يتلمس اليساريون المغاربة طريقا لاعادة مكانتهم في المشهد السياسي المغربي بعد تراجع لم تكشف عنه فقط نتائج صناديق الاقتراع بل تقلص كثافة الحضور في الفعاليات والنشاطات التي تدعو لها او تنظمها بمناسبات مغربية او عربية وايضا مكانتها في صفوف منظمات المجتمع المدني او ثقل النقابات والمنظمات المهنية التي تقودها. ويتفق اليساريون المغاربة على تقهقر مكانتهم بشكل مؤلم ولا يخفون تراجع احترام المواطنين لهم ولا ما يطرحونه من افكار بعد ان اختلطت في المصالح الخاصة، ليس الحزبية، بل الشخصية لقيادات واطر احزاب اليسار. واذا كان من السهل تحميل السلطة مسؤولية هذا التراجع وهذا الوضع (المأساوي) في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، فإن مغرب بدايات القرن الواحد والعشرين عرف تقاربا بين اليسار بكل مكوناته ومغرب ما بعد الحسن الثاني الذي كان دائم التوجس من هذا التيار ويشعر انه اقرب الى التيارات المحافظة المناهضة لليسار. ومغرب محمد السادس، بعث باشارات مناقضة، اما بحكم وجود ملك شاب وحاشية تنتمي الى جيل تربى في احضان ثقافة اليسار واما بحكم المخاطر، التي بدأت تشكلها على انظمة الحكم واستقرارها، التيارات الاصولية المناهضة تاريخيا لليسار وافكاره. والمغرب الجديد الذي جاء نهاية التسعينات واليسار مشاركا في تدبير الشأن العام بل وفي قيادته، كأي سلطة، لا تمنح ثقتها المطلقة ولا الدائمة، لذلك حاول بعض فاعليه استقطاب يساريين يبلورون رؤية تمزج بين رؤية سلطة تقليدية موروثة ورؤية حداثية. وقد تكون هذه الاستقطابات واكراهات تدبير الشأن العام في دولة ليست السلطة فيها للمدبر لعبت دورا في سلسلة خلافات في صفوف اليسار وولدت احزابا فاقدة المصداقية وفي الوقت نفسه لعبت دورا في تقليص مصداقية اليسار امام الرأي العام. واعتبرت فعاليات يسارية في ندوة نظمت مساء يوم الجمعة بسلا أن الشروط السياسية الراهنة مواتية لتحقيق وحدة اليسار، وأن هذه الوحدة أصبحت ضرورة ملحة من أجل صيانة المكاسب التي حققها المغرب في المجال السياسي والحقوقي والمساهمة في كسب رهان التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتمحورت الندوة التي نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد حول موضوع 'اليسار المغربي في محك تحولات المشهد السياسي' وشارك فيها ممثلون عن أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية واليسار الاشتراكي الموحد وجبهة القوى الديموقراطية والحزب العمالي. وأكدت المداخلات على أهمية توحيد اليسار من أجل تقوية موقعه في الخريطة السياسية، خاصة بعد التكتلات التي عرفتها مؤخرا بعض الأحزاب، مما سيمكن من تأهيل الحقل السياسي وعقلنته وإفراز تعددية حزبية حقيقية تمكن المواطن ، خلال الانتخابات، من تحديد اختياراته بوضوح. واذا كانت التيارت الاصولية شكلت هدفا مشتركا للسلطة واطراف اليسار، كل لحساباته، فإن احزاب اليسار ومنذ صيف 2007 وجدت نفسها في مواجهة تيار بالسلطة يتبلور فاعلا سياسيا ثم حركة مجتمعية ثم حزبا سياسيا من النوع القديم الجديد والمقصود هنا هو فؤاد عالي الهمة صديق العاهل المغربي الملك محمد السادس والوزير في الداخلية منذ 1999 الذي اعلن عن دخوله العمل الحزبي بداية بتقديم استقالته من الوزارة وخوض الانتخابات التشريعية في ايلول/سبتمبر 2007 في مسقط رأسه وبعد ذلك تشكيل فريق برلماني (مساند للحكومة) ثم حركة من اجل كل الديمقراطيين وصولا الى حزب الاصالة والمعاصرة (تحت التأسيس). ووجد اليساريون في الهمة الذين اطلقوا عليه لقب الوافد الجديد منافسا واستنساخا لتجربة استيلاد السلطة لاحزاب تعتاش عليها واعلنوا تخوفهم منه على المغرب وديمقراطيته الوليدة وشنوا عليه حربا اختلفت حدتها من تيار الى تيار. واذا كان فؤاد الهمة قد قدم للمغرب 'خدمة' توحيد احزاب صنعتها السلطة خلال العقود الماضية واسس حزب الاصالة والمعاصرة كخليط بين يساريين وهذه الاحزاب التي كانت توصف بالادارية ولا جماهيرية لها فإن جعبته لا زالت تحمل مفاجآت. وحسب فاعلين سياسيين بالمغرب فإن دورة الهمة تستكمل بعد توحيد كل الاحزاب المحسوية على التيار الليبرالي او اليميني وهي احزاب السلطة او خلق قطب لهذا التيار (يملك اغلبية برلمانية) وان ينسحب الهمة بعد استكمال هذه الدورة من العمل السياسي الحزبي ويعود الى القصر كما كان احد رجالاته او اهم رجالاته، اذ ترشحه اوساط سياسية لمهمة مدير الديوان الملكي وان كانت صحف رشحته سفيرا في باريس. واذا ما تحقق ذلك فإن اليسار المغربي سيجد ان بقاءه بات رهينا بوحدة تياراته وفصائله التي لم يكن لتشتتها اي مبرر فكري او سياسي بقدر ما كان لحسابات شخصية او لخلافات حول قضايا تكون محل خلاف في كل الاحزاب وفي كل العصور. وسجل المتدخلون في ندوة مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد على أن مشروع تحقيق وحدة اليسار عرف دفعة قوية منذ اقتراع ايلول/سبتمبر الماضي والذي كشف على أن قوى اليسار 'دفعت ضريبة تشتتها'، مشددين على أن دينامية تحقيق هذه الوحدة أفرزت رغبة من لدن كافة مكونات اليسار من أجل تعزيز العمل المشترك. وأشارت بعض المداخلات إلى أن اندماج أحزاب اليسار في حزب سياسي واحد قد يتطلب بعضا من الوقت لتشخيص الوضع السياسي الراهن وتعميق النقاش حول آليات وسبل تحقيق هذا الاندماج، معتبرة في الوقت ذاته أن تشتت اليسار في الوقت الراهن لا يمنعه من العمل من موقع موحد من خلال التنسيق بين المواقف خاصة على مستوى المؤسسة التشريعية. وأبرزت أن هوية اليسار تتجلى في الدفاع عن البعد الاجتماعي وأن الرهانات الكبرى التي يواجهها حاليا، تتمثل في الارتباط مجددا بقضايا المواطنين ومشاكلهم اليومية والإصغاء لانتظاراتهم، وملاحظة تراجع دور قوى اليسار في النقابات العمالية والهيئات الطلابية وجمعيات المجتمع المدني. وكانت ورقة تقديمية أشارت في بداية الندوة إلى التحولات التي عرفها المشهد السياسي منذ انتخابات أيلول /سبتمبر، مما يستوجب من اليسار جمع قواه وتنسيق مواقفه في أفق تشكيل قطب برلماني فاعل ومؤثر على مجريات العمل النيابي. ورأت أن من شأن هذه الدينامية أن تفتح المجال لمشروع سياسي متميز قد يعيد للمسألة الديمقراطية موقعها الجوهري في نضال قوى اليسار وذلك من أجل توضيح مستلزماتها على ضوء مستجدات الحياة السياسية وفي أفق الاستحقاقات المقبلة. 27/10/2008