دخل القضاء الجزائري على الخط في قضايا فساد ورشوة تورط فيها مسؤولون كبار في الحكومة، بعد أسابيع من نشر صحف لأخبار خطيرة عن تجاوزات وانحرافات في التسيير مقترنة باختلاسات وتزوير وتلاعب بالمال العام في عدد من القطاعات الوزارية. قرر قاضي التحقيق بمحكمة العاصمة وضع الأمين العام لوزارة الأشغال العمومية رهن الحبس المؤقت، للاشتباه في ضلوعه بقضايا فساد متعلقة بمشروع الطريق السيّار شرق غرب الذي بلغت ميزانيته إلى حد الآن 11 مليار دولار. كما أودع أربعة كوادر من الوزارة الحبس في إطار نفس القضية، وذلك بعد تحقيقات شرعت فيها مصالح الأمن منذ فترة. وكانت صحيفة 'الخبر الأسبوعي' (أسبوعية خاصة) أول من تحدث قبل عدة أسابيع عن وجود تجاوزات وفساد في مشروع الطريق السيار شرق غرب، مؤكدة أن 'مشروع القرن' مثلما سمّاه وزير الأشغال العمومية، تحول إلى 'فضيحة القرن'. كما أن الصحيفة ذاتها سبق وأن كشفت عن أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أودع شكوى قضائية ضد مجهول في عدة قطاعات يشتبه في أنها تعرف قضايا فساد ورشوة. وقد أشارت في عددها الأخير إلى أن مصالح الأمن استنطقت الأمين العام لوزارة الأشغال العمومية عدة مرات، قبل يومين من وضعه رهن الحبس المؤقت. كما أكدت أن الأمن اكتشف حسابا بنكيا باسبانيا يحتوي على 200 مليون دولار يشتبه في أنها رشاوى وعمولات. وبعد أن وضع الأمين العام لوزارة الأشغال العمومية رهن الحبس تفجرت القضية إلى كل وسائل الإعلام، التي لم تعد تتحرج من الحديث عن الفساد الذي وقع في هذا القطاع، وتبين أن شركة صينية تقدمت بشكوى بسبب تعرضها لضغوط من أشخاص مقربين من الأمين العام للوزارة. وهذه أول مرة يتحرك فيها القضاء بهذه السرعة، عقب نشر الصحافة أخبار فساد، خاصة وأن الفضائح المنشورة تعددت هذه الأيام، وذكرت فيها أسماء شخصيات مهمة، وهو ما اعتبره بعض المراقبين مؤشرا على انطلاق عملية 'أياد بيضاء' جديدة، مختلفة عن تلك التي انطلقت في منتصف التسعينات، وتسببت في سجن المئات من كوادر ومسيري الشركات التابعة للدولة، والذين قضوا سنوات في السجن قبل أن يثبت القضاء براءتهم. وذكرت مصادر مطلعة أن التحقيقات في ملف الطريق السيار شرق غرب في بدايتها، وأن مواصلة التحقيق ستكون كفيلة بإسقاط رؤوس كبيرة، وأن التحقيق قد يطال قطاعات أخرى يشتبه في أن الفساد طالها، مؤكدة أن الرئيس بوتفليقة بعدما تناهى إلى سمعه ما حدث أعطى تعليمات بالكشف عن كل المتورطين في تبديد المال العام مهما بلغت مكانتهم أو المناصب التي يحتلونها. وكان القضاء قبل ذلك قد وضع الأمين العام لوزارة الصيد البحري في الحبس المؤقت للاشتباه في ضلوعه بقضايا فساد. ومن غرائب الصدف أن وزارتي الصيد والأشغال العمومية يقودهما وزيران من تيار إسلامي، وينتميان إلى حركة مجتمع السلم (عضو في التحالف الرئاسي). ويعتقد علي يونسي الصحافي بجريدة 'المساء' (حكومية) أن القضية تدخل في سياق تصفية بعض الملفات المرتبطة مباشرة بمشاريع الرئيس بوتفليقة، فهذه القضية هي الثانية المتصلة بالأجانب بعد تلك التي تورط فيها الأمين العام لوزارة الصيد البحري المتابع في قضية تصاريح اصطياد سمك التونة التي تورطت فيها شركات تركية. ويرى يونسي أن تحرك القضاء ليس له علاقة بما كتب في الصحافة، وإنما لأن تقارير وصلت إلى رئاسة الجمهورية بشأن التلاعب بأموال مشروع الطريق السيار شرق غرب، وأنه كان لا بد من إظهار الصرامة حتى لا يقال انه حتى الأجانب لم يسلموا من احتيال الجزائريين، وحتى لا تتأثر صورة الجزائر في الخارج. ولم يستبعد يونسي أن تطفو خلال الأشهر القادمة ملفات فساد في قطاعات أخرى يوليها الرئيس اهتماما كبيرا في برنامج مثل قطاع المياه مثلا أو السكن أو النقل، موضحا أن منظمة 'شفافية دولية' تعتبر الطاقة والنقل من أكثر القطاعات عرضة للرشوة والفساد في العالم.