الرباط- يترقب أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكبر حزب يساري بالمغرب، والمتتبعون له قرارات مؤتمره الوطني الثامن الذي ينطلق اليوم الجمعة للبت في عدة ملفات شائكة، أبرزها اختيار الرئيس الجديد للحزب، وتحديد استمرارية مشاركته في صفوف الحكومة من عدمها. وبدا من تصريحات عدد من قيادات الحزب قبل انطلاق المؤتمر أن ملفا آخر على مائدة المؤتمر قد تم حسمه، وهو التحالف مع غريمه التقليدي "حزب العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية؛ حيث أجمعوا على أنه "غير وارد". وسيلتقي 1300 عضو في الحزب، الذي يشارك في الحكومة، بمدينة بوزنيقة في "دورة استدراكية" في الفترة من 7-9 نوفمبر تعوض ما فشل فيه خلال دورة يونيو الماضي، وبخاصة اختيار قائد جديد للحزب ومجلسه الوطني ومكتبه السياسي الذي يعتبر أعلى هيئة تنفيذية. وفي محاولة من الأعضاء لإنجاح المؤتمر وإبعاد سيناريو تفجير دورة يونيو الفاشلة، تم إلغاء نظام الانتخاب باللائحة، وتم تعويضه بالنظام الأحادي؛ حيث سيختار المؤتمرون رئيس الحزب عن طريق الاقتراع السري المباشر. ومن أبرز المرشحين للمنصب وزير العدل الحالي عبد الواحد الراضي، ووزير المالية السابق فتح الله ولعلو، ووزير التعليم السابق لحبيب المالكي، إلى جانب الوزير السابق كذلك نصر حجي. وإلى جانب الهياكل القيادية، سينظر المؤتمرون في قضايا ثلاث رئيسية ترسم الخطوط العريضة لدوره السياسي المقبل، وهي: الاستمرار في المشاركة الحكومية من عدمها، والتحالف مع حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، بالإضافة إلى ملف التعديلات الدستورية التي يطالب بها الحزب. "العدالة" غير وارد وفي تصريحات استباقية لما سيصدر عن المؤتمر، أجمع عدد من قيادات الحزب على أن التحالف مع "خصمه التقليدي" حزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية "غير وارد" في أجندة المؤتمرين. وأكد محمد اليازغي، الرئيس السابق للحزب ووزير الدولة حاليا، أن الحزب لم يضع في اعتباره تغيير تحالفاته الحالية والمستمرة منذ 1991 والمتركزة في "الكتلة الديمقراطية" المشاركة في الحكومة، وتضم بالإضافة إلى الاتحاد الاشتراكي كلا من حزبي الاستقلال، والتقدم والاشتراكية. وأيد الفكرة نفسها القيادي في الحزب، عبد الهادي خيرات، الذي صرح لصحيفة "المساء" يوم الأربعاء أن "التحالف مع العدالة والتنمية غير وارد". وأعطى بيان المجلس الوطني للحزب الذي صدر في الثالث من الشهر الجاري، الأولوية لتعزيز التحالف مع الكتلة الديمقراطية، داعيا الرئيس المقبل والمكتب السياسي إلى بذل كل الجهود لتوحيد أحزاب اليسار ضمن قطب موحد. وشدد في الوقت نفسه على أن التحالفات المقبلة لا يجب أن تنبني على ما أسماها "رهانات رقمية"، في إشارة إلى نتائج الانتخابات السابقة التي حقق فيها "العدالة" فوزا كبيرا، بل على "برامج سياسية واضحة" تأخذ بعين الاعتبار التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد. وصرح مصدر من داخل الاتحاد الاشتراكي ل"إسلام أون لاين.نت" في وقت سابق بأن "التقارب بين الغريمين السياسيين مرتبط بعامل الوقت"، ويبدأ بما وصفه ب"كف الأذى بين الحزبين"، و"حسن النوايا من جانب العدالة والتنمية". وفي المقابل، أكد مصطفى الرميد، رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية، في تصريح سابق لصحيفة "لوروبورتير" الأسبوعية الصادرة بالفرنسية أن "العدالة يمد يده للاتحاد الاشتراكي وكافة القوى الديمقراطية لإنجاح الانتقال الديمقراطي الذي يجتازه المغرب". وكانت تحليلات مراقبين قد رجحت حدوث تحالف بين "الاتحاد الاشتراكي" و"العدالة والتنمية" قبل الانتخابات المحلية المقررة في صيف 2009؛ لمواجهة مد حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يتزعمه عالي الهمة، المقرب من الملك، والذي استطاع ضم 5 أحزاب صغرى، وعقد تحالفا داخل البرلمان مع التجمع الوطني للأحرار، فيما تتواصل المفاوضات مع كل من "الاتحاد الدستوري"، و"الحركة الشعبية" لإيجاد صيغة للتحالف، وخلق قطب ليبرالي يميني كبير. نشارك أم لا؟ وفيما يتعلق بالمشاركة في الحكومة أو تركها إلى صفوف المعارضة، فقد ترك المجلس الوطني للحزب الباب مفتوحا أمام مناقشة هذا الملف، ونص في بيانه الأخير على أن "الوقت قد حان لتقييم مضمون هذه المشاركة وطبيعتها". غير أنه يبدو أن هذه المسألة لا تلقى نفس القبول لدى كافة الأعضاء؛ حيث اعتبر محمد اليازغي في تصريح صحفي يوم الأربعاء الماضي أن "وجودنا في الحكومة هو ناتج عن قرار اتخذه المجلس الوطني في أكتوبر 2007؛ ولذلك فإن المطروح الآن هو كيف نجدد تحالفنا داخل الكتلة الديمقراطية، وليس واردا أن نستعمل المشاركة الحكومية أو عدمها أسلوبا للتفاوض أو الضغط". "طمأنة الملك" وفيما اعتبر "ثورة" داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، ومحاولة للعودة به إلى قوة المعارضة التي كان ضمن صفوفها في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، تبنى المجلس الوطني للحزب خيار الدعوة إلى "ملكية برلمانية" بشكل رسمي. وتهدف هذه الدعوة إلى التقليص من سلطة وصلاحيات الملك مقابل توسيع صلاحيات رئيس الوزراء والحكومة والهيئة التشريعية المنتخبين. وتهدف كذلك -بحسب بيان نشره المجلس الوطني للحزب- إلى ضمان "استقلال القضاء، وحرمته، ونزاهته، وفعاليته". غير أن كلا من عبد الهادي خيرات ومحمد اليازغي ونصر حجي، من أعضاء المجلس الوطني، حرصوا على طمأنة المؤسسة الملكية بشأن تداعيات هذه الدعوة. وأكد هؤلاء على أن الملكية البرلمانية "لا تستهدف تقليص السلطة أو توسيعها في حد ذاته، بل تستهدف تحقيق التوازن بين مؤسسات الدولة بما يحفظ لها مكانتها ودورها، ويؤهلها للاضطلاع بمهامها المنوطة بها".