ساحل العاج حتى الجزائر مارسيل حوالي 200 دولار. ويتذكر مارسيل المعاناة الشديدة التي مر بها ومن كانوا معه على متن الشاحنة التي حملتهم من بلدة كيدال بمالي إلى أول محطة لهم في الجزائر، ثم ضاعت في عمق الصحراء الجزائرية. وقال مارسيل: "لقد قضيت أربعة ايام دون أكل وبقليل من الماء فقط". ويتحسر الشاب الأفريقي بشدة عندما يسرد كيف كان يشاهد بعضا من رفاقه في السفر يموتون أمام عينيه. "مهاجرون لايبيريون يجلسوب قرب مراقدعهم من أكياس البلاستيك بمدينة تمانراست جنوبالجزائر" العديد من المهاجرين الافارقة يهلكون في صحراء الجزائروهذا الواقع المرير يؤكده الصحفي سامي رياض، من صحيفة الخبر المستقلة في الجزائر، الذي يتابع ملف المهاجرين الافارقة غير الشرعيين، وزار الحدود الجزائرية الصحراوية عدة مرات، برفقة الدرك الوطني المراقب للحدود. ويوضح الصحفي رياض:"بأن هؤلاء المهاجرين يفضلون المجازفة بأرواحهم للمجيء إلى الجزائر بدلا من الذهاب إلى الدول المجاورة للجزائر ليس بسبب فرص العمل فقط، بل لإنهم يدركون بأنهم لو لقوا مصرعهم على أرض الجزائر، فإن السلطات الجزائرية مستعدة لتكبد مصاريف ترحيل جثتهم لبلدانهم". ويضيف رياض:"وإن لم يفلحوا في التعرف علي الهوية، تدفن الجثت في مقبرة خاصة". فالجزائر، بالمقارنة بجيرانها تونس والمغرب وليبيا، تتحمل عبء هذه الهجرة غير الشرعية الكبيرة. وبالتالي، أقامت سلطات الحدود الجزائرية مركزا لحجز المتسللين من افريقيا في مدينة مغنية الجنوبية، حيث يعتقل المئات من المهاجرين الافارقة غير القانونيين ريثم يتم ترحيلهم. ويقول الصحفي رياض: "إن عملية ترحيل كل مهاجر لبلده تكلف الجزائر حوالي 200 دولار". غير متعاطفة لكن هذه المعاملة لا تعني أن كل الجزائريين يرحبون بهؤلاء المهاجرين. إذ يروي مارسيل قائلا " إننا نشعر بالتمييز هنا. والأطفال يقذفوننا بالحجارة". وقد يكون السبب في مثل هذه السلوكيات أنه بالرغم من الانتعاش الاقتصادي الجزائري المعتبر إلا أنه لا توجد فرص للعمل كافية لكل الجزائريين. فالجزائر تعاني من بطالة بنسبة 15% حسب الإحصاءات الرسمية، مع أن بعض المحللين يقدرون النسبة الحقيقية بضعف ذلك. وغالبا ما تنشر مقالات صحفية غير متعاطفة مع المهاجرين القادمين من القارة الأفريقية. لكن الصينيين قد آتوا إلى هنا ليبقوا. إنهم أقاموا تجارات وبدأوا في الاختلاط بالجزائرين عبر الزواج مراد- شاب جزائري صحيح أن كميات من الحبر كرست لنقل الصورة البشعة التي يعيشها هؤلاء قبل أن يصلون إلى الجزائر والاستغلال الذي يتعرضون إليه في العاصمة ومدن أخرى، إلا أن كميات أكبر من الحبر تناولت قصصا تزعم بأن الأفارقة غير الشرعيين في الجزائر هم السبب في ارتفاع وانتشار النشاطات غير القانونية في البلاد، مثل تزوير العملات الصعبة، والسلع، وجوازات السفر. كما تتهم تقارير صحفية عدة هذه الفئة بأنها وراء ارتفاع انتشار آفة المخدرات في الجزائر بشكل بات يقلق السلطات. الصينيون آتوا ليبقوا وبالرغم من التحديات التي يشكلها النازحين الأفارقة للمجتمع الجزائري والسلطات ، يبقي المهاجرون الحقيقيون الذين يتخوف منهم بعض الجزائرين هم الصينيون الذين ما فتئ عددهم يتزايد في البلاد في الأعوام الأخيرة. فقد جلبت الحكومة الجزائرية أياد عاملة صينية بأعداد هائلة لاستخدامها في قطاع البناء من أجل حل مشكل السكن في البلاد. مراد، مستشار صحي، في ال 30 من عمره، ويسكن في حي الابيار الراقي في العاصمة يقول: "إن الأفارقة لا يشكلون خطرا بالنسبة لي". ويعلل مراد كلامه بأن هؤلاء الافارقة "عابرو سبيل بالنسبة لي- في طريقهم إلى أوروبا- لكن الصينيين قد آتوا إلى هنا ليبقوا. إنهم أقاموا تجارات وبدأوا في الاختلاط بالجزائرين عبر الزواج". وفيما يستولي الصينيون الشرعيون على سوق العمل البيضاء والأفارقة غير الشرعين على السوق السوداء يضطر الشباب الجزائري إلى الهجرة إلى الدول الغربية بحثا عن العمل وحياة أفضل.