من المؤكّد إن الغالبية العظمى من العرب, حكّاما ومحكومين, ما زالوا يعيشون نشوة إنتصارالرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما. ليس فقط لأنهم بحاجة الى قشّة "ديمقراطية" تنقذهم من الغرق"الجمهموري" الذي كان سببه المباشربوش الصغير وإدارته الحاقدة على العرب والمسلمين, والذي أوصل أمريكا وأوصلهم الى الحضيض, بل لأن العرب, وأولهم الحكّام طبعا, فقدوا أي دور لهم في عالم اليوم, وأصبحوا أعجز من أن يحرّكوا ساكنا رغم قدراتهم وإمكاناتهم المادية والبشرية الهائلة. ويمكن القول بكلّ بساطة أنهم صاروا حجرعثرة في طريق تطوّر وإزدهار شعوبهم وبلدانهم. وبالتالي فقد عمّ في ربوعهم شعور طاغٍ بالعجز وقناعة راسخة بان وضعهم, خلافا لبقية بني البشر, يراوح بين الموت والغيبوبة. الّلهم باستثناء مبادراتهم السياسية والثقافية والدينية التي لا تنتهي, والتي آخرها"الحوار بين الأديان", الرامية جميعها الى التقرّب قدرالمستطاع من الكيان الصهيوني الغاصب. وما عدا ذلك فليس للعرب موقعا من الاعراب في جملة السياسة الدولية, بل إنهم كفّوا حتى عن أن يكونوا جملة إعتراضية! وما يثيرالضحك حقّا إن بعض الحكّام العرب, كما ذكرت وسائل إعلام وصحف كثيرة, مستاؤون جدا لأن الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما, وفي أول خطوة يتخذها وكأنها مقصودة, أو أنها فعلا كذلك, قام بتعيين الاسرائيلي رام إيمانويل في منصب رئيس موظّفي البيت الأبيض. وهو واحد من أكثرالوظائف خطورة وحسّاسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويعني في ما يعني إن جميع نشاطات ولقاءات وقرارات وتحرّكات الرئيس الجديد باراك أوباما وكذلك إتصالاته الهاتفية وكلّ صغيرة وكبيرة في حياته, بما فيها حياته العائلية الخاصة, سوف تكون بيد هذا الرجل, وسوف تصل بطبيعة الحال الى تل أبيب لحظة بلحظة. وبالمناسبة فإن أيمانويل هذا سبق وأن إنتقد وهاجم جورج بوش لكونه"متساهل جدا" مع الفلسطينيين. وبما إن إسرائيل, كما قلت في مناسبات سابقة, هي"الولاية" الأمريكية المدلّلة خارج أمريكا فانها سوف تقوم, كما فعلت مع كلّ من سكن البيت الأبيض منذ أكثر من نصف قرن, بتقييم دقيق لكل خطوة يتخذها الرئيس باراك أوباما خصوصا في السياسة الخارجية التي تخضع خضوعا تاما لرغباتها وأهدافعها العدوانية التوسعية. صحيح: كما يُقال, إن أهل مكّة أدرى بشِعابها, ولكن الصحيح أيضا هو أن صهاينة تل أبيب أدرى بشعاب ودهاليز البيت الأبيض. فاستنادا الى ما تنشره الصحافة الاسرائيلية فان ثمة أسماء يهودية لامعة, سبق وأن قدّمت خدمات جليلة الى إسرائيل, مرشّحة لأن تشغل وظائف ومناصب مهمّة في الادارة المقبلة للرئيس باراك أوباما. ومن بين هؤلاء على سبيل المثال دينيس روس ومارتن أنديك ودان كيتسر وغيرهم. فضلا عن ذلك إن باراك أوباما محاط بمجموعة من الشخصيات المتنفّذة التي عملت في إدارة الديمقراطي بيل كلنتون, والتي كانت وما زالت مصنّفة في خانة"أصدقاء إسرائيل". ومعلوم إن زيرالنساء بيل كلنتون لم يكن عدوا لاسرائيل أو أن إدارته كانت تتصرّف كوسيط محايد ونزيه فيما يخصّ القضايا العربية, وعلى رأسها القضية الفلسطينية, قضية جميع العرب والمسلمين وشرفاء وأحرارالعالم. ولكي يزيد الطين بلّة طلب الرئيس المنتخب أوباما من الأفعى السامة ماندلين أولبرات, وزيرة خارجية بيل كلنتون وصاحبة المقولة الشهيرة "إن موت نصف مليون طفل عراقي ثمن مقبول لاستمرار الحصار على العراق". طالبها باراك أوباما بأن تقوم نيابة عنه بلقاء الضيوف والوفود الأجنبية والتحدّث اليها أثناء قمة العشرين المتعلّقة بالوضع الاقتصادي العالمي والأزمة المالية الحادة التي كان سببها الأول هو بوش الصغير وسياسته الرعناء. وإذا كان ثمة فرق بين رئيس جمموري وآخر ديمقراطي, فيما يخص العرب والمسلمين, فان الأول يفضّل الغزو والحرب والاستعمال المفرط للقوة, وسياسة الأرض المحروقة بينما الثاني يستخدم أساليب"رحيمة" كالحصارالجائر والعزلة الدولية والمقاطعة الاقتصادية وأبقاء الشعوب رهينة المرض والفقر والجهل. ولكن والنتيجة واحدة. أي بمعنى آخر, كما يقول المتنبي تعدّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ.