الرباط - بعد الوصول إلى باب مسدود في مؤتمره الثامن المنعقد في يونيو/ حزيران الماضي، اضطر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمغرب إلى تنظيم ما سماه الشوط الثاني من المؤتمر من السابع إلى 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي لاختيار أمينه العام. وإذا كان الحزب -المشارك في الحكومة الحالية- قد نجح هذه المرة بعد التوافق على مسطرة الانتخاب باعتماد الاقتراع الفردي في اختيار عبد الواحد الراضي قائدا جديدا للحزب خلفا لمحمد اليازغي، فإن أزمة الحزب المتمثلة في التجاذب بين معارضة الحكومة والمشاركة فيها لا تزال قائمة. للاتحاد الاشتراكي رصيد طويل من المعارضة أيام صعود نجم الاشتراكية واشتعال لهيب الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولاياتالمتحدة والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقا. كان الحزب يومها، بقيادة زعمائه التاريخيين مثل المهدي بن بركة الذي اختطف في فرنسا ولا تزال ملفوفة بالغموض، وعبد الرحيم بوعبيد الذي رفض مرارا قيادة الحكومة، يقود "الثورة" البروليتارية وينظم المظاهرات والإضرابات، ويقدم "الشهداء". في تلك الفترة دخل عبد الرحيم بوعبيد السجن لجرأته على الاختلاف مع الملك الحسن الثاني في معالجة بعض الملفات. ولا يزال المغاربة يتذكرون الخطب النارية لفتح الله ولعلو في البرلمان وهو يهز مشاعر الجماهير ويسفه الحكومة و"سياساتها البورجوازية المتعفنة". بريق يخفت لكن بريق الحزب بدأ يخفت -حسب ما يقول للجزيرة نت المحلل وأستاذ العلوم السياسية منار السليمي- عند أول مشاركة حكومية لدى تعيين زعيمه الأسبق عبد الرحمن اليوسفي عام 1998 رئيسا لما سمي "حكومة التناوب" في أواخر عهد الحسن الثاني وبداية عهد الملك الحالي محمد السادس. وجاءت هذه المشاركة بعد نهاية الحرب الباردة وظهور الإسلاميين في الساحة السياسية عبر حزب العدالة والتنمية بقيادة زعيمه الراحل عبد الكريم الخطيب. منذ ذلك الحين بدأت النقاشات تتصاعد داخل الحزب حول الموقف الأصوب لحزب ناضل طويلا، كما أوضح ذلك حسن طارق أستاذ العلوم السياسية عضو المجلس الوطني للحزب. وهكذا بدأ أعضاء الحزب يتساءلون عن البقاء في المعارضة أم الدخول إلى الحكومة والإصلاح من خلال دواليبها. وأوضح طارق في حديث للجزيرة نت أن "المناضلين انتظروا حتى نهاية فترة اليوسفي لتقييمها واتخاذ الموقف المناسب"، لكن الحزب بقي موزعا بين المشاركة والمعارضة حتى انتصر موقف المشاركة في حكومة إدريس جطو (2002) ثم في الحكومة الحالية التي تشكلت في 2007 بقيادة عباس الفاسي. ويدافع عن المشاركة وزراء اتحاديون سابقون وحاليون يرون أن مكاسب الحزب من المشاركة أكبر من تحوله إلى المعارضة. أما أنصار المعارضة، ويمثلهم حسن طارق نفسه والشبيبة الاتحادية، فيرون أن الحزب قد "تمخزن" (المخزن في المغرب يحيل عموما إلى السلطة المركزية) كثيرا بمشاركته المتكررة في الحكومة وأنه فقد رصيده النضالي التاريخي. "عبد الواحد الراضي يوصف بأنه رجل التوافقات داخل الحزب وخارجه، إذ إن علاقاته جيدة مع جميع أطراف حزبه وأطراف الحياة السياسية"
رجل التوافقات في المؤتمر الأخير أظهر نتائج اختيار الكاتب الأول الجديد تقاربا بين أبرز المرشحين، فالراضي-وزير العدل حاليا- حصل على 340 صوتا من أصل 1332 صوتا، في حين حصل فتح الله ولعلو وزير الاقتصاد والمالية السابق على 315 صوتا. وتوزعت الأصوات الباقية بين أربعة مرشحين. ويتفق المحللان السليمي طارق على أن تلك النتائج تظهر المأزق الذي يعيشه الحزب وتوزعه بين المشاركة والمعارضة. ويوصف الراضي بأنه رجل التوافقات داخل الحزب وخارجه، إذ إن علاقاته جيدة مع جميع أطراف حزبه وأطراف الحياة السياسية. ولذلك يرجح طارق أن يبقى الحزب موزعا بين الموقفين إلى نهاية ولاية الراضي.