باريس الفجرنيوز www.alfajrnews.net [email protected] الحياة رحلة، زادها العمل الصالح: زيِّن عُمُرَكَ و جدده بعبادة الله و الإحسان إلى خلقه ( ومن أحسن قولا مّمّن دعا إلى الله وعمل صالحا)(1). ومراقبة الله في كلّ صغيرة و كبيرة ( وهو الذي يتوفاكم بالليل و يعلم ما جرحتم بالنّهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجلٌ مسمّى ثمّ إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون)(2). فما أروع أن يُعيد الإنسان ترتيب شؤونه و تنظيمها بين الفينة و الأخرى ويقاوم الفوضى و الكسل والعجز بلا كلل ولا ملل مستعينا بالله في كل وقت وحين أن يُعيذه و يحميه من الهم والحزن والجبن والبخل وضيق الدّنيا و غلبة الدَّيْنِ وقهر الرّجال.عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله (ص) يُكثر من قول هذا الدعاء ( اللهم إنِّي أعوذ ُ بك من الهَمِّ و الحزن، و العجز و الكسل،و البخل،والجبنِ، وضلعِ الدّين وغلبةِ الرِّجال) (3). وما أجمل أن يراقب الإنسان أعماله وما يحسبه إنجازات بعين البصير النّاقد حتى لا تفوته وهو في سكرة الحياة السلبيات وهو يحسبها إيجابيات. ما أحوج الإنسان إلى مثل هذه المراجعات النقدية و الموضوعية ليميز الخبيث من الطيّب،والصواب من الخطأ . وما أشدّ حاجته بناء على ذلك ، ليرسم الخطط المرحلية و الإستراتيجية من أجل ترسيخ المكاسب وتأكيدها،وتعديل أو نسخ ما يُعتقد أنّه من فصيلة السلبيات والأخطاء. ما أحوجنا بعبارة أخرى إلى توبة نصوح في كُلّ مرة نجدد فيها و من خلالها العهد مع الله رب العالمين: ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيِّئات ويعلم ما يفعلون) (4). أليس الإنسان المؤمن حقا من أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه، و تعهُّد حياته الخاصّة و العّامة في هذه الدّنيا المائجة بما يصونها و يحفظها من كل سوء؟ ما أشّد حاجتنا،أيّها الحبيب، إلى أن ننتبه لفوائد هذه المحاسبة عند الحول إذا حال واستدار،وعند الشهر إذا انقضى،وعند اليوم إذا ولّى لينظُر كل واحد منّا فيمَ أفنى من ذلك؟ و ما كسب لنفسه فيه؟ جاء في رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي ( و حاسب نفسك في كُلِّ خطرة وراقب الله في كل نفس)(5) إن استطعت. وللإمام ابن القيم كلام في الخطرة وما إليها في غاية الدقة ،ما أبلغه وما أصدقه و ما أجمله؟َ! وأنا ناقل لك منه شيئا يسيرا راجيا منك أن تتدبره ففيه الخير لك في دينك و دنياك. قال رحمه الله (دافع الخَطِرةَ ،فإن لم تفعل صارت شهوة،فحَاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة و همّة، فإن لم تَدَافَعْها صارت فِعلا ، فإن لم تتداركه بضِدِّه صار عادة، فيصعُبُ عليك الإنتقالُ عنها!! واعلم أن مبدأ كل علم اختياري هو الخواطر و الأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل. وكثرة تكراره تُعطي العادة. فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر و الأفكار، وفسادها بفسادها. ............وقد خلق الله سبحانه النّفس شبيهة بالرّحى الدائرة التي لا تسكن و لا بُدّ َ لها من شيء تطحنه . فإن وُضِعَ فيها حبّ ٌ طحنتهُ ، وإن وُضِعَ فيها ترابٌ أو حصًى طحنته ُ ! .... فمن النّاس من تطحن رحاه حبّا يَخْرُجُ دقيقا ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم من يطحن رملا و حصى و تبنا ونحو ذلك ! فإذا جاء وقت العجن والخَبْزِ تبيّن له حقيقة طحينه !!)(6) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم عندما قال : (.... ألا و انّ في الجسد مُضغة إذا صلُحت صَلُح الجسد كلُّهُ وإذا فسدت فسد الجسد كُلُّهُ ، ألا وهي القلب ). ......قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس مّا قدمت لغد وآتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون. و لا تكونوا كالذين نَسُوا الله فأنساهم انفُسهم أولئك هُمُ الفاسقون) (7). و قد كان ابن الخطّاب رضي الله عنه يقول : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا و تزّينّوا للعرض الأكبر و إنّما يخّف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدّنيا )(8 ). وفي صيغة أخرى للترمذي(حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، و زِنُوها قبل أن تُوزنُوا، و تزَيَّّنُوا للعرض الأكبر يوم لا تخفى منكم خافية )( 9) أيها الحبيب عليك أن تُعِّدَ العُدّة قبل حلول المنايا، فالأيام لك مطايا، وملك الموت لا يقبل الهدايا وإذا أقبل عليك فإنّه لن يُدبر إلاّ إذا قضى ما هو به مأمور،فلا تَلُمْهُ حينئذ، فهو من الملائكة المكرمين المقربين الذّين لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون. فيا هذا عليك بالجِدّ و الإجتهاد ، وخلِّ عنك هذا الكسل وهذاالرّ ُقاد ،فطريقك لا بذَّ له من زاد، وخير الزّاد التقوى (فاتقوني يا أولي الألباب): اِنهض إلى المعالي وَاجسُرْ ولا تُبالي وخُذ ْ من الزّمانِ حظّا فأنت فان المجّدُ بالمخاطرة والنّصرُ بالمُصابرة فأيامك هي سفينتك ومركبك في دُنياك، وأذا أردت أن يكون مركبك هانئا ومريحا وأيامك بحق سعيدة و جميلة فعليك أن تُزّين كُلّ َ ذلك بالعلم والأيمان والعمل الصالح. وحتى تعرف كيف ولماذا وبماذا تزيِّن أيامك و تجددها، كان لابد أن نتعاون جميعا للإجابة عن هذه الأسئلة مُستلهمين مصادر النور و الهداية، كتاب الله وسنة رسوله، ثم تجارب الأولين وما تفتق عنه العقل البشري من معارف وعلوم ،قدر المستطاع . واعلم أخي المسلم في كُلِّ مكان أنَّ من نصحك فقد أحبّك وأراد لك الخير ورفع ذكرك بين النّاس ، ومن داهنك أو جاملك في أمر لا يحتمل المجاملة فقد غشك واستبلهك، ومن لم يقبل نصيحتك أو احتقرك فليس بأخ لك في الدّين . قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: ( لا خير في قوم ليسوا بناصحين،و لا خير في قوم لا يحبّون الناصحين) و هو القائل أيضا رضي الله عنه( رحم الله امرءا أهدى إلي عُمر عيوبه، فعدّ رضي الله عنه الإشارة إلى العيب من الأخ النّاصح هدية تستحق الدعاء لمهديها). وهذا ما نلتزم به أن شاء الله تعالى وننصح به إخواننا و أحبتنا بشرط أن تكون النصيحة خالصة لوجهه الكريم وثمرة للحب في الله ،وأن لا تكون تشويها أو تحريضا وانتصارا للذات ،أو حقا أُريد به باطلا أو دفاعا مزيفا عن الدّين بغاية إنتهاك أعراض المخالفين في الرّأي و استباحة حرماتهم . فما هي مصادر النور و التجديد في حياة الإنسان عموما و المؤمن خصوصا؟ وما هي أهم عناوين تَجديد الأيّام والليالي التي كتب الله ان نقضيها .ما هي شموع الخير والهداية الرّبانية التي علينا أن نستهدي بها ونستنير في حياتنا ؟ ما هي السّبُلُ المُنْجِّيات لفهم تفاصيل النشأتين وتحقيق السعادتين ؟ ما هي شروطها وضوابطها الشرعية و العملية التي ينبغي علينا ان نعرفها ونستوعبها و نحيط بها ؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في الأجزاء القادمة أن شاء الله تعالى . مصطفى الونيسي/ باريس الأحد 9/11/2008