بروكسل– بالكاد يستطيع المار أن يجد عيونا زرقاء وشعرا أشقر في ساحة "الكومينال" وشارعي "ليكول" و"برادو" وفي الشوارع المحيطة بهم في حي "مونلبيك" بقلب العاصمة البلجيكية بروكسل، فالحي الذي سكنه غالبية من المهاجرين المغاربة منذ بداية السبعينيات تحول اليوم إلى أحد مراكز الإسلام البلجيكية بامتياز. هوية حي "مونلبيك" الذي يتواجد في الشمال الغربي للعاصمة البلجيكية بروكسل تبرز في مسجد "الخليل" الذي افتتح منذ سنة 1985؛ فهذا المسجد الذي ينتصب بدون مئذنة أو علامات خارجية تشير إلى كونه مسجدا غير بعيد عن مركز الحي حيث يتوافد أكثر من ألف مصل على طابقين واسعين كل جمعة للصلاة والتي تمحورت خطبة هذا الأسبوع حول موضوع الحج والاستعدادات له. ويقول عبد الكريم الكبداني مدير المسجد ل"إسلام أون لاين.نت": إن "الخليل" ليس فقط مكانا للصلاة؛ فهو يقوم بأنشطة اجتماعية وتربوية، ويضم مدرسة "الخليل"، وافتتح هذه السنة ثانوية "ابن سينا" والتي تعتبر أول ثانوية إسلامية ببلجيكا.
ويضيف الكبداني أن "الخليل" الذي حوله مسلمو الحي من مصنع إلى مسجد "أكبر مسجد ليس في الحي فقط بل في بلجيكا بشكل عام". 20 مسجدا وفضلا عن مسجد الخليل، يضم "مونلبيك" 20 مسجدا، وهو الحي الذي يضم أكبر عدد من المساجد في كامل أنحاء بروكسلوبلجيكا، الأمر الذي دفع بلدية المنطقة إلى تكوين ما سمي ب"المجلس الاستشاري لمساجد مونلبيك". وإن كانت معظم مساجد الحي تحت سيطرة الجالية المغربية على اختلاف اتجاهاتها؛ فإن للأتراك مساجدهم في الحي وكذا للجاليات المهاجرة الأخرى كالباكستانيين والأفارقة. ويقطن حي مونلبيك حوالي 83 ألف ساكن من بينهم ثلثان من أصول مسلمة مهاجرة. الصبغة المغربية وتطغى الصبغة المغربية للحي على ما دونها؛ ففي شوارع حي "مونلبيك" مثل شارع "ليكول" أو المدرسة بالعربية تنتصب "مخبزة ومرطبات أغادير" بالقرب من نادي ومقهى "مرحبا"، إلى جانب مجزرة بوزرة الإسلامية تحاذيها "حلاقة ميمون". أما في ساحة "الكومينال" -البلدية- المبللة تحت رذاذ خفيف يسمع المار بوضوح تلاوة القرآن من صوت "عبد الرحمن السديس" تنبعث من "مكتبة سلامة" لبيع الكتب الإسلامية والجلابيب والعطور والبخور والمسك، يقول صاحبها: "جيراني تعودوا على تلاوة السديس التي أبثها في الساحة كل يوم جمعة". كنيسة خالية غير بعيد عن ساحة "لاكومنيون" التي تضم قصر البلدية تقع ساحة "بافي جون باتيست" وهي الساحة التي سميت باسم كنيسة مونلبيك ببرجها العالي، ولكنها على خلاف مساجد الحي تبدو خالية ومقفلة فيما ينتشر شباب من الواضح أنهم من الجيل الثاني من مغاربة الحي يتكلمون الفرنسية ويخلطونها بكلمات دارجة مغربية من قبيل "ديالو" أي "تبعه"، وكلمة "والله" للقسم بالعربية. أغلب هؤلاء الشباب -يقول "عبد الغني بن موسى" الناشط المسلم في "الحركة البلجيكية ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب"- هم شباب عاطلون عن العمل ولم يكملوا دراستهم. ويضيف بن موسى في تصريحات خاصة لشبكة "إسلام أون لاين.نت": إذا كانت نسب البطالة تبلغ 6% في العموم في كامل أنحاء بلجيكا فإنها تصل إلى 20% في العاصمة بروكسل، وتبلغ 40% في أوساط الأقلية المسلمة، وهو ما يفسر تركز التهميش والعنف في أحياء مثل حي "مونلبيك". عودة للتدين
وبالتوازي -يضيف بن موسى- "هناك عودة قوية إلى التدين وإبراز المظاهر الدينية في هذا الحي ربما يعود بعض أسبابها إلى الرغبة في الانطواء على الذات في واقع لا يزال لا يتقبلهم بسهولة". من بين أربع فتيات تسير في شوارع "مونلبيك" هناك ثلاث فتيات محجبات، بينما توزعت قاعات الشاي المغربية التي لا تبيع الخمور بين شوارع وساحات الحي؛ وهو ما دفع الإعلام البلجيكي ومنذ أحداث 11 سبتمبر أن يلقي الضوء على هذا الحي على اعتباره أحد "الجيتوهات الدينية" للعاصمة. غير أن مدير مسجد الخليل يقول: "هذا لا يعكس الصورة الحقيقية للحي بكونه أحد مظاهر تنوع المجتمع البلجيكي وتسامحه؛ وخاصة أن إسلام الحي هو في غالبه إسلام وسطي ومتسامح". غالبية مسلمة وعرف حي مونلبيك منذ أحداث 11 سبتمبر تشديدا أمنيا كبيرا، وتم اعتقال العشرات من الشباب الذين تجندوا للذهاب إلى العراق في هذا الحي، كما اعتقل الداعية السوري "بسام العياشي" رئيس "المركز الإسلامي بمونلبيك" سنة 2006 بتهمة التحريض وتهديد فرنسا على خلفية منعها للحجاب في المدارس. ويعود تاريخ توطين المهاجرين المغاربة بحي "مونلبيك" إلى بداية السبعينيات حينما ضربت الأزمة الاقتصادية قطاع المناجم ببلجيكا في ضواحي المدن؛ وهو ما أدى لانتقال غالبية العمال إلى البحث عن عمل داخل المدن وتحديدا إلى العاصمة بروكسل. وأشارت دراسة نشرت أجزاء منها جريدة "ليبر بلجيك" وصدرت عن أحد معاهد البحث البلجيكية إلى أن ثلث سكان العاصمة البلجيكية بروكسل هم من المسلمين. وتوقعت الدراسة أن عاصمة الاتحاد الأوروبي -وإذا ما تواصلت وتيرة الهجرة والمواليد بين العائلات المسلمة على هذا النحو- ستكون ذات غالبية مسلمة بعد حوالي عشرين سنة.